حبيب صادق: المجلس في خطر لافتقاره إلى الشباب

مقابلة مع حبيب صادق ( بلال قبلان)
مقابلة مع حبيب صادق ( بلال قبلان)


الهيئات الثقافية تعتمد على فرد أو أكثر لعجزها عن التحول إلى مؤسسة

احتفل المجلس الثقافي للبنان الجنوبي الأسبوع الماضي بيوبيله الذهبي، على مدى أسبوع كامل. وقد اقترن اسم المجلس معظم سنيّه الخمسين باسم أمينه العام الحالي حبيب صادق، الذي، وإن استلم الأمانة العامة مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، فقد كان فاعلاً أساسياً في الهيئة الإدارية، بعد سنوات قليلة على التأسيس، إذ سبقه إلى الأمانة العامة عبد الرؤوف فضل الله وزيد الزين. وفي عهده استطاع المجلس أن يلعب دوراً تاريخياً في النشاط الثقافي اللبناني، بل يتوسع أكثر ليقيم أنشطته خارج لبنان في دول عربية وأجنبية، بل يقيم في لبنان الكثير من المؤتمرات الدولية الموثقة في كتب، إلى جانب أنشطة المجلس الموثقة حتى الآن في ثلاثة مجلدات. ولم تكن مسيرة المجلس بعيدة عن نار الحرب في لبنان، إذ تعرض مقر المجلس للإقفال القسري أكثر من مرة، مثلما نجا أمينه العام من محاولة اغتيال في 9 أيلول 1977. مع حبيب صادق هذا الحوار:

÷ لو نظرنا إلى الوراء اليوم وتذكرت خمسين سنة مضت. كيف تتراءى لك حياة المجلس في مشهد عام؟

} احتراماً للحقيقة التاريخية يتوجب عليّ أن أشير إلى أن الأمانة العامة الأولى للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي تولاها الدكتور عبد الرؤوف فضل الله، وهو أحد أوائل المؤسسين، ثم بعده القاضي زيد الزين، نجل الشيخ أحمد عارف الزين صاحب «العرفان». استمرت هاتان الولايتان من 1964 حتى 1975. من ذلك التاريخ جرى اختياري شخصياً أميناً عاماً للمجلس. وهنا علينا أن نشير إلى أنه مع اندلاع الحرب الأهلية دعت السلطات الرسمية إلى إصدار نص قانوني لتأجيل الانتخابات في هيئات المجتمع المدني، حرصاً على بقائها ممثلة لواقع اجتماعي سبق الحرب الأهلية.

لم يكن للمجلس أي مقر يستقر فيه من 1964 حتى 1970. في العام الأخير تمكن المجلس من استئجار شقة في رأس النبع بجوار مسجد عثمان بن عفان. هذا المقر صودر في مطلع الحرب الأهلية من قبل فريق من الحركة الوطنية، وبقيت المصادرة أشهراً، وحين أخلي ذهبنا إلى المقر فرأيناه خاوياً من كل محتوياته.

عدنا نعمل بلا مقر لسنوات عدة، واضطررنا إلى استخدام مقار هيئات ثقافية صديقة، منها النادي الثقافي العربي وجمعية المقاصد، حتى لا نتوقف عن العمل، إلى أن تيسر لنا ان نشتري شقة بشارع المزرعة (تقاطع برج أبو حيدر)، بعد حملة تبرعات مالية. هذا المقر لسوء الحظ تعرض أيضاً لهجوم مسلح عام 1987، وصودر شهرين أو ثلاثة، وبعد مراجعات عديدة لرجال سياسة ورجال دين أخلي، إنما بعد أن نهب الكثير من محتوياته، خصوصاً المكتبة التي كانت تضم كتباً قديمة ومخطوطات عاملية، وهذا ما أوجعني كثيراً.

بعد هذه الغزوة عدنا إلى المقر، وبدأنا من جديد نؤسس المكتبة ونجمع المخطوطات، وأضفنا إلى الشقة الأولى شراء شقة ثانية بحملة تبرعات أخرى، إلى ان اكتمل مركز المجلس الحالي.

عندما انطلقت جبهة المقاومة الوطنية في وجه الاحتلال الإسرائيلي كنا نأتي إلى مقر المجلس ونؤرخ لعمليات المقاومة الوطنية، ونحاول أن ننشر هذه اليوميات ونوزعها على بعض السفارات القائمة في منطقة بيروت الغربية. ثم جمعنا هذه اليوميات في كتاب ضخم ما زلنا نفتخر به.

÷ عملكم في المجلس لم يكن ليضاهيه مجلس آخر، من حيث الكثافة والنوعية. ما السياسة التي كنت تتبعها؟

83 كتاباً

} يتسم المجلس في مسيرته الثقافية بالنشاط المتواصل الذي لا ينقطع، والذي يأخذ معظم صنوف النشاط الثقافي، إن لم نقل يأخذ بها كلها، من محاضرة إلى ندوة إلى حوار، إلى مؤتمر فكري أو أدبي إلى إقامة معارض تشكيلية وحفلات غنائية وموسيقية وإصدار كتب. وفي هذا الصدد يفتخر المجلس بأنه تيسر له أن يصدر 83 كتاباً متنوع المواضيع، في رأسها الكتب المخصصة لقراءة المخطوطات العاملية وتحقيقها ثم إصدارها في كتب لائقة، منها سلسلة «من التراث العاملي» التي أصدرنا منها حتى الآن 19 كتاباً. وأكثر ما يعتز به المجلس في سياق النشاط الثقافي هو قدرته على إقامة معارض تشكيلية تجاوز عددها الثلاثين معرضاً في لبنان، وهناك معرضان أقامهما المجلس خارج لبنان، واحد في قاعات المتحف الوطني في دمشق، والآخر في النادي الثقافي العربي في دبي. في المعرض الأول شارك أكثر من 50 فناناً تشكيلياً من أنحاء لبنان. وقد تولى إدارة هذا المعرض رئيس اللجنة الفنية الفنان شربل فارس.

وبالإشارة إلى اهتمام المجلس في عقد علاقات زمالة وصداقة مع الهيئات الثقافية اللبنانية الناشطة فقد كانت لنا علاقة متينة بالحركة الثقافية ـ انطلياس والنادي الثقافي العربي بشكل خاص. إضافة إلى ذلك اهتم المجلس في عقد علاقات له مع هيئات ثقافية عربية واسعة، واستطاع ان يقيم أنشطة ثقافية مع عدد من هذه الهيئات في كل من دمشق، القاهرة، الجزائر، المغرب والإمارات العربية المتحدة. كذلك في دول أجنبية، منها اسبانيا (النادي الاسباني العربي الثقافي) وإيطاليا وألمانيا (برلين الغربية قبل انهيار جدار الفصل) ثم اوتاوا في كندا.

في الأنشطة التي كنا نقيمها في العواصم العربية كنا نصطحب معنا كتّاباً وأدباء ومفكرين وشعراء، منهم على سبيل المثال من كان يطلق عليهم لقب «شعراء الجنوب».

شعراء الجنوب

÷ ما رأيكم في رفض هؤلاء الشعراء هذه الصفة في مرحلة لاحقة؟

} أولاً، وقبل كل شيء ليس المجلس من أطلق هذه الصفة على هؤلاء الأصدقاء والشعراء، إنما الإعلام هو الذي أطلق هذه الصفة، ونحن فخورون جداً بأن يكون هؤلاء الشعراء من جنوب لبنان ولادة وإبداعاً. أما إذا حاول بعضهم استبعاد هذه الصفة عنه فهذا شأنه طبعاً، فنحن نحترم اختياره، خصوصاً بعد أن امتدت شهرته، ليس على مساحة العالم العربي فحسب، إنما تجاوزت حدود هذا العالم. ونحن نعتز اعتزازاً كبيراً بهذه الشهرة الواسعة.

÷ مجلسكم من المجالس والمراكز الثقافية التي يتمحور العمل فيها حول شخص واحد، وهذا قد يكون إيجابياً في وجه من وجوهه، لكنه يبعد المجلس عن صفة المؤسسة ويهدد استمراريته في وقت لاحق. ألا ترى مستقبل المجلس في خطر؟

} من المؤسف جداً أن بعض الهيئات الثقافية إن لم نقل كل الهيئات تعتمد في نشاطها الثقافي المتواصل على فرد أو قلة من الأفراد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عجز هذه الهيئات ومنها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي عن ان تتحول إلى مؤسسة. أشهد بأننا حاولنا بكل جهدنا ان نقطف هذه الثمرة، إنما عجزنا عن ذلك، وربما يكون من أهم مصادر هذا العجز هو افتقاد المجلس لقدرات الأجيال الشابة، فنحن في المجلس كنا وما زلنا نشجع على انتساب الشباب والصبايا إلى المجلس ليوفروا الطاقة اللازمة للتغيير من جهة، وتوفير عناصر تكوّن المؤسسة من جهة أخرى، وفي هذه المناسبة اسمح لي أن أناشد بكل إخلاص المؤهلين والمؤهلات من شباب الجنوب وصباياه إلى الانتساب إلى المجلس بداية، كي يتأهلوا لحمل مسؤولية هذا البيت الثقافي التاريخي. خصوصاً بعد أن بلغ المجلس هذا المستوى المتقدم من الشهرة والاهتمام بشأنه.

÷ هل تشعر بخطر ضياع هذا الإرث؟

} طبعاً يداهمنا إحساس بخطر دائم، لأن معظم أعضاء الهيئة الإدارية هم من المتقدمين بالسن فإلى متى يظل هؤلاء في نفس الحماسة والقدرة على مواصلة العمل لقيادة هذا البيت الثقافي الجنوبي.

تعليقات: