غالب عكر.. شخصية لا تموت مع الصمت والاغفال

غالب عكر لم يكن بلا قضية, بل كانت قضيته قضية الزمن المندحر و الانسان المجبور والمقهور و المعدم من المال و العلم و المكانة
غالب عكر لم يكن بلا قضية, بل كانت قضيته قضية الزمن المندحر و الانسان المجبور والمقهور و المعدم من المال و العلم و المكانة


لا شك ان تاريخ لبنان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحروب و الفتن. و ان البيئة المهيأة لنمو بذور الشقاق و الحرب كانت موجودةً منذ الازل نتيجة عوامل عدة في المنطقة و البلد و القرية و البيت و الثقافة, الدينية و الاجتماعية. و لكن كل هذا لم ينقص من شأن العلم و الشعور بأهميته عند طبقات المجتمع اللبناني بشكل عام و الخيامي بشكل خاص. و الامثلة على ذلك كثيرة. غالب عكر كان من تلك الامثلة و الشخصيات التي غلب عليها هاجس العلم و اكتشاف المجهول فكان السفر المشؤوم داخل الوطن.

لم ندخل بعمق الى عالمه و همومه و لكننا نستطيع أن نستقرأ تلك المرحلة من خلال استقراء مشاعره و نظرته الى نفسه من جهة و الى المجتمع من حوله من جهة أخرى. لم تكن له علاقة مباشرة بالحرب و هو ابن قرية مسالمة بطبيعتها و لكنه كان من أوائل ضحايا تلك الحرب المشؤومة التي عصفت بالوطن في اولى مشاهد العنف و القتل بدم بارد .

غالب عكر لم يكن بلا قضية, بل كانت قضيته قضية الزمن المندحر و الانسان المجبور والمقهور و المعدم من المال و العلم و المكانة. غالب عكر و كل رفاقه شخصيات لا تموت مبكراً اذ انها انفلتت عن السائد في التدرج المنطقي في النمو و الارتفاع ثم الذبول. شخصيات لا تموت مع الصمت و الاغفال. هم كانوا جوهر القضية في الزمن الماضي و الحاضر و الآتي من خلال الواقع الذي تركه كل منهم ورائه. لقد غابوا و ابتعدوا و لم يعد لهم وجود و لكن قضاياهم حاضرة راسخة في ذاكرتنا لا تموت. و تلك التجربة الراسخة في الذاكرة ليست أقل من نتائج الحرب الرهيبة.

لقد كانوا دوماً بدمائهم التي سكبوها على مسلخ الوطن الاقدر على تصوير الآلام و الأهوال التي غدا بعضها, مع سيرة الحرب, مألوفاً في احداث زاد تأثيرها في حياة الناس مع الفترات المتعاقبة. غالب و رفاقه كانوا أصحاب قضية. تلك القضية التي تقضي عدالتها بأن يدفع القاتل الشرير الثمن. هم كانوا اصحاب قضية. قضية الخروج من قوقعة الجماعة الضيقة. و قضية رفض الآخر اذا لم تكن رؤيته مطابقة. قضية وجوب أعلاء سيطرة الشعور بالمواطنية و الانتماء للوطن لا للفرد. قضية سيطرة حكم القانون لا قانون حكم الجماعات. انها قصة أناس غابوا و ابتعدوا و لم يعد لهم وجود فعلي على مسرح الحياة و لكن شمسهم أبداً مشرقة باهرة الضوء, عظيمة الوطأة, وطأة ثقل الفكر و الوجدان و أخذ العبر.

رحم الله شهيد القافلة الاول التي تحولت مع مرور الزمن الى قطار لم يفرق بين طفل, شاب أو عجوز. ذاك القطار الطويل الذي حمل على مقاعده أعزاء رحلوا ليبقى الوطن حراً عزيزاً.

..

* هيفاء نصَّار - أوتاوا

موضوع حسين عزت رشيدي "غالب عكر.. كم تفتقدك الخيام"

موضوع حسين أحمد عبدالله "غالب عكر ولحظة الوداع الاخيرة"

تعليقات: