قطر تصادق على إعادة بناء وسط بنت جبيل

آثار عدوان تموز على اسواق بنت جبيل ( وائل اللادقي)
آثار عدوان تموز على اسواق بنت جبيل ( وائل اللادقي)


بنت جبيل ــ وافق القطريون ظهر أمس على الخطة الهندسية التي أعدها المكتب الفني للتنظيم والإشراف على إعادة إعمار وسط مدينة بنت جبيل المدمّر في الحرب الأخيرة، والتي تقضي بتقسيم الوسط إلى عدة أقسام يجري تلزيم كل منها على حدة.

فبعد أكثر من عام على تدمير بنت جبيل، وبعد أن تعهدت الحكومة القطرية إعادة الإعمار، ما زالت بيوت المدينة المهدمة على حالها، وما زال الأهالي ينتظرون العودة إلى بيوتهم وبلدتهم، بسبب التأخر في معالجة مشكلة كيفية إعادة البناء مع ضرورة الحفاظ على تراث البلدة وتاريخها وحجارتها القديمة.

نشاط لافت من المكتب الفني المشرف على إعادة الإعمار، أوصلهم إلى تجاوز عقبات كثيرة كانت تحول دون الوصول إلى حل مشكلة إعادة البناء بما يحفظ تراث المدينة وأصالتها. فأغلب البيوت المهدمة والمتضررة حجرية قديمة البناء، تحمل معها تاريخ البلدة ونسيجها الاجتماعي. في البداية كانت المشكلة الأساسية في كيفية إعادة إعمار وسط المدينة القديم المهدم، الذي يحمل بين حجارة أبنيته تلاوين المدينة القديمة ونسيجها الاجتماعي وتاريخها العريق. اقتراحات متعددة عُرضت من أجل إعادة بناء بنت جبيل، منها جرف المدينة القديمة وإعادة بنائها من جديد ، على طريقة سوليدير، وتلزيم إعمارها إلى شركة هندسية دون أن يُترك ذلك للأهالي، إلى أن جرى تكليف المكتب الفني للتنظيم والإشراف على إعادة بناء بنت جبيل.

مشكلات متعددة واجهت المكتب الفني. فعقارات بنت جبل ليست ممسوحة ولا محددة، وهي متداخلة ومتلاصقة. إضافة إلى أن عملية البناء تتطلب المحافظة على تراث المدينة وتاريخها، مع الأخذ بالاعتبار توسيع الطرق الداخلية وإنشاء حدائق عامة. لذلك بدأ المكتب الفني بالتعرف على المكان وتحديد الملكيات العقارية الخاصة والعامة عن طريق « العلم والخبر». وبعد إنجاز عملية تحديد العقارات ومسحها جرى وضع ضوابط عامة لإعادة البناء. وأهم هذه الضوابط، تقسيم البلدة إلى عدة أقسام لإتمام البناء وفق خطة متجانسة ومنظمة. ونظراً إلى أن مساحات العقارات المبنية في المدينة متباينة في المساحة بين كبيرة وصغيرة ومتوسطة، فقد عمد المكتب الفني إلى تقسيم عقارات وسط المدينة إلى عدة أقسام حسب مساحة كل عقار، ووضع ضوابط عامة عمل على تطبيقها في كل قسم، بشكل يحافظ على ملكيات الجميع وحقوقهم. يقول مسؤول إدارة المشروع وتنظيم إعادة البناء في الجنوب المهندس ناصر شرف الدين إن «المهم هو إعادة الملكيات إلى أهلها مع المحافظة على النسيج الاجتماعي للمدينة. فالمحافظة على التراث تكون بالمحافظة على النسيج الاجتماعي والعمراني الذي بني اجتماعياً، وضمن هذا النسيج هناك أبنية لها طابع خاص ورمزي وتاريخي يجب المحافظة عليها». وسيترك بناء البيوت إلى الأهالي بعد دفع التعويضات المستحقة لهم ضمن ضوابط عامة وحوافز للمحافظة على التراث والنسيج الاجتماعي. ومن هذه الحوافز زيادة المساحة المخصصة للبناء في كل عقار من 60% إلى 70%، إذا قرر صاحب العقار البناء بالحجر الصخري بدل الباطون المسلّح، إضافة إلى أنه سيُعمل على جعل الأبنية أكثر التصاقاً، بعضها بالبعض الآخر، لزيادة عدد الحدائق الخاصة، وليُنشأ في كل عقار ما يسمى حديقة المجموعة. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل قسّمت الأبنية إلى ثلاثة أقسام: قسم مهدم كلياً، وهذا سيعمل على إعادة بنائه وفق الضوابط العامة المحددة والتحفيز على إعادة البناء الحجري. أما القسم الثاني فهو المباني الحجرية التي تحتاج إلى ترميم، والقسم الثالث هو المباني الإسمنتية التي تحتاج إلى ترميم. ويقول شرف الدين هنا، إن «ترميم المباني الإسمنتية لا تشكّل عائقاً أمامنا، بل سيجري ذلك بسهولة مع إدخال بعض التعديلات التي من شأنها أن تزيل التشوّهات التي نجمت عن البناء العشوائي أثناء الاحتلال والفوضى. أما المباني الحجرية، فهي التي تحتاج إلى كلفة مادية عالية تزيد على المبالغ التي كانت مخصصة أصلاً لتعويض الوحدات السكنية، وهذا ما جعلنا نعمل على ترك أمر إعادة بناء المنازل الحجرية هذه إلى مهندسين متخصصين نشرف عليهم بعد تلزيمهم، والحصول على الميزانية الخاصة لذلك من الحكومة القطرية». وقد وافق القطريون على ذلك بعد أن يُعمل على تلزيم المدينة وتقسيمها إلى عدة أقسام ( حوالى عشرين قسماً)، كل قسم على حدة، بإشراف المكتب الفني وتكليف المهندس شرف الدين مشرفاً عاماً على عملية البناء كلّها. يقول شرف الدين: «قدمنا للمكتب القطري ملفاً متكاملاً وموثّقاً بالصور والخرائط عن بنت جبيل وأبنيتها وعقاراتها، وهذا ما جرى اعتماده والموافقة عليه أوّلاً لدفع التعويضات على الأبنية المهدمة والأخرى الإسمنتية التي تحتاج إلى ترميم».

ويؤكد مدير المكتب الفني في بنت جبيل هيثم بزي أن «ملف جدول التعويضات أصبح في حوزة القطريين، ويتوقع أن تدفع الجداول بالتتالي، وقد جرت الموافقة أمس على تلزيم الأبنية الحجرية التي تحتاج إلى ترميم وفق خطة المكتب الفني الهندسية، وسيُعمد لاحقاً إلى شراء المساحات الفارغة لتحويلها إلى حدائق عامة، حيث يوجد أكثر من 130 شخصاً من أصحاب العقارات سيتركون الوسط القديم ليبنوا خارجه، ما يجعل المساحات أكثر اتساعاً ويمكن شراؤها واستغلالها للمصلحة العامة». ويذهب شرف الدين إلى أن «الأهالي انتظروا طويلاً، لكن ما تم إنجازه معقد وكبير، لكن المشكلة إذا لم تجرِ مراقبة تنفيذ عملية البناء المعدّة ، والتأكد من التزامها الضوابط اللازمة للحفاظ على نسيج بنت جبيل الاجتماعي. فالتقصير يولدّ مشكلة كبيرة، لذلك وجب تجهيز فريق عمل لمراقبة تنفيذ الإعمار وفق الضوابط العامة».

تعليقات: