أمس، لم يستيقظ محمد طارق بدر من نومه باكراً. حتى رنّات الهاتف المتتالية لم تقوَ على إيقاظه، فهو كان يعتقد أنّ هذا اليوم هو يوم عطلة بعد أن تلقّى اتصالاً مسائياً يعلمه أن الوزير السابق محمّد شطح لن يحتاجه غداً (اليوم).
وما إن سمعت سميرة رنّات الهاتف حتى أصرّت على إيقاظ ابنها، ولكنّه أيضاً رفض الإجابة قائلاً: «دعيني أنام أكثر... أنا تعب». وبعد المحاولات المتكرّرة لسميرة، نهض طارق من سريره، توجّه إلى غرفة الجلوس حيث شرب قهوته وهو ينفّث سيجارته.
على الباب حيث كتب «منزل الحاج عبد الرحيم بدر»، وقفت سميرة ترجو ابنها الأصغر أن يلبس سترة تقيه البرد. اكتفى طارق بكنزته البنفسجية، وغادر على عجل، لأنه لا يحبّ أن يتأخر على عمله، مؤكداً لوالدته أنه لا يزال شاباً وبالتالي لن يبرد.
بعد حوالي ساعة على خروجه، سمعت سميرة، الناظرة في «مدرسة المقاصد»، بخبر الانفجار الذي هزّ وسط بيروت. لم تعلم لماذا انقبض قلبها عندما سمعت الخبر، إلا بعد أن تأكد أن شطح كان المستهدف. لم تنتظر الوالدة حتى يعمّم خبر طارق بين الجرحى أو الشهداء، بل سارعت إلى الاتصال بابنها البكر ماهر باكية: «راح خيّك طارق».
راحت الأم الثكلى تبحث في المستشفيات عن جثة ولدها ابن الثامنة وعشرين ربيعاً، وما إن كلّت من البحث حتى جاءها الخبر اليقين: «الجثة في مستشفى كليمنصو»، لتعود أدراجها إلى منزلها في محلّة النويري.
هنا في المنزل الذي فتحت أبوابه لاستقبال النساء اللواتي اتّشحن بالسواد، الجميع معتاد على «تقاليد الموت». حتى سميرة نفسها لم تبحث عن الملابس السوداء، فهي أصلاً لم تخلعها مذ موت زوجها عبد الرحيم منذ سنة وأسبوع بالتمام والكمال. الكلّ يردّد في المنزل: «كما لو أننا ما زلنا في أجواء مأتم الحاج عبد الرحيم».
بنظرهم، استعجل طارق الرحيل لأنه لم يستطع فراق والده، وهو كان كلّما جالس محبيه يقول: «اشتقت إلى والدي». لم يكن لمرافق شطح الشابّ، أجمل من الدعاء لوالده والتعبير عن أشواقه على صفحته على «الفايسبوك»، ليكتب الشهر الماضي: «أبي رحيلك ينزع الحياة من أحشاء روحي... أفتقدك».
إنها الأشياء التي تتذكّرها سميرة وهي تجلس على إحدى الكنبات حيث جلس طارق صباحاً للمرّة الأخيرة. كانت تريد أن يختار طارق رفيقة دربه حتى تفرح به، لكنه سرعان ما عاد شهيداً. «أم ماهر» لا تنعى ابنها كالنساء المفجوعات، فقط تضع رأسها بين يديها المرتجفتين وتسرح بعيداً. يدقّ الهاتف فتردّ، وتعطي المعلومات عن طارق، عبر الهاتف.
تتمالك المرأة نفسها ثم تقول: «هذه الجريمة ستكون ككلّ الجرائم السابقة في لبنان... من المؤكّد أنها ستسجَّل ضدّ مجهول».
تقدم إحدى السيدات اليها سيجارة، فتبادر الى اشعالها بهدوء وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة، ثم ما تلبث أن تنتفض وهي تقول: «تذكّرت». بسرعة، تدخل إلى غرفة النوم وترتمي على سرير طارق، محاولةً أن توقظه. سميرة ما زالت تعتقد أنّ طارق غارق في نومه وسيستفيق قريباً!
والدة الشهيد محمد بدر تبحث عنه بعد الانفجار (فادي أبو غليوم)
عائلة الوزير السابق الشهيد محمد شطح امام مستشفى الجامعة الاميركية . (سامي عياد)
تعليقات: