نهر الحاصباني ساقية صغيرة (طارق أبو حمدان)
"عام المحل" ينشر اليباس في البساتين والحقول
الجفاف يكبّد كل مزارع 27 ألف دولار
يقف المزارع مذهولا أمام ما حل ببساتينه وحقوله، المنتشرة في حوض الحاصباني، بعدما هلكت أشجارها، وذبلت واهترأت شتولها، فلم تعد تصلح حتى علفاً للحيوانات.
اجتمع انحباس المطر في الأيام الماضية، والرياح الشرقية الباردة، وتفاوت الحرارة بين الليل والنهار، على تلف المواسم الزراعية والأشجار المثمرة، ورفع من نسبة التلوث البيئي في نهر الحاصباني ومجراه، فكانت ضربة قاسية للمزارعين، الذين باتوا عاجزين حتماً عن تجاوزها، في ظل خسارة مواسمهم وتراكم ديونهم، إذ يقدر معدل خسارة كل مزارع، حسب إحصاءات بلديات المنطقة، بحوالي 27 ألف دولار، ناهيك عن النتائج السلبية المستقبلية للقطاع الزراعي عموما.
يمتد حوض الحاصباني من محيط النبع شمالي حاصبيا، حتى سهل المجيدية والوزاني جنوباً، مساحته حسب دراسة أعدها "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" و"منظمة الفاو" و"المصلحة الوطنية لنهر الليطاني"، 516 كلم2، وطول المجرى الشتوي أعلى النبع 34 كلم، والمجرى أسفل النبع 21 كلم.
تذكر الدراسة بأن إجمال الاستهلاك الحالي للري يتجاوز 4 ملايين متر مكعب في السنة، فيما المطلوب بحدود 30 مليون متر مكعب. قرى الحوض بحدود 47 قرية يتجاوز سكانها عتبة الـ75 ألف نسمة. أما المساحة الإجمالية للحيازات الزراعية فتقدر بحوالي 8500 هكتار والمساحات المزروعة 3630 هكتاراً، والمروي منها لا يتجاوز 620 هكتاراً.
عام المحل
يبدي رئيس بلدية الماري يوسف فياض تخوفاً على مختلف المواسم الزراعية لهذا العام، والذي يمكن وصفه بـ"عام المحل"، موضحاً لـ"السفير" أن مياه الأمطار غابت عن السهول والبساتين، وقناة الري من الحاصباني إلى محور الماري، باتت في حكم المنقطعة، بسبب انخفاض منسوب النهر إلى أدنى حد، وهذا يعني أن المزروعات الصيفية لهذا العام، خصوصاً البندورة والخيار والخس والبصل وما شابه، ستُحرم من مياه الري المجانية، وعندئذ سيضطر المزارع لشراء المياه، أو تشغيل مولدات الآبار في عز الشتاء، ما سيرتب مصاريف إضافية، وإلا الاستغناء عن مزروعاته، وكلا الاتجاهين خسارة على المزارعين.
أتعاب المزارعين في هذه المنطقة الحدودية، يضيف فياض، ذهبت هدرا، الخسائر كبيرة مرة بسبب العدوان الإسرائيلي وقذائفه، ومرة بسبب الجفاف والطقس غير العادي، لتبقى فوائد القروض الى ارتفاع، وتراكم في المصارف التي لا ترحم.
حسب إحصاءات أجرتها البلدية، تتراوح الخسارة المقدرة لكل مزارع بين 20 و35 ألف دولار أميركي، وكمعدل وسطي حوالي 27 ألف دولار، فالمزارع عمل على حراثة أرضه لمرات عدة ورشها بالمبيدات وعمل على تسميدها، كما دفع مسبقاً ثمن الشتول والنايلون، و"كل هذا ذهب هباءً"، بسبب أحوال الطقس.
باسم مزارعي الشريط الحدودي يناشد فياض وزارة الزراعة و"الهيئة العليا للإغاثة"، التعويض عن الخسائر التي ضربت مواسمهم، ودفع بدل تشغيل الآبار العاملة على المازوت، حيث كلفة ساعة الضخ تصل الى حدود 50 ألف ليرة، فالبلدية تضخ من البئر العائدة لها لمصلحة المزارعين، لكنها غير قادرة على تغطية الكلفة العالية للضخ المتواصل.
شتول مهترئة
ينظر المزارع رفيق الحرفوش بحسرة إلى شتول الملفوف والبندورة والفول المهترئة التي لحقها التلف بسبب الجليد عند ضفة الحاصباني، ويقول لـ"السفير": "خسرت 7 آلاف شتلة ملفوف، و3 آلاف شتلة خس، ليس بإمكاني دفع ثمن الشتول"، مقدراً خسارته حتى الآن، بـ15 ألف دولار.
يسأل الحرفوش: "لمن الشكوى.. لم يحصل مثل هذا الطقس منذ 40 عاما، مزروعاتنا الصيفية وبساتين الحاصباني من زيتون وليمون وكرمة وما شابه باتت مهددة بالمرض واليباس، ما يحصل ضربة قاسية للجميع". يضيف انها "إرادة الله، وليس باليد حيلة".
ويؤكد أن "الحاجة لمياه الري ستكون كبيرة، ما سيرفع كلفة الإنتاج حتما، فساعة الضخ من أي بئر ارتوازية التي تبلغ حوالي 50 ألف ليرة، تروي دونما واحدا من البصل مثلا".
أضرار تموز
وإذ يأمل الحرفوش أن "تعمل الدولة على تشغيل الآبار الإرتوازية على الطاقة الكهربائية، وتزويد الحقول بالمياه على نفقتها"، يستدرك قائلا "لكن هذه الدولة لا أمل فيها، فبدل أضرار حرب تموز لم تدفع لنا من دون أن نعرف السبب".
في بساتين الحاصباني المحاذية للنبع، لا يزال الوضع مقبولا حتى الآن، يقول رئيس "الجمعية التعاونية الزراعية" رشيد زويهد لـ"السفير"، فمياه الري انخفضت إلى أقل من 70 في المئة، ولا تزال تصل الى بعض البساتين، لكن بكمية أقل من المطلوب.
ويشير إلى أن "مزارعي المنطقة باتوا يحسبون ألف حساب لشح متواصل وسريع في المياه، تصبح معها عملية الري صعبة ومعقدة في ظل عدم وصول المياه الى البساتين في الطرف الجنوبي والبعيدة عن النبع لمسافة 4 كلم".
خوف على الزيتون
يكشف زويهد أن "خسائر الجفاف تطال أكثر من نصف موسم الليمون، حيث الثمار ناشفة وفارغة، بسبب تقلب الطقس والحرارة، والخوف الشديد على قطاع الزيتون، علما أن هذا العام هو موسم الحمل لهذه الشجرة".
ويلحظ نائب رئيس "التعاونية الزراعية للزراعات البعلية وتربية الشتول" نهاد ابو حمدان أن "الجفاف بدا جلياً على العديد من الأشجار المثمرة في حوض الحاصباني عامة، فاصفرّت أوراق الأشجار اصفراراً غير عادي، كما مئات النصوب الحديثة، خصوصاً نصوب الزيتون التي يبست بنسبة 20 في المئة"، مؤكدا أنه "إذا لم يسارع المزارع الى ريها بواسطة الصهاريج، فنسبة اليباس فيها ستجاوز الـ80 في المئة. علما أن كلفة النقلة الواحدة من صهريج المياه تتجاوز 25 ألف ليرة، ويروي 50 غرسة فقط، ومثل هذه النصوب يلزمها أن تروى كل 20 يوما".
يخلص أبو حمدان لمطالبة "الدولة بإعلان حالة طوارئ زراعية، والعمل بكل قوة لدعم المزارعين والتخفيف من خسائرهم".
بين 890 و600 ملم
يشكل حوض الحاصباني الخزان المائي العالي للمنطقة، كونه يشمل القمم من ارتفاع 2814 مترا، لينحدر نزولا عبر السفوح الغربية لجبل الشيخ، حيث تشكل تساقطات الثلوج والأمطار معدلات، تتراوح بين 890 ملم في السنة في الأعالي و600 ملم في السفوح.
تروى مزروعات الحوض أساساً، من مياه نبع الحاصباني ومجرى نهره، ومن نبع الوزاني، و8 ينابيع صغيرة أخرى، إضافة إلى حوالي 21 بئرا ارتوازية، حفرت في سهول المجيدية وحلتا ووادي خنسا والماري. وهناك مصدر مياه مهم لري هذه المنطقة هو نبع سريد 20 مليون متر مكعب في سنة، لكن مياهه لا تتفجر إلا مرة كل 5 أو 10 سنوات من سفوح جبل الشيخ، وذلك حسب غزارة الأمطار وكمياتها المتساقطة سنويا.
مزارع يعرض ملفوفه التالف في حوض الحاصباني (طارق أبو حمدان)
تعليقات: