نواب الجنوب: أنا يا رفاق من... بيروت!

عبد المجيد صالح وعلي خريس يشذّان عن قاعدة نواب الـ «ويك إند» (ارشيف)
عبد المجيد صالح وعلي خريس يشذّان عن قاعدة نواب الـ «ويك إند» (ارشيف)


واحد وعشرون نائباً لستة أقضية جنوبية ما عدا صيدا، انتخبهم في دورة عام 2009 حوالى 330 ألفاً، لكنّ نواب جنوب المقاومة والتحرير لا يزورونه سوى في «الويك أند». وحدهما نائبا أمل في صور، عبد المجيد صالح وعلي خريس، قلبا المعادلة. يقيمان في مسقط رأسيهما ولا يغادران الا في المناسبات

آمال خليل

على مقياس «الويك أند»، يشتغل معظم نواب الجنوب. تبريرات الحضور الجزئي والإقامة بعيداً، تهجيرية واقتصادية واجتماعية وسياسية. هكذا يصبح عذر النائب دائماً معه، ولا سيما إذا كان ممن لم يولد أو ينشأ في مسقط رأسه. مع ذلك، تختار الأحزاب والقوى السياسية النافذة نوابها بمعايير لا تشمل بالضرورة قربهم من الناس. أما الردّ على غياب النواب، فجاهز: النائب غائب لكن حزبه ومدير مكتبه حاضران.

في الزهراني، يتفهّم كثيرون غياب نائبهم الرئيس نبيه بري عن دارته في المصيلح، برغم أنه في الأساس ابن تبنين، حيث لا تزال قيوده العائلية مسجلة، لكنهم يصبّون انتقادهم على إقامة علي عسيران في تلال الرميلة، وانحصار شعبية ميشال موسى بين قاعدته المسيحية، برغم مبيته ليلاً في بلدته مغدوشة، ووجوده في «الويك أند» في الليل والنهار. فالرجل يقسم وقته المزدحم بين عمله في مهنة الطب ومسؤولياته في رئاسة لجنة حقوق الإنسان النيابية.

في جزين، يحاول النائبان زياد أسود وميشال الحلو، أن يكونا في دائرتهما أسبوعياً، لكن التزاماتهما في مهنة المحاماة والتيار الوطني الحر، تحكم حضورهما الجزيني، فيما زميلهما، البرتقالي الثالث، عصام صوايا، حرر نفسه من أي التزام وانصرف لمتابعة مصالحه الاقتصادية خارج البلاد. وفي النبطية، يحضر النائب ياسين جابر في قصره الضخم، بحسب ارتباطاته السياسية في بيروت، ومشاريعه الاقتصادية حول العالم.

عميد النواب عبد اللطيف الزين، يضفي هدوءاً على دارة والده يوسف بك الزين التراثية في بلدته كفررمان، من مساء الجمعة حتى صباح الإثنين عندما يعود إلى منزله البيروتي ليتابع شؤون مكتب المحاماة واللجان النيابية. رئاسة زميلهما محمد رعد لكتلة الوفاء للمقاومة وموقعه السياسي في حزب الله، يمنحانه «العذر الشرعي»، الذي تعززه تلبية كوادر الحزب لمراجعات المواطنين. في مرجعيون وحاصبيا، المشهد لا يختلف.

النائب قاسم هاشم يزور شبعا ومنطقتها في نهاية الأسبوع. وخلاله، يتنقل بين منزله في بيروت وعيادته في شتورة. غياب النائب أسعد حردان شبه التام عن مرجعيون، استبدله بحضور كوادر الحزب القومي السوري الاجتماعي وزوجته مارلين، التي تنشط من خلال جمعيتها الاجتماعية الخيرية.

لا تستبدل حاصبيا غياب النائب أنور الخليل منذ حوالى عامين بسبب المرض كما يقولون، لا بقصره المرتفع على تلة تشرف عليها، ولا بابنه زياد الذي يحاول مراجعة شؤون ناخبي والده ويمنّي نفسه بخلافته.

كلاهما مقيم في قريطم، حيث يملكان عقارات عدة. نائب الحزب في المنطقة علي فياض، أعاد ترميم منزل عائلته في الطيبة ليستقبل الناس في «الويك أند» أيضاً. أما وزير الصحة والمعاون السياسي للرئيس نبيه بري، علي حسن خليل، فمشاغله كثيرة. «الله يعينه، كيف بدو يلحّق؟»، يقول جيرانه في بلدته الخيام، التي يغيب عنها كثيراً حتى في «الويك أند»، وخصوصاً عندما يزدهر الحراك السياسي. وفي بنت جبيل، يمنح الأهالي عذر «الويك أند» لكل من النواب علي بزي وأيوب حميد وحسن فضل الله. «إذا كانت بلداتهم، بنت جبيل وبيت ليف وعيناتا، تفرغ من أبنائها في الشتاء، لأجل من يحضرون؟» يقول البعض، مشيرين إلى تواصلهم مع ناخبيهم في بيروت حيث يعيش العدد الأكبر منهم.

وحدها صور، تقلب المعادلة جزئياً. نائبا الحزب، نواف الموسوي ووزير التنمية الإدارية محمد فنيش لا يختلفان عن نواب الدوائر الأخرى. الموسوي لا يملك مرقداً له في مسقط رأسه أرزون، التي ولد وعاش بعيداً عنها حتى فوجئ كثيرون لدى انتخابه بأنه «أرزوني».

أما فنيش، فأشقاؤه وفريق عمله وكوادر الحزب يعوّضون غيابه، خدماتياً. لكن نائبي أمل، عبد المجيد صالح وعلي خريس، يقدمان نموذجاً معاكساً. هما متفرغان للعمل النيابي. انتخابهما لم يغير في محل إقامتهما، حتى أصبحت قيمتهما المضافة بين زملائهما، ويعدها البعض كافية لإعادة انتخابهما مجدداً. «بتعرفوا توصلو على بيتي؟». يسألنا صالح عبر الهاتف.

إذ دعانا للقائه في منزله الذي حوّل جزءاً منه إلى مكتب وصالة لاستقبال الناس ومراجعاتهم. يسارع إلى وصف الطريق المؤدية إلى منزله في مخيم البص. الحي الشعبي الذي يربط بين مدينة صور وتجمع اللاجئين الفلسطينيين وتجمع المساكن الشعبية.

نصحنا بأن «ندبر» موقفاً لركن سيارتنا عند الجيران لأن لا مساحة كافية في باحة المبنى حيث يقيم مع أشقائه. شعبية «أبو حسن» وبقاؤه في صور منذ كان كادراً في «أمل»، عوّدا الناس عليه وكسرا حواجز المناصب التي يرفعها بعض النواب من حولهم. لا يرتدي ربطة عنق، ليس لأسباب دينية فحسب، بل لأنها لا تشبه حال الفقراء الذين يمثلهم. يملك سيارة واحدة لم يبدّلها منذ سنوات. يقول إن التزاماته الاجتماعية والإنسانية والخدماتية مع الناس منذ بداية عمله في الشأن العام، الذي توّج بنيابته عام 2005، جعلته «مديوناً». لا يتوانى عن التذكير بأنه ينتمي إلى الفئات الفقيرة الكادحة. اضطر في الثالثة عشرة إلى ترك المدرسة لمدة عامين والعمل مع إخوته في جمع الخردة والبلاستيك لتعويض إصابة الوالد بشلل نصفي. في عام 1962، دخل الإمام الصدر إلى منزل والده الشيخ علي صالح، دعمهم مادياً واجتماعياً. فعاد الابن إلى مقاعد الدراسة حتى أصبح مدرساً رسمياً. تقرب من منظمة العمل الشيوعي قبل أن يلتحق بالصدر عند تأسيسه حركة أمل. تنقل في مناصب حركية عدة حملته إلى بيروت وإيران ودول أخرى، لكنه كان يعود بعدها إلى البص. المؤتمر الشعبي في صور والاعتداءات الإسرائيلية ولجنة تخليد شهداء مجزرة قانا الأولى، ألصقته أكثر بمحيطه، ولا سيما في عدوان تموز، لكن ماذا عن الأفق الأوسع؟ يؤكد صالح أنه ينزل إلى بيروت كلما دعت الحاجة النيابية والسياسية والخدماتية. يحضر اجتماعات لجنتي الدفاع والمهجرين، ولقاء الأربعاء النيابي في عين التينة. «أبو حسن»، الذي نال أعلى نسبة من أصوات المقترعين في دورة عام 2009 بين زملائه الثلاثة، لا يشعر بأنه يفقد شيئاً كبيراً بإقامته في صور، بل «أمارس دور النائب الحقيقي، الذي يجب أن يكون بين ناخبيه في أي وقت يقررونه هم لا ارتباطاته وطموحاته الخاصة».

خلال الاجتياح الإسرائيلي لبرج رحال، جرف جيش العدو منزل خزنى غزال انتقاماً من ابنها القيادي في «أفواج المقاومة اللبنانية» (أمل) آنذاك، علي خريس. المنزل الذي بناه الوالد من جنى غربته في نيجيريا، أعيد بناؤه بعد التحرير عام 1985، وزاد خريس عليه طبقة ثانية، تزوج فيها وأنجب وتلقى نبأ انتخابه نائباً منذ عام 1996. مسؤولياته الحركية في السياسة والمقاومة، أبقته جنوباً حيث عمل مدرساً لمادة التاريخ في مدارس رسمية وخاصة. يقول إنه لا يملك منزلاً في بيروت. أولاده الستة لم ينفصلوا عن الجنوب، حيث درسوا وعملوا. يداوم خريس في مكتب كتلة التنمية والتحرير في صور طوال أيام الأسبوع، ما عدا الأربعاء، بسبب لقاء الأربعاء، ويوم آخر تُعقد فيه اجتماعات لجان الإدارة والعدل والتربية الوطنية والتعليم النيابية التي يسهم في عضويتها. وإن لم يكن مرتبطاً بالتزام ما في الليل، يتحول منزله في ساحة البلدة إلى ملتقى لناخبيه من المنطقة. يشعر «الأخ الحاج» بالرضى عندما يجمع بين شخصية المختار الشعبي القريب من الناس وشخصية النائب الذي يلبي حاجاتهم.

تعليقات: