معلّمو «العاملية» بلا رواتب
مصادفةً، يكتشف والد إحدى التلميذات في «مدرسة الجمعية الخيرية العاملية للبنات» أن المدرسين هناك «مفرّصين». لم تخبره ابنته بذلك. اكتشف الوالد هذا الأمر بعدما راقب مفكرتها الخالية «منذ ستة أيام من الفروض المطلوبة والدروس»، يقول. لم يترك الوالد هذه القصة تمرّ مرور الكرام، وخصوصاً أن للأمر سابقة، فالعام الماضي، امتنع المدرسون عن التدريس «مرتين بسبب امتناع الجمعية عن تسديد الرواتب». وبسبب السابقة تلك، عمل الوالد جاهداً لمعرفة ما الذي يجري، فكان الجواب «متل العام الماضي». وهذا ما قاله له أحد المعلمين، بعدما امتنعت إدارة المدرسة عن التوضيح، مشيرة إلى أن ما يجري «أزمة داخلية وبتنحل». فما الذي جرى العام الماضي أصلاً؟ وما هي تتمته العام الحالي؟
العام الماضي، أخذ أساتذة القسم الابتدائي في مدرستي العاملية للبنات والصبيان استراحة قسرية لمدة شهر تقريباً، نفذوا خلالها اعتصامات، بسبب عدم تقاضي رواتبهم نتيجة تذرّع الجمعية بوجود أزمة مالية. وحينها أيضاً، أقفلت الأخيرة مدرسة «الصادق» التابعة لها وسرحت أكثر من 40 معلماً، بعدما أعلنت الإفلاس هناك، وضمت الطلاب إلى مدرستي الصبيان والبنات. وقد وعدت يومها المدرسين بتسديد رواتبهم بعد بيع «الصادق». عاد هؤلاء بعد فترة إلى مزاولة عملهم، متكئين على الوعد، لكنّ، شيئاً لم يحصل.
مطلع العام الحالي، أنذر الأساتذة الإدارة، فوعدتهم من جديد، وطلبت منهم «بالأملية» عدم تعطيل الدروس، فوافقوا، كأن شيئاً لم يكن إلى حين «وصلت الغصة للحلق منذ أسابيع»، تقول إحدى المعلمات، مشيرة إلى أن «معلمي القسم الابتدائي للبنات والصبيان لم يتقاضوا رواتبهم منذ 7 أشهر، وكذلك الحال في المدارس الثانوية والمتوسطة، لكنّ الأخيرين يملكون دخلاً آخر لكون غالبيتهم يدرّسون في مدارس أخرى غير مدارس الجمعية»، لكن، هل هذه الغصة تفرض مثلاً أن يكون التلامذة هم كبش المحرقة في تلك الأزمة؟ تجيب المعلمة عن السؤال بسؤال آخر «وهل نحن من كوكب آخر؟ ففي النهاية نحن أولياء أمور ومعظمنا ندرس أولادنا في العاملية وندفع أقساطهم، فلمَ لا تدفع العاملية تعبنا؟». بهذا السؤال، توجهنا إلى مدير المدرسة محمد حمادة، لكن الأخير لم يفسح المجال أمام الحوار، قائلاً إن «الأزمة داخلية وانحلت والأساتذة عائدون غداً (اليوم)»، لينهي بعدها الاتصال قبل أن ننهي الحديث.
بعيداً عن «قناعات» حمادة، إلا أن الأزمة لم تحل، والعائدون، وهم بحدود 30 مدرّساً في المدرسة العاملية للصبيان، ستكون عودتهم اليوم «تحت الضغط»، لا بسبب وعد آخر تطلقه الجمعية بدفع الرواتب. وإن كانت قد لمحت الإدارة إلى هؤلاء بأنها ستدفع لهم رواتب 3 اشهر قبل نهاية العام، إلا أنها كانت صريحة بالطلب منهم العودة، على اعتبار أن ما يفعله هؤلاء «لن يكون في مصلحتكم، ففي النهاية هناك تقرير تقويم سيرفع وقد لا يخدمكم امتناعكم عن التعليم». لهذا السبب، سيعود مدرسو مدرسة الصبيان، لكنّ مدرسي مدرسة البنات مستمرون في إضرابهم إلى حين تقاضي الرواتب «وخصوصاً أن غالبية الطلاب في مدرستنا يدفعون أقساطهم دفعة واحدة، وهي بحدود 900 ألف على التلميذة، أضف إلى أنها مدرسة شبه مجانية، أي إنها تتقاضى من الدولة أيضاً، ولها في ذمتها بحدود ملياري ليرة لبنانية». فما الحل إذاً؟ لا يجرؤ المعلمون على سلوك «أبغض الحلال»، أي الاستقالة. إن فعلوها، فستعلق مطالبهم كما مطالب أساتذة مدرسة الصادق، التي أعلن رئيس الجمعية محمد يوسف بيضون إفلاسها للنفاد من التعويض على الأساتذة. أضف إلى ذلك، أن الاستقالة «ليست في مصلحتنا، وخصوصاً أن الجمعية لا تدفع ما في ذمتها لصندوق التعويضات ومستحقات الضمان الاجتماعي منذ فترة طويلة». وهو ما تؤكده الإدارة مراراً عندما تتحدث عن عجزها عن «تسديد المبالغ المستحقة لصندوق التعويضات ومستحقات الضمان منذ عام 2005».
كل هذا، يضعنا أمام السؤال الملح عن دور نقابة المعلمين في المدارس الخاصة؟ إلى الآن، لا تستطيع النقابة التحرك من دون وجود «إنذار رسمي موقع من الأساتذة الذين لم يتقاضوا رواتبهم، ومقدم إلى إدارة الجمعية، كي تستطيع النقابة السير معهم في مطالبهم»، يقول نعمه محفوض، نقيب المعلمين في المدارس الخاصة. وفي هذا الإطار، يفترض أن يكون «الأساتذة قد توافقوا على هذه الصيغة». وإن كانت النقابة «من أشرس المدافعين عن حقوق هؤلاء الذين هم أيضاً أرباب عائلات»، إلا أنها تصر على أن يسبق التضامن معهم هذا الإنذار، لسبب واحد أنه «يمكن من دونه أن يكون هناك ذريعة للإدارة أن هؤلاء ممتنعون عن عملهم بلا مبرر، وبإمكانها لاحقاً أن تمارس الصرف التعسفي بحقهم». وهو ما قد تستغله أية مؤسسة، لا العاملية وحدها.
مدرسة الجمعية الخيرية العاملية - شارع بشارة الخوري
تعليقات: