هل يمكن مرضى السكري والكوليسترول أن يصوموا... وكيف؟

الدكتور محمد صنديد.
الدكتور محمد صنديد.


لأن الصوم يحدث تغيراً في حياة الصائم وسلوكه الغذائي..

في شهر رمضان يحدث الصوم تغيرا في نمط حياة الصائم وسلوكه الغذائي ونشاطه الجسدي، ومدة النوم، وتناول الطعام والسكر والسوائل. بدلا من ان يكون للصوم تأثيره الايجابي على الاجسام، لجهة مراعاة الوجبات الغذائية والحد من الكميات والنوعيات الدسمة للاطعمة، فانه قد يؤثر على بعض من يعانون الامراض المزمنة، وخصوصا السكري وارتفاع دهون الدم، فيتعرض هؤلاء للمضاعفات التي غالبا ما تكون صامتة في بداياتها فلا يشعر بها الإنسان الا بعد تفاقمها وخصوصا لجهة تصلب الشرايين.

اظهرت نتائج دراسة وبائية ان نسبة عالية من مرضى السكري يصومون خلال شهر رمضان. فالصيام خلال شهر رمضان شائع جدا رغم النصحية الطبية والدينية بعدم ضرورة صيام مريض السكري. فكان تركيز مختبرت "سانوفي – افنتيس" على ضرورة تثقيف المريض الذي يرغب في الصوم خلال شهر رمضان، وخصوصا مريض السكري. انعقد لقاء حول التوصيات التي يجب ان يتبعها مريض السكري الذي يرغب في الصوم خلال شهر رمضان، وكان تشديد على اهمية التوعية الصحية وعلى دور الاعلام في تنبيه مرضى السكري من الصيام خلال شهر رمضان. وهذه التوصيات مبنية على تلك التي اوصت بها اللجنة الاستشارية لرمضان والسكري ونتائج دراسة "ايبيديار" EPIDIAR الوبائية.

وشارك في اللقاء رئيس "الجمعية اللبنانية للغدد الصماء والسكري والدهينيات" الدكتور ايلي غاريوس، ورئيس قسم الغدد الصماء والسكري في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت البروفسور ابرهيم السلطي، ومدير "البرنامج الوطني للسكري" ورئيس "الجمعية اللبنانية للسكري" الدكتور محمد صنديد.

وتحدثوا عن ابرز التغييرات التي تحصل في النظام الغذائي عند الصائم ومنها:

1 – عدد الوجبات: اذ تخف من ثلاث الى وجبتين اساسيتين فبدل ان تتوزع الوجبات تصبح اكثر دسما.

2 – اوقات الوجبات: يصبح تناول الاكل مساء عند الافطار وليلا عند السحور، بينما في الايام العادية تتوزع الوجبات خلال النهار، حيث يوازن الانسان بين وجباته الثلاث وحركته الجسدية.

3 – تغيير المكونات: تتغير بشكل ملحوظ مكونات الاطعمة في رمضان، بحيث تتكون الوجبات من الاطعمة الدسمة في الافطار والسحور، بينما تكون اقل منها في الايام العادية، كما تزيد السعرات الحرارية بنسبة 30 في المئة على الاقل منها في الايام العادية.

ويخف النشاط اليومي كثيرا في شهر رمضان مما يؤثر سلبا على العملية الاستقلابية للدهون، وبالتالي تتكدس في الجسم بدل ان تستعمل كطاقة من جراء المجهود اليومي المزاول خارج شهر رمضان. لذلك لا بد من الانتباه الى اخذ الحيطة في رمضان لمن كان مصابا بارتفاع في دهون الدم.

وثمة اعراض تصيب مريض السكري اثناء الصوم، ومنها احتمال هبوط السكر في حال صام المريض بين 12 و14 ساعة في اليوم، وهذا يعتمد على موسم السنة الذي يحل فيه رمضان. الاحتمال المعاكس ايضا وارد وهو ارتفاع معدل السكر اذا لم يتناول المريض الدواء بشكل منتظم. وقد يؤدي هذا الامر في بعض الاحيان الى ما يسمى "الكيتواسيدوس" KETOACEDOIS اي الاغماء والسبات بسبب ارتفاع السكر او انخفاضه (السبات الحمضي الكيتوني).

وهناك المشاكل الناتجة من نقص المياه والاملاح، وخصوصا اذا كان المناخ حارا، من دون ان ننسى الخطر المحدق بمريض السكري المعرض للجلطة والاشتراكات الوعائية.

متى يمنع المريض السكري من الصوم؟

اللجنة الاستشارية عرضت في توصياتها، للحالات المانعة مرضى السكري من الصيام، وهذه الحالات هي الآتية:

1 – مرضى السكري من النوع الاول:

• المريض الذي يتناول بين 3 و4 جرعات في اليوم، وخصوصا اذا كان مصابا بالسكري غير المستقر BRITTLE Diabetes.

{ المرضى الذين يستعملون مضخة الانسولين INSULIN PUMP.

• المرضى الذين يتناولون اكثر من 3 أو 4 جرعات أنسولين في اليوم ويعانون حالة الـKETOACEDOSIS او الاغماء والسبات بسبب ارتفاع السكر او انخفاضه (السبات الحمضي الكيتوني).

• المرضى الذين يعانون هبوط مستوى السكري في الدم HYPOGLYCEMIA.

• الاشخاص الذين يعيشون بمفردهم، والذين لا يجدون من يساعدهم في حال تعرضوا لعارض في الكلى او القلب او جلطة.

• النساء الحوامل او اللواتي يرضعن، حتى ولو لم يكن مصابات بالسكري.

وتكون نسبة الخطر اخف للاشخاص الذين يتناولون الانسولين والدواء بطريقة منتظمة، ولم يحصل عندهم هبوط في الدم ولا يتناولون اكثر من جرعتين في اليوم ومع هذا يفضل عدم صيامهم.

2 – مرضى السكري من النوع الثاني:

يستحسن عدم صيام الاشخاص:

• المصابين بقصور كلوي ومشاكل في الشبكية والجهاز العصبي.

• من يعانون حالة الـ HYPOGLYCEMIA، اي الاصابة بهبوط في معدل السكري من دون الشعور بذلك.

• من اصيب بجلطة في القلب او جلطة دماغية

• من عانى من فترة قريبة ارتفاع معدل السكري او من كان معدل السكري لديه في اول الشهر يفوق الـ300 او من يتناول جرعات متعددة MULTIPLE INJECTIONS. وثمة حالات غير متعلقة بمرض السكري، ولكن من المستحسن اذا وجدت عند مريض السكري بشكل خاص ان يمتنع عن الصيام:

- القرحة المعوية، خصوصا اذا كانت حيوية ACTIVE ULCER.

- مشاكل في وظيفة الكلى.

- الاصابات بالامراض السرطانية.

- الاصابات بامراض قلب او من تعرض لجلطة حديثا.

- كل حالات الاضطرابات العقلية والامراض النفسية.

- الذين يعانون مشاكل في وظيفة الكبد.

ويلعب الطبيب دورا مهما اذ ان عليه ان يرشد المريض وينصحه، في حال اصر على الصيام، يجب ان تكون مدته اقل ما يمكن. كما عليه ان يعلمه كيفية توزيع الوجبات ونصحه بتخفيف الحركة البدنية خلال النهار وزيادتها في الليل. ومن الامور البديهية ايضا الامتناع عن تناول المأكولات المحظر تناولها أصلاً خارج الصيام كالحلويات.

توصيات عن العلاجات

واسلوب الحياة

- إذا كان العلاج يرتكز على حبة واحدة في اليوم يجب أخذ الحبة عند الإفطار.

- إذا كان العلاج يرتكز على أكثر من حبة في اليوم يجب أخذ الجرعة الكبيرة قبل الإفطار والجرعة الخفيفة عند السحور.

- لمرضى السكري من النوع الثاني يجب إستعمال أنسولين متوسط المفعول ويعطى عند الإفطار.

وثمة تنبيهات لتجنّب هبوط في الدم:

• تناول السحور في وقت قريب من الإمساك (الشروق).

• تغيير في جدول الاكل وكميته وتركيبته للتكيّف مع الأدوية التي يتناولها المريض.

• خفض النشاطات البدنية خلال النهار، إلا أنّها ضرورية ساعة بعد تناول الإفطار وتشجيع على ممارسة الرياضة الخفيفة.

• المحافظة على نوعية الأكل نفسها كالسابق.

وتتم توعية مرضى السكري وعائلاتهم بالتركيز على الحالات التي يمنع في خلالها الصوم، وعلاج السكري وتغيراته مع أهمية أدوات المراقبة الطبية والمراقبة الذاتية عبر قياس معدل السكري بعد السحور وساعة بعد الإفطار. والإصرار على خطر الإشتراكات الحادة وطرق تفاديها وتعميم المعلومات حول مشكلة مرض السكري خلال رمضان ودور الممرضات ودور الإعلام ورجال الدين لتوعية المرضى مع الجهات الطبّية.

كما يُعنى بهذه التوعية الممرضات وجمعيات المرضى والسلطات المعنية. ويجب أن يتلّقى مرضى السكري وعائلاتهم دروساٌ فردية أو جماعية، وأن يحضروا اجتماعات للمعلومات العامة وذلك قبل شهر رمضان.

ومن الضروري توعية المرضى وتثقيفهم وإرشادهم الى الطريقة الانسب للصوم. كما تجدر مراقبة مستوى السكر في الدم، والاهم انّ على المرضى استشارة الطبيب المعالج ليعطي نصائحه وينبه الى الحالات التي لا يجب فيها الصوم، لان هناك زيادة مهمة في معدل الاستشفاء بسبب نقص أو زيادة السكر في الدم اثناء شهر رمضان بالمقارنة مع أشهر السنة الاخرى. ويتضمن الصيام خلال رمضان مخاطر بالنسبة الى صحة المرضى، وقد يستحسن تحديد هؤلاء المرضى الذين هم عرضة لمخاطر نشوء نقص السكر في الدم خلال رمضان.

دراسة "ايبيديار"

نشرت هذه الدراسة في المجلّة الأميريكية الطبية Diabetes Care، وشارك فيها 13 بلداّ: الجزائر، بنغلادش، مصر، الهند، أندونيسيا، الأردن، لبنان، ماليزيا، المغرب، باكستان، السعودية، تونس و تركيا.

وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها في مجال مرض السكري في البلدان الإسلامية من ناحية الحجم، إذ أنّها ضمّت 12914 مريضا في السكري يعالجون عند أطباء متخصصين في هذا المجال. كما سمحت برسم صورة واسعة عن تأثير الصيام خلال شهر رمضان على صحّة المصابين بداء السكري.

وأظهرت أنّ نسبة عالية من مرضى السكري يصومون في شهر رمضان. وجاءت النتائج كالاتي:

54% لمرضى السكري من النوع 1.

86% لمرضى السكري من النوع 2.

وهذا يدل على ضرورة توعية مرضى السكري الذين يرغبون في الصوم. كما يجدر التنبيه أن مرض السكري من أكثر الامراض انتشاراً في العالم، فلذلك يجب البحث عن خيارات مناسبة لاعطاء النصائح للمرضى حول أفضل طريقة للتعامل مع المرض أثناء رمضان.

وأشارت النتائج إلى أن ربع المرضى فقط الذين يعالجون بحبوب خافضة للسكر أو بالانسولين بدلوا جرعات العلاج خلال شهر رمضان.

مشاكل ارتفاع الكولستيرول

لا شك في ان الاهتمام الزائد بالكولستيرول في الاوساط الطبية والاوساط العامة مرده ارتفاع نسبة الوفيات الناتجة من امراض شرايين القلب لدى الناس وخصوصا ممن يعانون عوامل خطورة كالسمنة والسكري والضغط والتدخين والارهاق، كما اوضح الدكتور محمد صنديد. من هنا لا بد من تسليط الضوء على الدهون وانواعها. والاصابة بمشاكل القلب والشرايين المتأتية من ارتفاع الدهنيات تطول الرجال قبل سن الخمسين بنسبة اكبر منها عند النساء، ثم يتساوى الجنسان بعد هذا العمر، ومرد ذلك نقص في هورمون الايستروجين عند النساء بعد انقطاع الحيض، وهو الهورمون الذي يحمي المرأة من تصلب الشرايين.

للدهون اربعة انواع: الكولستيرول والمعدل الطبيعي 200 ملليغرام، كوليستيرول البروتينات الدهنية المنخفضة الكثافة(ال دي ال) اي الكولستيرول السيئ، ويجب ان يتعدى معدله 100 ملليغرام، وكوليستيرول البروتينات الدهنية العالية الكثافة (اش دي ال) اي الكوليستيرول الجيد ومعدله الطبيعي فوق الـ40 ملليغرام،وثلاثيات الغليسيريد،اي التريغليسيريد ومعدلها الطبيعي دون الـ 150 ملليغراما. يشار الى ان هذه المعدلات يجب ان تؤخذ بجدية اكثر عند مرضى السكري.

ويوجد الكولسترول في الاغذية ذات المصادر الحيوانية ولكنه يصنع ايضا في الكبد. والكولستيرول مادة حيوية مهمة للجسم حيث تتكون منه الهورمونات، ولكنه في ذاته مادة غير ذائبة في الماء. ولكن عندما يتحد مع مواد معينة من البروتيين او البروتينات الدهنية يصبح متنقلا بسهولة اكثر عبر الدم ويلتصق بجدار الاوعية ويسبب تصلب الشرايين اذا كان منخفض الكثافة، اما عالي الكثافة منه اي الكوليسترول الجيد فيمنع تصلب الشرايين. وبالتأكيد فإن ارتفاع الدهون يعتبر احد اهم عوامل الخطورة المسببة للوفيات القلبية الى العوامل التي ذكرناها سابقا.

لا بد خلال شهر رمضان ان يكون صيام المصاب بارتفاع دهون الدم ملائما لحاجته الصحية وليس عاملا ضارا لجسده، بدءا من الحرص الدقيق على الحمية الغذائية وانتهاء بالمراقبة المنتظمة للثوابت البيولوجية قبل شهر رمضان وبعده، وذلك من خلال اجراء الفحوص المخبرية والتقيد بنصائح الطبيب المعالج. وثمة دراسات اثبتت ان نسبة الدهون في غذاء المجتمع العربي تزداد 40 في المئة خلال شهر رمضان، بدل من 20 في المئة خلال الايام العادية، لذلك حتى غير المصابين سابقا بالدهون يطولهم هذا الارتفاع. وهذا التغيير في مكونات الغذاء لمصلحة الدهون يصاحبه نقص شديد في كمية الالياف الموجودة في الغذاء مما يضر بشكل كبير في عملية الهضم وامتصاص الطعام. اذا المشكلة تبرز في المفاهيم الخاطئة وطريقة اعداد الطعام في شهر رمضان.

وثمة مفهوم خاطىء للصوم في شهر رمضان يتبعه بعضهم في مجتمعنا العربي يتمثل بالمبارزة في تقديم الانواع الشهية من الاطعمة خلال ولائم الافطار الغنية بالحلويات والاطعمة الدسمة وما لذ وطاب بدلا من التقيد بجوهر الصوم.

احيانا كثيرة يكون ارتفاع دهون الدم مصاحبا للسكري والبدانة، والاشخاص المعرضون لذلك عليهم ان يأخذوا موضوع الحمية الغذائية بجدية اكثر لان عوامل الخطورة الشرايينية والقلبية تزداد اربع مرات عندهم عن غيرهم من الاشخاص غير المصابين.

والحل يعتمد على اعادة تطبيق العادات الغذائية السليمة السابقة، الاقلال من الزيوت وخصوصا المقالي، والحد من استخدام الدهون والتخفيف من استهلاك الحلويات وخصوصا الدسمة منها، والابتعاد عن العصائر المحلاة والتقيد بنصائح الطبيب واخذ العلاج المناسب. وعليه فان الكرم مطلوب ولكن الاسراف مذموم.

وينصح المريض بالمبادرة الى اجراء فحوص مخبرية للدهون عموما ومراجعة الطبيب لمعرفة الخطة العلاجية من الناحية الغذائية او الدوائية، واتباع حمية غذائية معتدلة خلال الصيام، وممارسة رياضة المشي لمدة نصف ساعة بعد الافطار على الاقل، والتنبه الى وجبة السحور بالابتعاد عن الدسامة. وبعد انقضاء شهر رمضان على الصائم ان يبادر ايضا الى اجراء التحاليل المخبرية نفسها ليقارنها بسابقاتها، وليكن صيام شهر رمضان متطابقا مع الحديث الشريف "صوموا تصحوا"، بدل تعريض الصحة للمتاعب.

تعليقات: