المطهّر «أبو عدنان خليل عبود».. ذكرى طيّبة

تحيّة إلى المرحوم \
تحيّة إلى المرحوم \"المطهّر\" أبي عدنان الذي لم يكن فقط \"مطهّراً\" بل كادحاً يساريّاً وطنيّاً ذا رؤية طليعيّة صادقة ومثقفة


الكتابة عن أبي عدنان "خليل عبّود" (المطهّر) تبدأ ولا تنتهي؛ عرفته جيّداً بسبب مجايلتي لأولاده، ولا سيّما الدكتور "عدنان" حين كنا سويّة على مقاعد الدراسة في المدرسة الرسمية في الخيام منذ الابتدائي حتى نهاية المتوسط مروراً بالثانوي، قبل أن يتفرّق العشاق والاصدقاء، كلّ إلى تخصّصه في بلاد العلم والجمال. أصبحت الطفولة وزمالتها وصداقتها في خبر "كان"، تغيّرت الأزمنة والعقول والأفئدة والظروف والمسؤوليات، فتفرّق العشاق.

كنتُ أذهب مراراً إلى منزل "المطهّر" أبي عدنان بعد أن تيقنتُ أنني لم أعد مهدّداً بمبضعه، كوني مررتُ بالتجربة المُرّة التي أذكر جيّداً تفاصيلها وعذاباتها التي لم تكن على يد أبي عدنان بل على يد مطهّر آخر نال مني كل سباب وشتائم وعراك لم ينجُ منه والدي الذي اعتقلني بعد عداء طويل ومرير في شوارع الخيام هرباً من تجربة التطهير.

المهمّ أنّ أبا عدنان لم يكن له دخل في حذف جزء من "عورتي" التي خلقني بها الله ذكراً متكاملاً بطلاً في مجتمع ذكوري بامتياز.

تميّز أبو عدنان بروح الدعابة والنكتة الحاضرة التي جعلته محبوباً ومقبولاً من سكان القرى الجنوبيّة التي اعتادت على مبضعه. أذكر جيّداً حين سألني عن ابنه عدنان، الذي كان جاراً لي في غرفة الصف في الصف، ومن منا الأكثر كفاءة في المستوى والعطاء. أجبته بأننا متساويان، وفي ذلك إجابة دبلوماسيّة طبيعيّة من ولد خجول لا يعرف اللف والدوران والتذاكي في الإجابة. لم تلق له الإجابة، فأراد أن يدخل في التفاصيل لمعرفة حدود عطاء ابنه، وعلى حسابي. سألني من منكم الأكفأ في التاريخ مثلاُ؟ في الجغرافيا؟ في اللغتين؟ في الرياضيات؟ ولم يترك مادة لم يسأل عنها. لم أجرؤ على قول الحقيقة، فهناك مواد هو ضليع بها أكثر مني أو يعادلني بها، والعكس صحيح. أجبته بأنه هو الأقوى. كان هذا جوابي على كل سؤال حول مادة من المواد. فما كان منه إلا أن أجابني: يعني هو أكفأ منك!

تخصّص عدنان بالطبّ، وتخصّصتُ أنا في الفنون التشكيلية. كنا كلانا متعادلان بالطموح والعطاء.

وحين احتلال الخيام عام 1977 كنتُ موجوداً قرب ثكنة الخيام مع أولاده فما كان منا إلا اللجوء إلى منزل أبي عدنان والاختباء داخله حيث شاهدنا عن كثب ومن داخل المنزل الدبابات الاسرائيلية التي جابت شوارع الخيام وعاثت فيها خراباً نتيجة لكبر حجمها فعمدت إلى إزالة حائط من الباطون في منزل أبي عدنان لكي تستطيع المرور في الشارع الضيّق. كان أبو عدنان حينها يغلي كالمرجل انزعاجاً من دخول الأسرائيلي وعملائه واحتلالهم الخيام، وما آلت إليه الأمور حينها (ذكرتُ بعض التفاصيل في كتابي "غرنيكا الخيام").

تحيّة إلى المرحوم "المطهّر" أبي عدنان الذي لم يكن فقط "مطهّراً" بل كادحاً يساريّاً وطنيّاً ذا رؤية طليعيّة صادقة ومثقفة، يكفي القول أنه ابن "النابغة" المرحوم "صالح عبود" مالىء الدنيا وشاغل الناس في حياته، وقد أخذ عنه أبو عدنان، "شايل الهمّ عن القلب"، صفاتٍ كثيرة على رأسها البديهيّة و"خفة الدمّ" والذكاء...

رحمه الله.

موضوع "خليل صالح عبود.. سلام عليك في عليائك‎"

تعليقات: