الإعلانات العشوائية في الخيام

هذه العشوائية التي تبدأ منذ وصولنا الى باب الثنية تصعق  المشاهد بشكل صارخ.. حتى صور شهدائنا الأبرار منتشرة بطريقة لا تليق بتضحياتهم
هذه العشوائية التي تبدأ منذ وصولنا الى باب الثنية تصعق المشاهد بشكل صارخ.. حتى صور شهدائنا الأبرار منتشرة بطريقة لا تليق بتضحياتهم


التناسق هو الهيكل الذي يعتمد عليه الجمال (بيرل باك )

الجمال يوقظ الروح للعمل ( دانتي )

ان ما شاهدته في آخر زيارة لي الى قريتي الجميلة الخيام من اعلانات عشوائية على مداخلها وفي شوارعها وعلى الأعمدة ...وحتى صور شهدائنا الأبرار منتشرة بطريقة لا تليق بتضحياتهم (يمكن تخليدهم بأساليب أكثر حضارة ورقي ). أن هذه العشوائية التي تبدأ منذ وصولنا الى باب الثنية تصعق المشاهد بشكل صارخ حيث يظهر جليا عدم الأنسجام بين هذه الأعلانات والمحيط الرائع للمنطقة ... كل هذا حفزني حتى أكتب هذه الكلمات التي تعبر عن شعور الكثيرين من أبنا البلدة المحبين لها ... وهذه الكلمات هي برسم المجلس البلدي الكريم ورئيسه الغيور علنا نساهم بالقليل من حبنا لقريتنا الجميلة ...ومن هنا أبدأ...

الجمال سر من أسرار القدرة الإلهية ودليل عليها، وهو يُدْرَك بالحس والقلب، وليس من السهل تعريفه أو حده بأوصاف أو رسوم أو عبارات، وهو شعور داخلي قد يترجمه صاحبه في عبارات أو إشارات، وقد يظهر في لغة الملامح والتقاسيم، والإحساس بالجمال عجيب في كيان الإنسان حيث يحدث توافق بين الحس البشرى والجمال الخارجي من خلال المُدْرَكات الحسية التي وهبها الله للإنسان . والجمال سمة بارزة من سمات هذا الكون، فالخالق سبحانه وتعالى صنع الكون وأحسن صنعه، وخلق فأبدع، وأمرنا – سبحانه- بأنْ ننظر ونتبصر ونتدبر خلقه في السموات والأرض، وفى عالم البحار والنبات، وعالم الحيوان والطيور والحشرات ، وذلك لإدخال السرور والبهجة إلى النفس بجانب تقوية العقيدة في قدرة الخالق المبدع، وليعتبر الإنسان ويتعود النظام والإتقان في العمل والدقة في الصنعة، كما أنَّ الفرد مأموراً بأنْ يكون مهندماً وجميلاً في مظهره وملبسه ومسكنه بعيداً عن التبرج والكِبْر والخيلاء. يتضح من التعريف السابق أنَّ الجمال تعميم شامل يتحقق من خلاله إدراك العلاقات المريحة للبصر، والسمع، والنفس، والقلب وسائر حواس الإنسان.

أما الجمال في الطبيعة فهو يمثل المادة الجمالية الخام التي يستطيع الفنان أنْ يصيغها في القالب الفني الذي يعبر عن إحساساته ومشاعره، وانطباعاته الشخصية عن الأشكال التي يشاهدها في العالم الطبيعي

إنَّه الشعور بالارتياح تمنحه لنا صورة تنجم عن علاقات متناغمة متناسبة، وعن الوضوح والبهاء والبساطة، إنَّ الإنسان فيما يقول "هربرت ريد" ليستجيب لشكل وسطح وكتلة الأشياء أمام حواسه، فالاتساقات القائمة فيها تبعث فينا إحساسات سارة، بينما يؤدى افتقاد الاتساق إلى لامبالاتنا بالأشياء المُشَاهدة، بل لعلَّه يُؤَدِى إلى شعور بعدم الارتياح أو الاشمئزاز .

والجمال عند أرسطو هو التناسب والتماثل والتوافق في الأشياء ذاتها، والترتيب العضوي للأجزاء في كلٍ مترابط، ونحن لا نحس الجمال إلاَّ عندما ندرك هذا التناسب ونميزه، ويكون حاضراً في الذهن كالمقياس أو الميزان، فكل ما يبدو منسجماً يبعث على الارتياح والاطمئنان والألفة ، وكلما كانت صورة الشيء منسقة تنسيقاً منسجما أحرزت الرضا واقتربت من النفس الإنسانية([فهذا الكون الذي يشتمل على بلايين البلايين من النجوم والأفلاك، كلها تتحرك ولا تفتر عن الحركة لحظة واحدة منذ الأزل الذي لا يُدْرِك عقل البشرية مداه، هذا الكون لا يصطدم فيه نجم واحد بنجم، ولا يحدث خطأ في مدار واحد من مداراته وتلك دقة جميلة معجزة لا يقدر عليها غير مبدع الكون وخالق الجمال، إنَّها دقة جميلة تجذب الحس، وتهزه من الأعماق، فالدقة تضفى على الشئ جماله المناسبأنَّ الفرد – الناشئ- حينما يعتاد على رؤية الجمال والإحساس به صغيراً فإنَّه سيلفظ القبيح ويستهجنه، بل وسيثور عليه ويحاول أن يستبدله بكل ما هو جميل، ويكون ذلك في كل مناحي الحياة مادية كانت أم معنوية.

ووضع أفلاطون فكرة رائدة للتربية الجمالية بمفهومها الشامل، فقد تصور الفنانين في جمهوريته أنْ يكونوا من النوع الموهوب ليستطيعوا تشكيل ذوق المواطنين في كل مرافق الحياة على مستوى رفيع، أما الفنانون الذين ليس لديهم هذا المؤهل "الموهبة" فيطردهم أفلاطون من جمهوريته، لأنَّهم سيتصدون للذوق العام بلا كفاءة وسيفسدونه، ونظراً لأنَّ الذوق وتقدير الجمال من الأمور المرتبطة بالفضيلة وبعمل الصالح فإنَّ هؤلاء الفنانين سيكون إسهامهم مفسداً وبالتالي يشيعون الأخلاق الفاسدة بين الرعايا فيتأثر تكون الجمهورية الفاضلة أيما تأثر.

والسنة النبوية تبين كيف تعمل التربية الإسلامية على إنماء الجانب الجمالي في الإنسان، فلقد أبدع الله الكون إبداعاً وأحسن تشكيله وتنظيمه وتناسقه ووضع في كل مخلوقاته جانبها الجمالي؛ وهذا الإبداع والإحسان في التشكيل يمثل النظرة الأم للتربية الجمالية في الإسلام، فالله خالق الكون ومبدعه، والإنسان يدرك بحواسه صوت الله في كل ما خلق، ويرى جمال خلق الله.

والإسلام يُحل الزينة ويزجر من يحرمها، ويصف الله بالجمال ويحسب الجمال من آيات قدرته وسوابغ نعمته على عباده، والزينة والعبادة تتفقان ولا تفترقان بل تجب الزينة في محراب العبادة، ووضع الرسول الأكرم معايير وضوابط للجمال تتفق مع ما جاء في القرآن حتى يمكن تربية الإنسان المسلم على حب الجمال والإحساس به دونما أنْ يكون جمالاً زائفاً يتمثل في جمال الثياب مثلاً والتكبر بها والتعالي على الناس.

وأخيرا ان الله جميل يحب الجمال ......


* المربي فادي محمد سويد

--------- --------- ----------


صفحات موقع "خيام دوت كوم" ستبقى دوماً مفتوحة للجميع، منبراً حراً لنشر آرائهم واعلاناتهم وكتاباتهم وصورهم، ضمن حدود اللياقة والأصول، خدمة لأهالي بلدتنا الخيام الحبيبة ولأبناء منطقتنا العزيزة.

والآراء المنشورة تحمل رأي كتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "الموقع" أو توجهاته.

للتواصل معنا، بريد ألكتروني: info@khiyam.com

الإعلانات.. كما في العاصمة أيضاً
الإعلانات.. كما في العاصمة أيضاً


تعليقات: