غازي العريضي (مش) راجع!

العريضي أيضاً يراهن على تغيير في السعودية
العريضي أيضاً يراهن على تغيير في السعودية


لا تختلف تقلّبات رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط السياسية عن قراراته الحزبية الداخلية. موّال في بال البيك قد يعيد أي مسؤول الى الحضيض بعد بلوغه أعلى المراتب، والعكس صحيح. أخيراً، «ظهر» وزير الأشغال العامة المستقيل غازي العريضي، فجأة، متحدثاً باسم جنبلاط الذي سبق أن أعلن «طيّ صفحة» الوزير الفصيح وأحاله باكراً على التقاعد السياسي

غادر الملل منازل أهالي بيصور (قضاء عاليه) ومحيطها منذ أن أصبح ابن بلدتهم، وزير الأشغال العامة المستقيل من حكومة تصريف الأعمال غازي العريضي، طبقاً دسماً في جلسات المتّة أمام مواقد التدفئة. خبر عدم ترشيح الحزب الاشتراكي للعريضي عن المقعد الدرزي في بيروت بات قديماً. الأهم اليوم غضب رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط من «تمرّد» الوزير الذي استقال فجأة من دون العودة الى قيادة حزبه، ما دفع سيد المختارة الى الحسم: «صفحة وطويت». وهنا يطول الكلام: منهم من يتغنّى بجرأة العريضي وشجاعته، ومنهم من يلومه على «تمرده»، معتبراً ما فعله سابقة، ومنهم من يكتفي بالقول: «غلطة الشاطر بألف».

لا تقتصر حالة الضياع على البيصوريين فقط، بل تنسحب على مسؤولي الاشتراكي، شباباً ومخضرمين. لا معلومة لدى أحد منهم تشبع تساؤلاته المتكررة: لماذا لم يعد جنبلاط ترشيح العريضي للنيابة فيما رشح زميله أكرم شهيب مجدداً؟ ولماذا تقلص دوره فجأة لمصلحة الوزير الشاب وائل أبو فاعور؟

ولماذا عدل جنبلاط عن إصدار البيان الذي تردّد أنه كان في صدد إصداره فور استقالة العريضي من الحكومة؟ أما كان يفترض أن تكون عقوبة «التمرد» فصل العريضي من مهماته الحزبية على غرار الوزير السابق محسن دلول وعضو مجلس القيادة السابق رياض رعد اللذين تجاوزت اتصالاتهما بالقيادة السورية اتصالات الحزب آنذاك؟ ولماذا في الأصل تم استبعاد الرجل السياسي الأول في الحزب؟ إذا كان السبب فساداً أو خلافاً مالياً، فلمَ لا يتم الاعلان عن الأمر كما حصل أخيراً مع مدير أعمال جنبلاط بهيج أبو حمزة؟ مئات الأسئلة والأسئلة المضادة التي لا تجد لها جواباً شافياً سوى أن العريضي بلغ سنّ تقاعده السياسي باكراً جداً، وبالإكراه. ولكن، قبل أسبوع، دحض جنبلاط كل الأسئلة، وبات من الضروري استبدالها بأخرى. لم يصدّق الاشتراكيون رؤيتهم للعريضي مجدداً في كنف الحزب ممثلاً جنبلاط نفسه الذي كان قد طوى صفحته ومشى! مجدداً، لم يفصح البيك عن سرّ تقلباته، اكتفى بإعادة تعويم العريضي خلال مأتم وكيل الداخلية السابق في عاليه سامي مروش الذي قتل في ظروف غامضة.

على عكس الكثيرين، لا تستغرب أوساط الاشتراكي ظهور العريضي في مناسبة حزبية في مدينة عاليه ممثلاً جنبلاط، ما دام القضاء برمّته ضمن ملعبه، وما دام الوزير المستقيل لا يزال عضواً في الحزب. وأيضاً تتحدث تلك المصادر عن هواجس جنبلاط الدائمة في ما يخص أوضاع حزبه الداخلية. لذلك عمد فور بلوغه خبر استنفار أهالي مرّوش وقطعهم لطريق الشام الدولية قرب عاليه الى تهدئتهم. كلّف نائب القضاء أكرم شهيب بلملمة القضية وعدم السماح باستغلال الجريمة سياسياً أو طائفياً وإثارة الحساسيات داخل الحزب. كان لا بدّ من إعادة لمّ الشمل وطمأنة الأهالي الى وحدة الصف الاشتراكي في عاليه، فأصاب باختياره العريضي ثلاثة عصافير بحجر واحد: أبلغ الحزبيين أن لا أحد يمكنه ضعضعة تماسك الحزب الداخلي، والمآسي يفترض أن تجمع ولا تفرّق. طمأنهم الى أن العريضي لا يزال تحت سقف المختارة ويخضع لتوجيهاتها. وأعاد الاعتبار الى وزير الأشغال السابق لا سيما أنه ابتلع كأس الإبعاد النيابي والوزاري بأقل الأضرار الممكنة. لاقى العريضي ترحيباً في عاليه، وراح المشايخ يحيّونه مشيدين بلسانه السليط: «سبحان مين خلقو، مين عندو البيك غير غازي بيعرف يحكي»، فيما تساءل البعض عمّا إذا كانت تلك الإشادات ستصدر لو لم يكن العريضي يمثّل جنبلاط في هذه المناسبة.

على المقلب الآخر، رجّح البعض أن يكون تمثيل العريضي لجنبلاط بمثابة تحية من البيك الى منطقة بيصور الملقّبة لدى الاشتراكيين بـ«أم الشهداء» والى آل العريضي خصوصاً، الذين قبلوا قرار جنبلاط بحق العريضي ووقفوا الى جانب المختارة. ولا ضير هنا، يقول أحد مسؤولي الاشتراكي، في تعويم العريضي حزبياً بعد أن خطف منه سيد المختارة جميع ألقابه ووزعها بالتواتر على شباب حزبه.

يصرّ الاشتراكيون في مجالسهم على أن السبب الرئيسي لمحاصرة نفوذ العريضي هو تيمور جنبلاط. فعدا عن سوء العلاقة التي تجمعه بالوزير السابق، يحرص الوالد على إحاطة ابنه بفريق من الشباب بعيداً عن الاشتراكيين المخضرمين في الحقل السياسي. وبات أخيراً يتولى بنفسه تهيئة ابنه لرئاسة الحزب، ويحرص على لعب تيمور الدور الذي يلعبه هو في نهاية الاسبوع في المختارة عند لقاء الأهالي. ويشير كل من يلتقي تيمور الى حسن استقباله للناس والعائلات، وإلمامه شبه التام بالشؤون الاجتماعية لوالده. ويلفتون هنا الى صعوبة حصول ما سبق بوجود العريضي. لذلك تستبعد أوساط الاشتراكي أن يحظى العريضي بمركز حزبي بارز تعويضاً عن مراكزه السياسية، بعد أن أسندت المراكز الشاغرة الى متناغمين مع تيمور: ظافر ناصر أمين عام الحزب، رامي الريس مفوض الاعلام، بهاء بو كروم عضو مجلس قيادة ويمثل الحزب في المناسبات الدبلوماسية، زاهر رعد مفوض الخارجية، خضر غضبان وكيل داخلية عاليه، زياد شيا وكيل داخلية الجرد وهشام ناصر الدين مسؤول الملف الانتخابي. ويتحدثون في المقابل عن استحالة إبعاد جنبلاط له نهائياً في غياب من يوازي حنكته السياسية وخزان معلوماته وعلاقاته الدبلوماسية لبنانياً ودولياً.

في الوقت الراهن، يقتل العريضي وقته بالسفر، متلهياً بهواياته في شراء التحف الأثرية من سجاد ومسابح، ويبلغ كل من يلتقيه أنه في صدد إنشاء مركز دراسات. يراهن، وفقاً لعارفيه، على تقدم الأمير مقرن بن عبد العزيز في سلّم الحكم في السعودية، وذلك سيعيده حتماً هو الآخر الى الواجهة السياسية، إذ تجمعه بالأمير علاقة صداقة منذ أكثر من عشرين عاماً. يدرك العريضي جيداً أن صداقاته السياسية وعلاقاته المتينة بمختلف الأحزاب اللبنانية والدول لا بد أن تعيد إنصافه. لا بد عندها للبيك من إعادة النظر في رجله السياسي الذي يحتفظ بمدونات تفصيلية لكل الأحداث السياسية التي مرّ والحزب بها، وكل النقاشات التي جرت داخل أسوار المختارة وفي المجالس الضيقة، فيما العريضي وسط كل هذا الغموض الذي يلف مصيره السياسي لا يكفّ عن ترداد المقولة الآتية: «السلطة ليست وزارة بل معلومات، ومن يملكها يملك السلطة».

تعليقات: