من فيلم أضواء المدينة لشارلي شابلن
شارلي شابلن رسول الفقراء و رسول أحلامهم في واقعيته الرائعة و في فيلمه الاروع "أضواء المدينة". هذا الفيلم الذي يحمل الرقم 76 في قائمة معهد الفيلم الامريكي لأفضل 100 فيلم في التاريخ. فيلم أنتج في ثلاثينات القرن الماضي. و هو من اخراج و انتاج و سيناريو و موسيقى: شارلي شابلن لعام 1931. فيلم صامت و بدون ألوان. شارلي شابلن صاحب الشارب الغريب و القميص الاشعث الذي يلبس دوماً بنطالاً عريضاً و سترة ضيقة و حذاء كبيراً جداً. حبكة الفيلم بسيطة جداً و لا تحتاج لتفصيل. شارلي شابلن يمثل شخصية المتشرد في الفيلم الذي يتعرف على بائعة ورد ضريرة( فرجينيا شيريل) حيث تقوم بدور بائعة للورود و الياسمين للمشاة. يقوم شارلي بكافة الاعمال حتى يجمع الاموال اللازمة للفتاة المكفوفة من أجل اجراء عملية جراحية لعينيها حتى تستعيد بصرها. يعمل شابلن المستحيل حتى يرفع بين اليابسة و المياه جبلاً و فاصلاً في فترة مليئة بالتعقيدات الاقتصاديّة. فالرجل في الفيلم واضح التصرفات، لا يبطن الكلمات، و يتحرك بعفويّة ، لكن هذا لا يمنع من أن الهموم آتية لا محالة. و كأني أرى بائعة الورود المكفوفة تتقافز مستبشرة و سعيدة و هي تجلس الى جانب المتشرد الذي تجهل بطبيعة الوضع القائم من حيث كونها ضريرة.
و لقد أسرني ذاك المشهد الذي لم يلفت نظر الكثيرين للمعنى الذي احتواه، حيث باشرت هي بلف كتلة من الصوف قدَّم لها بداية لفها بنفسه فأخطأ حين قدّم خيطاً من قميصه الداخلي و بدأت هي تلف الكرة، و هي الضريرة، و هي العمياء، دون ان يقاطعها او يقول لها ان قميصه الداخلي هو الذي يكّر بيديها.
عاد ليحدثها طويلاً و الاخبار لم تختلف بعد المشهد في احساس و شعور بالامتنان. لحظات كبُرت ذكراها في نفس الممثلة الضريرة ووجدانها فشعرت بالطمأنينة. ربما لهدير صوت لفة الصوف ووتيرة ايقاعها المتناسق. كان يراقب تعابير وجهها. شعرت بالراحة. تحدثت بإسهاب. لم تنتابها نوبات بكاء. و صوته أتاها غير متلهف. كانت ضريرة و لم يتسنَ لها الاستمتاع بكل ما في الغرفة من جمال. بإتقان شديد كانت تتابع لفَّ كرة الصوف غير متسائلة. كأنها أدهشها اللا تتذكر. أضحكها تارة ثم أضحكها اخرى، ثم أخجل، فتململت في مكانها. كأنها لا تصدق أنها عبرت بمفردها كل هذه الامكنة و هي الضريرة. كل الذي استطاعت فعله هو اغماض عينيها لهذا الجمال المحيط.
كأني بها تعود بعد عشرات السنين، تقطع حدود فلوريدا، و تدخل في مداخل مدينة الخيام. و شارلي كما هو على بساطته يلبس بنطال و سترة. حين كانت تغسل عن نفسها القلق و الاحزان كان هو. كأن دفقات الحنان أيقظت في داخلها مشاعر الامتنان. فاكتشفت ان الوقت يسرع، بينما تذهب بها الحيرة و تعود. ترى لو وقع نظر احد على وجهها فهل سيرى ما أراه ؟
شارلي شابلن لقد كنت عظيماً في عشقك الاشياء القديمة و راقياً في الاستمتاع.
لقد كنت عظيماً في ان تثبت ان الروح الانسانيّة يمكن ان تُصهر في بودقة واحدة.
لقد كنت عظيماً في ان تثبت ان كلما كانت التجربة مؤلمة كانت المعرفة اكثر رسوخاً.
سلام عليك يا شارلي و انت في عليائك ترسم أعظم لوحة للحياة.
سلامُ عليك في احتفاليّة عيد النساء فقد أثبت بإتقان شديد أنك مناضل مكافح.
و قد أثبتّ من خلال أعمالك انك أفضل رجل، و أفضل مؤلف، و أفضل مخرج، و أفضل عازف و للنساء أفضل صديق !
* هيفاء نصَّار
تعليقات: