جانب من الاحتفال امام الويمبي (هيثم الموسوي)
إيماناً منهم بأن الصفحات المضيئة لا تطوى ما دام هناك من يتذكّر، احتشد السوريون القوميون الاجتماعيون أمام ما كان يسمّى يوماً «مقهى الويمبي»، إحياءً للذكرى الـ25 للعملية البطولية التي نفّذها ابن بيروت القومي الشهيد خالد علوان، بالتزامن مع انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، مؤكّدين أن هوية بيروت المقاوِمة تأبى أن تلطّخ بـ«ألوان الاحتلال».
وإذا كان التغيير الديموغرافي للمكان قد طمس معه معالم الرصاصات التي أطلقها الشهيد علوان في وضح النهار، فإن إحياء الذكرى حمل في طيّاته هذا العام رسالة صريحة وواضحة، ومفادها أن الرصاصات التي أطلقت ظهيرة الرابع والعشرين من أيلول عام 1982 «لن تمحو آثارها خفافيش الليل».
وبكثير من التحدّي الذي تختزنه نفوسهم، أعاد القوميون تثبيت لوحة تذكارية تؤرّخ لذاكرة ذاك النهار، بعد أن ظنّ «الخفافيش» أن في استطاعتهم إخفاء الحقيقة، عندما أقدموا، ليل 24 آب الفائت، على تشويه اللوحة القديمة ببصماتهم «الزرقاء».
وعلى رصيف «الويمبي» الذي ما زال شاهداً حياً، رفعوا اللافتات المحذّرة «عصابة يهود الداخل» من مغبّة إحراق لبنان، وذاكرتهم تحتفظ بتفاصيل ذاك الرابع والعشرين من أيلول، حين دفع الاطمئنان بضابطين وجندي من قوات الاحتلال الإسرائيلي الى الجلوس في المقهى لاحتساء البيرة... وببرودة أعصاب، وجّه خالد علوان مسدسه نحوهم، وأطلق عليهم رصاصاته الستّ بالتساوي، فقتل ضابطاً وجرح الآخرين، مسجّلاً بذلك الشرارة الأولى للمقاومة في بيروت.. وكانت تلك الرصاصات بداية الهزيمة العسكرية الأولى لجيش «العدو الذي لا يقهر»، وبارقة الأمل المكمّلة لصواريخ «الكاتيوشا» التي أسقطت عنجهية وزير حرب العدو أرييل شارون وشعار سلامة الجليل في 21 تموز 1982... الى أن سمع أهالي بيروت استغاثة جنود العدو الإسرائلي بمكبّرات الصوت يصرخون: «لا تطلقوا النار علينا.. إننا راحلون.. راحلون».
وبعد 25 عاماً، حضرتهم المناسبة بـ «وقفة عزّها» التي لم تعرف الانكسار.. وبعيداً عن الأنخاب والتصفيق، كان المهرجان الخطابي الذي استهلّ بكلمة ترحيبية ألقاها وكيل عميد الإذاعة والإعلام خالد القعسماني، فكلمة لرئيس «تجمّع الإصلاح والتقدّم» خالد الداعوق الذي لفت الى أن الذكرى تحمل في مضمونها أربع حقائق، بدءاً من كون وجه بيروت وضميرها وحقيقتها «ثوابت لا يمكن أي ظرف عابر أو لحظة زائلة أن تغيّر منها»، وأن حزب علوان «مدرسة في المقاومة والعطاء والشهادة»، مروراً بأن «يداً خفية تتربّص بالوفاق الوطني والسلم الأهلي والاستحقاق الرئاسي»، ووصولاً الى أن «العدو الصهيوني يسعى، بكل أجهزته ووسائله، للانتقام من بيروت».
وإذ دعا الى ضرورة التمسّك بـ«قيم بيروت وتراثها وعروبتها ولبنانيتها وانفتاحها ودورها ورسالتها»، ختم الداعوق كلمته بالتأكيد على أن «بيروت ليست سلعة للبيع والشراء، بل كانت وستبقى عاصمة للإباء والعطاء».
ومن وحي المناسبة، ألقى نائب رئيس الحزب الوزير السابق محمود عبد الخالق كلمة أشار فيها الى أن «لا خيار يصون وحدة لبنان، ولا استراتيجية دفاعية تحمي وحدته، ولا نهج يحفظ سيادته، ولا ثقافة تحصّن هويته، ولا مصلحة حقيقية تتأمّن له، إلا عبر المقاومة»، واصفاً الشعارات التي ترفعها قوى الموالاة بـ«النسخة المكرّرة عن نهج قاد الى خراب لبنان».
ومحذّراً هذه القوى من «مغبّة خطف موقع لبنان والقفز على ثوابته وخياراته القومية التي تعمّدت بدماء الشهداء»، أكّد عبد الخالق على أن لا سبيل لخروج لبنان من أزمته المستفحلة إلا بـ«إيجاد مخرج سياسي توافقي، يقي لبنان الانزلاق نحو مطبّات قاتلة»، داعياً الى «مقاربة استحقاق الرئاسة بالارتقاء الى تغليب مصلحة لبنان على كل اعتبار».
وختم عبد الخالق كلمته بالتأكيد على أن «في الوحدة انتصاراً، وفي الانقسام انكساراً»، معاهداً الشهيد علوان على أن تبقى اللوحة التي تحمل اسمه في «الأيادي والقلوب والساحات»
تعليقات: