إنسان والدي، أبوعلي حسين نصّار‎

المرحوم الوالد الحاج ابوعلي حسين نصّار
المرحوم الوالد الحاج ابوعلي حسين نصّار


تراه ساكناً في دروب أرواحنا، و أزقة قلوبنا يؤنسها بعذب حديثه و رهافة شعوره.

كان متواضعاً و صريحاً، منصفاً وودوداً. وهو صاحب عزيمة باقية لم يؤثر فيها مرور الزمن.

في حياته ثورات مختلفة، ثورة عمل لا يهدأ. صاحب حياة حيوية حافلة، ما كاد يودع فيها مرحلة حتى يستقبل اخرى. جمع بين طياته الماضي الاصيل واشراقة المستقبل. كان يبحث عن الضوء في الظلام الداكن الذي لفّ تاريخ في وجوده. لم يكن متشائماً و هو ما برح يقول ان المتشائم لا يمكن ان يغير حاضراً، او يصنع مستقبلاً.

وانا أبحث لأكتب عنه في ذكرى رحيله الثامنة وجدت تلك الروح تحلق عالياً لم تنكسر، ولم تنجرح، ولم تتصدع بفعل الحروب.

وانا ابحث لأكتب عنه وجدت تلك الروح التي كانت الاقدر على امتلاك فضاء القلب والوجدان.

وجدتني ابحث عن تلك الروح التي تزودت بالوعي فلم تتأثر بفعل الحروب التي ازاحت حجراً، ونفضت جداراً، وهدمت سوراً، وافاضت مياهاً، وجففت زهوراً وافقدت وروداً رائحتها.

و انا ابحث عن والدي لأكتب عنه وجدت انسان حياة يشبهه. انسان يرى ان الامل والتفاؤل هما فرض عين على كل شخص يريد ان ينهض بنفسه وبمن حوله، وفي مفهومه ان المتشائم لا يمكن ان يغير حاضراً، او يصنع مستقبلاً.

انسان والدي لا يتذمر من الحياة المحيطة به ولا يتذمر من السياسة وساستها.

انسان والدي لا يتذمر من الفن الدارج، بل انسان يعمل و يؤمن بأن النجاح هو تعب جبين و جهد متواصل.

انسان والدي يؤمن ان الاصل هو ان تتعب، ان تسقط لا بأس، ان تنهزم في بعض المجالات، لكن عليك ان تتعلم من كل سقطة او انكسار ما يجعلك أكثر صلابة في المراحل المتقدمة.

انسان والدي انسان لم ينسلخ من انسانيته، ولم يصب بالانفصام وبقيت طبيعته وبقي ارثه.

انسان والدي الذي احبته اطراف السواقي والجداول انسان احبته السواحل واروقة المدن التي عمل فيها كادحاً مؤمناً بالعمل. ذاك العمل الذي يوصل الى النجاح والسعادة وهما غاية المنى لكل انسان.

انسان والدي يؤمن ان الموصول الى هذه الغايات لا يمكن الا عن طريق واحد هو طريق العمل و التعب والكدح و المشقة.

انسان والدي يؤمن ان قيمة الشيء ليس فيما يحققه المرء فقط، بل بما يدفعه هذا المرء للحصول عليه و بما يكلّفه. انها طبيعة الثقة الهادئة التي سمحت لوالدي ان يتمتع بالبساطة في المعادلة دون الحاجة الى الاستعلاء بالنفس.

لقد امتلك انسان والدي وعياً كبيراً تجاه نفسه و تجاه مجتمعه. لقد عرف جيداً من خلال هذه المعرفة نقاط ضعفه و نقاط قوته.

أما تلك المدينة، مدينة الخيام، التي انحدر منها والدي وتكونت فيها شخصيته فهو اصرّ مؤكداً شعوره بأنه "جزء من هذه المدينة". لقد نعمت هذه المدينة في جزء من ذاكرة والدي، وغبارها لم يتكدس، وملامحها لم يماثلها شيء في الكون.

لم اجد والدي عن بهجة الازهار مبتعداً. ولا عجب برحيله في موسم الازهار. فقد كان ارتباطه الاول بالأرض و المنزل والاشجار واناس احبوه، زاروه، و جاوروه وتقاسموا معه حكاياتهم واجزاء من حياتهم.

ترى أي الاشجار التي زرعتها يداك تفضل؟ و أي كوز تين و اية حبة رمان؟.

يا! أي فواجع أيقظتها ذكراك و قد هزّت سكينة النفس!

وأي انطلاق لواقع وحلم يترافد ما فتئ يحمل رؤياك الجديدة القديمة للأرض والانسان.

..

هيفاء نصّار

موضوع ذات صلة "الخياميون في ألوية الجيش اللبناني"

تعليقات: