الكتابة في موضوع له علاقة بالمرأة وقضاياها ودورها في المجتمع يخلق تهيباً خاصاً بالموقف، لا لسببٍ إلا محاذرة الوقوع في فخ العاطفة والإستسهال والإنجرار وراء مواقف إرتجاليّة تغرقنا في بحرٍ من المديح المجّاني للمرأة والوقوف موقف الضد من الرجل المتهم أبداً وظلماًً بأنه وراء مأساة المرأة وانعزالها وتقوقعها وعبوديّتها ومنعها من التحرّر والوصول إلى أهدافها وممارسة حقوقها الطبيعية.
إن مقاربة قضايا المرأة بشكل مجرد ومنفصل عن الرجل في يوم المرأة العالمي، هو مجافاة للموضوعية والواقع، خاصةً أن قضاياهما الحقوقيّة والإجتماعية والسياسيّة والإقتصادية هي واحدة لا تنفصل، بما هي قضايا إنسانية في مجتمعٍ مقفلٍ بتراكيبه. وكما المرأة كذلك الرجل، فهما يعانيان من القمع المادي والمعنوي على حدٍ سواء، وإن كانت الوطأة على المرأة أثقل وأشدّ تأثيراً، إنما المعاناة واحدة وإن إختلفت وجوهها.
يشغل موضوع مشاركة المرأة في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وعدم تمثيلها في الهيئات الدستوريّة المُنتخبة والمعيّنة، وفي مراكز القرار في الإدارات والمؤسسات العامة وهيئات المجتمع المدنيّ من أحزاب وجمعيّات ونقابات، العديد من المهتمين بهذا الشأن ولكن بصمت، لما لهذا الموضوع من أبعاد مختلفة ومعقّدة تجعل منه موضوعاً شائكاً يتعلق بالعادات والتقاليد والموروثات الإجتماعية والتشريعات والقوانين والمفاهيم الدينية المغلوطة والسطحيّة والتي غالباً ما شكّلت بمجموعها منظومةً متكاملةً تُستخدم في قهر المرأة، كمقدّمة من أجل إنتاج مجتمعٍ مقهورٍ غير قادرٍ على صوغ وممارسة آلياتٍ ديمقراطيةٍ تمكّنه من العيش بسلامٍ في بيئةٍ آمنةٍ محررةٍ من الخوف والفقر والحاجة، يمارس فيها الإنسان إنسانيّته وحقوقه الطبيعيّة دون مِنّةٍ من حاكمٍ، ودون أن يكون مضطراً للرضوخ والإذعان والعيش في عبوديّة مُقَنّعة يكون فيها عبداً للعادات والتقاليد والتشريعات غير العادلة، والتي تجعل منه مسخاً يعيش في مجتمع ذكوريّ يمارس فيه إنفصاماً في شخصيته يتبدّى تمييزاً وممارسات قمعيّة بين قطبي هذا المجتمع أي بين المرأة والرجل.
إن ثقافة العيب التي تهيمن على علاقات المجتمع وترسم حدود العلاقة بين الرجل والمرأة ليست كتاباً مُنزَلاً لا يمكن الفكاك منه، بل إن ذلك قابل للتغيير ولتصحيح الصورة النمطيّة السائدة للعلاقة بينهما، وذلك لن يكون إلا بالتراكم وفي خلق وممارسة عادات ومفاهيم جديدة منفتحة، وفي إرساء ثقافة إنسانية تقوم على إحترام خصوصيتيّ المرأة والرجل والطبيعة الجنسية والدور البيولوجي لكل منهما، ونبذ كافة أشكال التمييز الأخرى بينهما وتوثيق ذلك في تشريعات وقوانين مُلزمة.
إن تحقيق هذا الهدف يتطلب خطوات عمليّة على أرض الواقع تُتيح للمرأة التحرّر من المعوقات التي تَحُولُ دون مشاركتها وتفعيل دورها ووجودها في المجتمع، خاصة أن لبنان صادق على الإتفاقية الدولية "إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، والتي يجب أن يُبنى عليها لتفعيلها وتطبيقها والضغط على المسؤولين والمعنيين للإلتزام بمضمونها ومندرجاتها القانونيّة.
إن إعتماد مبدأ الكوتا النسائية المؤقّتة، بالرغم من الأصوات التي تَعتَبر أن الكوتا النسائية هو إخلال بمبدأ دستوري نص على المساواة بين الرجل والمرأة، هو السبيل الصحيح لإتاحة الفرصة أمام المرأة لإثبات وجودها وإبراز قدراتها الذهنيّة والجسديّة وبناء أسسٍ متينةٍ من الشراكة في بناء المجتمع وبناء السلطة السياسية في البلاد. ثم، ألم تُخصَّص الطوائف بكوتا في الدستور اللبناني وقوانين الإنتخاب المتعاقبة؟
أما في ما يخصّنا نحن كنقابيين وعمال ومستخدمين وموظفين في القطاعين العام والخاص، فإننا نجدها فرصة سانحة على أبواب الإستحقاقات الدستورية في البلاد لنرفع الصوت عالياً من أجل تخصيص الزميلات العاملات في مختلف ميادين العمل بمقاعد وزارية ونيابية، وفي مواقع إدارية وفنية قيادية متقدمة، وأعتقد جازماً أن هناك العديد من النساء اللواتي يمتلكن الخبرة والإرادة والمعرفة والتصميم على المشاركة في الحقل العام، وأن حجة تقاعس المرأة عن المشاركة في الحياة العامة هي حجة ساقطة وترتدّ على مطلقها.
"العدل أساس الملك"، هي القاعدة الذهبيّة التي يبنى عليها مفهوم النظام الإنساني برمّته، والعدالة في مختلف وجوهها هي الطريق الصحيح نحو الإنصاف. وتبقى المساواة بين البشر هي أحد أكثر وجوه العدالة إشراقاً، ويقع على عاتقنا جميعاً مسؤوليّة إبراز هذا الوجه لعالمنا الجميل، فكيف إذا كان هذا العالم يستمدّ جماله من جمال المرأة؟!
..
* أحمد حسان (عضو الهيئة الإدارية في المركز اللبناني للتدريب النقابي)
تعليقات: