إلهام صيّادة السمك الوحيدة في عمق البحر

إلهام صيّادة السمك الوحيدة في عمق البحر.. اقتحمت ذكوريّة المهنة وأثبتت جدارتها
إلهام صيّادة السمك الوحيدة في عمق البحر.. اقتحمت ذكوريّة المهنة وأثبتت جدارتها


اقتحمت ذكوريّة المهنة وأثبتت جدارتها

إلهام سليم الخمسينية صيّادة سمك منذ 35 عاماً. تجاوزت بجرأة كل "التابوهات" التي تحرّم على المرأة العمل في مثل هذه المهنة الخشنة، ونجحت في الحصول على تصريح من رئيس ميناء صيدا حسن سويدان وموافقة الضابط المعني في الجيش عام 1978، ونالت عن جدارة لقب "المغامرة".

مشاهدة إمرأة تخترق عالم الذكورية باتت أمراً مألوفاً، نظراً إلى أنها تتحدّى كل القيود الذكورية انطلاقا من اقتناعها بأنها قادرة على كل شيء يمكن أن يقوم به الرجل. ها هي تنزل حمولة مركبها "جاد" من الأسماك في مرفأ الأوزاعي، فيما ينتظرها الذواقة من الذكور أيضاً، لشراء ما جنته من البحر في مزاد علني.

إلهام واحدة ممن عاندْنَ التقاليد: "إمرأة صيّادة، كيف يعقل ذلك؟"، وكان جوابها جازماً حاسماً: "أنا صيّادة ومغامرة"... دخلت هذا المعترك "الذكوري" في التاسعة: "علمني صهري أصول الصيد وفنونه. كنت أخرج معه إلى الصيد، وفي السادسة عشرة بدأت أجوب البحر بمفردي، أصطاد في العمق، فأنا أعشق الصيد هناك، أضف إلى أنك تحظى بأسماك ذات حجم كبير.

تضيف: "لا أصطاد على الشاطىء، بل على بعد يراوح بين 6 و9 كيلومترات"، حيث الأسماك ذات الوزن الكبير مثل "التريخون" الذي تراوح زنة كل سمكة منه بين 4 و 7 كيلوغرامات، وأصطاده على عمق لا يقل عن 45 متراً، فيما يحالفها الحظ أحياناً في اصطياد سمك "لقز" على عمق 150 متراً.

وتعتبر إلهام التي يساعدها ابنها محمد، صيّادة السمك الوحيدة التي امتهنت الصيد مدى أكثر من ثلاثة عقود، حيث كان شغفها بالبحر الدافع إلى اقتحامها عالماً يسيطر عليه الرجل بالكامل. وكانت تعرف بـ "المحظوظة" بين الصيّادين، وجعلت من البحر عالمها، بعدما أتقنت مواجهة المياه الخطرة لتحصل على ما تنتظره من صيد بشكل شبه يومي، وبالطبع بعد تأمينها كل متطلبات الصيد.

حين تراقبها تنزل حمولتها من المركب الصغير تتأكّد لك صلابتها، "البحر يعلّمك الكثير... صحيح أن الحرب الأهلية حرمتني إكمال دراستي وهذا يعزّ عليّ، ولكن ما تعلّمته في البحر كان عظيماً، يكفي؟ أن تتعلّم الصبر، فالصيد من أكثر الهوايات الإنسانية اتساماً بالحكمة وطول البال، ويحقّق الشعور بالسعادة والصبر، فهوعلاج سحري يزيل كل توتر يصيب الإنسان من جرّاء مشاكل العمل الشاقة. تعلّمت منه التجارة، فأنا أبيع صيدي في السوق، وهذا أضفى على مكانتي كإمرأة".

لم يكن الصيد مجرد رحلة بل كان مغامرة ولعبة مسلية بحسب قولها، "صادفني الكثير من المواقف المسلية، ذات يوم نفد مني "الطعم"، فوضعت قطعة خيار صغيرة مكان سمكة السردين (التي تستعمل طعماً) وهو الطعام المفضل لسمك التريخون، واصطدت بواسطتها سمكة".

رواد الشاطىء يستغربون رؤية امرأة تصطاد، ترمي الشباك وتبدّل المرساة، نجحت في خطف الأنظار وحثّ كثيرات على خوض مهنة شاقة. وعلى رغم سيل الانتقادات لم تبالِ، بل على العكس أكملت مسيرتها "وها أنا في الخمسين ولا أزال صيّادة ابنة صيّاد، لو لم أكن على قدر المسؤولية حيال نفسي لما أكملت، فالبحر متنفّسي وحرّيتي... ولم أجد نفسي مضطرّة إلى تحدّي التقاليد، لأن المجتمع تقبّل الفكرة تدريجاً".

غالباً ما رافق الحظ هذه "المغامرة" في رحلاتها السندبادية وابتسم لها، فوقعت في شباكها كلاب البحر، والغزلان والبلاميدا والجراوي والبريق والجريش، و"الوطاويط" المعروفة بأنها قوية وثقيلة، فكانت تلقى المساعدة ممن يرافقها من أفراد عائلتها أو أقاربها لسحبها إلى داخل المركب.

ولم تتوقف مهاراتها عند هذا الحد، فهي أتقنت الصيد بما تسمى الجرجارة، وهي عبارة عن "ريشة" خشبية طويلة وقوية تنتهي بصنارة، وتقوم برميها على سطح المياه، لتلتقط بها السمكة التي يجذبها الطعم.

ولكن هل من مخاطر واجهتها؟ لا تتردّد في القول أن المواجهة مع كلب البحر (القرش) هي من أخطر الأحداث واللحظات التي عاشتها في عالم البحار، نظراً إلى بقائه حياً بضع دقائق، وقيامه برد فعل عنيف ومؤذ لمن يقترب منه، فيما يتجاوز وزنه 600 كيلغ.

يشكّل البحر لها مصدر إلهام حيث تجد فيه راحتها النفسية، فهو أوكسيجين حياتها، وفق تعبيرها، وعلى رغم أعوامها الخمسين إلا أنها لم تنقطع عنه، "لكنه اليوم أصبح هواية بالنسبة إليّ أمارسها مرة أو مرتين في الأسبوع"، متنقلة بين الزهراني والصرفند وصيدا وعدلون والإوزاعي.

تزوجت من الصيّاد زين سليم الذي "كان يصطحبني معه إلى عرض البحر لسنوات عديدة، وكنا نصطاد قرابة 50 كيلغ يومياً في الموسم الذي يبدأ في آب وينتهي أوائل تشرين الثاني، ويمتد يوم الصيد قرابة 12 ساعة، وانخفض عدد الساعات إلى عشر في الأوزاعي، بسبب شفط الرمول من الرصيف القاري (على مسافة 10 أمتار من الشاطىء حيث يضع السمك بيوضه)، ما يتسبب بالقضاء على البيئة الحاضنة للأسماك، ما يترك أثره على كل أنواعها وحتى على السلاحف ما حول بحرنا صحراء".

الحق يقال، الصيّادة إلهام أكبر من مجرّد امرأة، إنها بحر مليء بالأسرار، نجحت في خوض غمار البحر، وأكدت أن لا شيء عصياً على الإرادة، قبل أن تواصل بيع أسماكها.

مجموعة من الأسماك التي اصطادتها إلهام سليم...
مجموعة من الأسماك التي اصطادتها إلهام سليم...


تعليقات: