الكاتب نبيل هيثم
هل يراهن عون على شيكات بلا رصيد؟
سقطت سلسلة الرتب والرواتب في مجلس النواب، وفي هذا السقوط تبدت المشاهد التالية:
- ربح اكيد لأصحاب الاموال، وخسارة موصوفة للحركة المطلبية ولطبقة الاساتذة والموظفين، وفرصة انصافهم قد لا تتكرر في المدى المنظور.
- خسارة رقمية للرئيس نبيه بري و"حزب الله"، ولكنهما في المقابل حققا ربحا موصوفا بصدق التزامهما بطروحاتهما وبمحاولة تحقيق المطالب المحقة لتلك الفئة من الموظفين، والموزعة على كل الطوائف من دون استثناء وعلى كل المناطق اللبنانية ايضا.
- "وفاء" تيار المستقبل، ومعه حلفاؤه في "14 آذار" لسياساته وخياراته المالية التي درج عليها منذ بداية الحقبة الحريرية في العام 1992. واثبت بإدارة فؤاد السنيورة انه صمام الامان والحماية لكل المنظومة المالية المتحكمة بالبلاد والعباد.
- حكومة، برئيسها ووزرائها، لا وجود لها على حلبة السلسلة، وكأنها ليست معنيّة بها، نأت بنفسها عنها و"تبرأت من دم هذا الصديق".
- شراكة عونية موصوفة في إعدام السلسلة.
تبعا لذلك، ليس مستغربا إن تعالت اصوات من قبل الشرائح الوظيفية تثني على موقف بري و"حزب الله". وليس مستغربا إن تقبّل فؤاد السنيورة التهاني على الانجاز الذي حققه بفرط السلسلة، كما لن يكون مستغربا إن تصدّر وليد جنبلاط في المرحلة المقبلة قائمة العازفين على وتر استعجال السلسلة على قاعدة "الحرص" المتوازن على المال العام وحقوق الموظفين. الا ان المستغرب هو شراكة ميشال عون مع من كان يعتبرهم "حيتان المال التي لا ترحم"!.
واذا كان من العونيين من لهم حساباتهم ويبررون تلك الشراكة بمنطق الحرص على الموظف كما على الخزينة وتوفير المداخيل لها وعدم ارهاقها بما ليست قادرة على الوفاء به، فإن منهم ايضا من هم مصدومون مما جرى، وبعض نواب التيار الحر ابلغوا زملاءهم صراحة خلال التصويت على تأجيل السلسلة "نحن محرجون ومغلوب على امرنا، اعذرونا نحن مضطرون" .
تشي الاجواء العونية بكثير من الارباك، وترد على ألسنة شريحة واسعة تساؤلات بحثا عما اوجب اسقاط الشعارات والتخلي عن القناعات، وارتكاب الخطأ الجسيم "في مسيرتنا السياسية"، بنزول ميشال عون الى خندق واحد مع من لـُدغ منهم هو والتيار مرات ومرات ومع من له معهم تجربة صدامية قاسية، ومع من رسخ عون نفسه في اذهان البرتقاليين ان إبراءهم مستحيل؟
ليس خافيا على هؤلاء العونيين البعد الرئاسي الذي يتحكم بميشال عون وجعله ينفتح على السعودية، ويقطع المسافات للقاء سعد الحريري، ويضع بيضه في سلة الاميركيين الذين لطالما خذلوه. واكثر ما يخيف تلك الشريحة هو "ان من يخسر كثيرا هو من يخسر اخيرا، اذ سيخسر وحده".
وهنا، لا يخشى البعض من كمين منصوب لعون، بل من ذهاب عون الى هذا الكمين برجليه وان يلدغ من الجحر نفسه مجدداً، وان يُصدم في نهاية المطاف بأن العواطف السياسية التي أُبديت له ليست سوى شيكات بلا رصيد، سواء من سعد الحريري الذي يؤكد يوميا على لسان نوابه بأنه بات قاب قوسين او ادنى من تبني مرشح من "14 آذار" لرئاسة الجمهورية ( سمير جعجع)، او من الاميركيين الذين انفتحوا على ميشال عون وفكروا في وقت ما في فرضية وصوله الى رئاسة الجمهورية، ثم عادوا بعد فترة غير بعيدة الى طمأنة فريق "14 آذار" بصرف النظر نهائيا عن تلك الفرضية.
على ان الطامة الكبرى في نظر الشريحة العونية، ان يذهب تفكير البعض في التيار الى قراءة غير واقعية لمشهد التصويت على السلسلة واعتباره "بروفة" لانتخابات رئاسة الجمهورية. وتبعا لذلك، فإن الاستنتاج الموضوعي الذي تخلص اليه هو ان هناك من يحاول الاستفادة من مناخات رئاسية لابتزاز مواقف وخطوات في الشأن الاقتصادي والمعيشي ومن دون اي التزام على الخط الرئاسي.
ومن هنا تذهب صراحة البعض من العونيين الى التشكيك بإجراء الانتخابات الرئاسية في المدى المنظور، فلا الداخل يميل نحو مرشح معين، ولا بكركي استطاعت ان تقنع الأقطاب الاربعة الموارنة باستبعاد أنفسهم من حلبة الترشيح والاتفاق على مرشح من خارجهم، ولا اصحاب القرار المؤثرين في هذا الاستحقاق الرئاسي وضعوه على نار حامية، وكل القوى اللبنانية المعنية بالرئاسة لم تتلق بعد "كلمة السر"، لا في ما خص شخص الرئيس ولا في ما خص موعد اجراء الانتخابات.
تعليقات: