على أعتاب أعياد الميلاد‎

الحاج حسين نصَّار ( أبو علي)
الحاج حسين نصَّار ( أبو علي)


أيا والدي أنا اذا امسكت بقلمي و هممت أن اكتب لك ... لا أعرف سوى أن أكتب علامات الاكبار و حروف الاجلال. و ها هي كلما مرّت الايام ازددت فيك حباً و لك شوقاً. لم تزل تخطر في فكري الفاتر, و نظري القاصر, و أنت هناك تستلقي في مثواك الاخير حيث تسترعي انتباهك, و لطالما فعلت, هندسة شلالات الضوء وسط الهدوء المسترخي في القرية العتيدة التي رفض أن يغادرها جسدك.

ما زالت كلماتك تتحرك بالغريزة و الشعور و العقل و الاحساس من خلال ايمانك العميق بالتغيير و ايمانك الاعمق بالقدرة عليه. و ما زالت ايماءاتك ترفع العبء عن كاهل كل شيء ينهار, حتى تصل الى الفكرة, فترصفها بروح الوجود, ثم لا تريد مني ان أشعر بالإحباط وان لا أسكن عند الضفة الاخرى من اليأس. كانت هذه قناعاتك التي ورثتها عنك.

يا من علمني معنى الحياة و أمسك بيدي على دروبها فوَقَرَت في قلبي و عقلي تلك المعاني فتفاوتت الحلاوة و المرارة باضمحلال و تلاشت مع المعاني التي تدور في الذهن لوصف الالم و ترجمة مشاعر المحن. نوع من التغلب على الالم تتوقف عنده العبرات لتفسح الطريق أمام العبارات.

لم تكن من أصحاب التنازلات و لا من هواة السفر اليها حتى لا تتحول الدعوات الى ما يشبه عقود الاذعان. لم تؤمن بالفشل و الاحباط و انكسار الاحلام مع كل الحروب التي مرّت على كاهل الوطن. كنت صاحب رنين صاخب في ما عانيته بسكون فعلمتني كيف يحيا المرء و يخرج منتصراً رغم الصعاب حتى لو هُدم كل ما بناه, و تبدد المشروع, و اكتشف ان كل ما آمن به لا يخضع لإعادة النظر فيه, و لكنه يتعرض لحالة من الانهيار من كثرة الاشغال, و تفاقم الاحوال, و تشتت البال.

كنت أتساءل عمّا يمكن أن يبقى من الذكريات بعد سنوات طويلة و بعد كل هذا التطور في تكنولوجيا العصر, هي كلماتك محفورة في الذاكرة و انسانيتك التي استقيتها من علاقتك بالكتاب و حبك له و الذي لم و لن يتغير مع الزمن. و أنت المؤمن أن القراءة عموماً تتراجع, و لكن هذه المحنة لا تجعل الانسان يحيد عن الكتاب الذي كان و لا يزال يعتبر الوعاء و الوسيلة الجوهرية لإقامة صلة و علاقة مع الآخر. و أنت المؤمن بأن السفر سياحة و محاولة للقراءة عن المدن و الشوارع و الميادين و الأرصفة و الناس. و المدن يا أبي مثل البشر لها ملامح, و المكان له عبقرية خاصة و ظله الخاص ووجهه و صوته و كلامه الذي يفوح من تفاصيله الصغيرة.

على أعتاب أعياد الميلاد و للمرة العشرين, عذرا, خرجت منك يا وطني و تركت الاحباب

تعليقات: