حارس معتقل الخيام وأسيره.. ودليله

أسير يبكي فرحاً أثناء اقتحام معتقل الخيام (الأرشيف)
أسير يبكي فرحاً أثناء اقتحام معتقل الخيام (الأرشيف)


ما إن تتجاوز بوابة معتقل الخيام، حتى يلقاك أحمد الأمين مرحّبا بك كما لو أنه يستضيفك في منزله.

إنه حارس المعتقل ودليله السياحي وأسير زنزاناته. يمشي أحمد امامك كما لو انه يسابقك للوصول الى ناحية محددة: «هذا هو المكان الذي امضيت فيه أربع سنوات متنقلا بين هذه الزنزانة وتلك. يتوقف عند «غرفة التحقيق» ثم عمود الكهرباء. ينحني لرفاق استشهدوا هنا أثناء التعذيب. يروي الأسير المحرر ـ الحي سيرة موت ونضال في المعتقل الذي بلغ صيته كل أنحاء العالم.

دمار هائل لحق بالمعتقل جرّاء أكثر من 11 غارة جوية وقرابة 500 قذيفة مدفعية، احتسبهم احمد من خلال عدد الحفر في الارض أو في الجنبات المحيطة بأرض المعتقل. لم يزرع الورود، على جاري عادته. هي آثار «امراض المفاصل» التي جعلت منه شخصا لا يستطيع الحركة كثيرا. زد على ذلك، خوفه من الا يتمكن من سقيها، فتذبل ويحزن على نهايتها. لذلك، قرر اقامة حديقة ورود صغيرة عند مدخل المعتقل يستطيع أن يهتم بأمرها يوميا.

يقول أحمد إن احد الاسرى «تبول» ليشرب بعد أن حرم في زنزانة افرادية من الطعام والأكل، وآخر بلغ به الجوع حد أكل بعض ثيابه وحذائه الجلدي. الأمراض في معتقل الخيام، كانت أصعب من الاعتقال نفسه. ظروف البرد والعطش والجوع والتعذيب والارهاب النفسي، كلها أودت بحياة كثيرين. «قبل يومين من تحرير الاسرى من معتقل الخيام في 23 ايار من العام 2000 نقلني العملاء الى مستشفى مرجعيون للمعالجة بسبب تدهور حالتي الصحية. من هناك، شاهدت حريتي». يروي ضاحكا كيف فرّ العميل اللحدي حارس الغرفة. يومها ناداه احمد... وحين لم يسمع صوته، أيقن أن شيئا ما يحدث خارج الغرفة والمستشفى. سأل نفسه «ماذا افعل؟ هل اكسر باب الغرفة وأهرب؟ تذكرت انني لا أستطيع المشي. فجأة دخل عميلان ونقلاني بطريقة همجية الى سجن في ثكنة مرجعيون. امضيت هناك وقتا قاتلا من الساعة الحادية عشرة صباحا حتى السابعة مساء. عرضوا عليّ أن يرموني في «المرج» لكن خوفهم من رصاصات المقاومين جعلتهم يبدّلون رأيهم. انتظرت مصيرا من اثنين: الحياة أو الموت. كسر المقاومون والأهالي ابواب معتقل الخيام وخرجوا منه. ظل مصيري مجهولا بالنسبة الى زملائي، الى ان انسحب العملاء والاسرائيليون من مرجعيون وتركوني في حال سبيلي لا أستطيع المشي امام مركز الصليب الاحمر في مرجعيون قبل أن تاتي لاحقا مجموعة من الأخوان في «المقاومة الاسلامية» ويتولون نقلي الى مكان خاص».

يجول أحمد في المعتقل وهو الذي منع تدمير بعض أقسامه بعد انتهاء «حرب تموز» 2006 برغم الركام والدمار والقنابل العنقودية حيث بدا واضحا أن الإسرائيليين كانوا يقصفون المكان ليس بسبب وجود قواعد أو مقاومين أو أي سبب عسكري، بل بهدف إزالة معالم وكي ذاكرة تشهد على ارتكاباتهم طوال عمر الاحتلال. هم لا يعلمون أن لا شي يمكن أن يمحو الآهات والعذابات والليالي الطويلة... لا شيء يمكن أن يلغي سيرة أسير في معتقل الخيام».

«المرشد السياحي» ابن بلدة الخيام، يمضي معظم وقته في المعتقل. يعرف الناس من طبيعة أسئلتهم. يستغرب كيف أن لبنانيين لا يعرفون شيئا عن المعتقل، وفي المقابل، تذهله بعض الوفود الأجنبية، وخصوصا الأوروبية، لمتابعتها الدقيقة لتاريخ معتقل الخيام...

يتحدث بحسرة عن زميله في الأسر الشهيد احمد الشيخ علي الذي سقط في حرب تموز 2006 شهيدا. بعد أول غارة اسرائيلية، جاءه أحمد الشيخ وعيناه ممتلئتان دموعا، قال لي:«راح المعتقل يا ابو علي»!.

يرتشف أحمد الأمين الشاي قبل ان يدخل في غيبوبة صمت. يسألني «هل تعلم أن أحد العملاء احضر زوجتي ونزع حجابها ووجّه اليها الشتائم على انواعها قبل ان يضربها أمامي وأنا العاجز عن الفعل. كانوا يطالبونني بالاعتراف عن مقاومين في قريتي، ورفضت ذلك برغم صنوف التعذيب». يروي تلك الرواية بحرقة كبيرة قبل ان يستطرد قائلا «هل تعلم أن ذلك العميل اللحدي اراه بصورة دائمة ويمر أحيانا امامي، يرمقني بنظرات وقحة، قبل أن اتابع السير في حال سبيلي»، يختم:«هل تعلم أنه ممنوع عليَّ أن أوجّه له كلمة واحدة»؟

تعليقات: