منسوب المياه في الحاصباني الأدنى منذ 30 عاماً (طارق أبو حمدان)
مزارعون يمتنعون عن تجديد مواسمهم خوفاً من عطشها
تنشغل مختلف الجهات المحلية والإدارية في منطقتي مرجعيون ـ حاصبيا، في البحث عن سبل سريعة وناجعة، للحد من التأثيرات السلبية الناتجة من الشح في مياه الينابيع والأنهر، التي تغذي قرى المنطقتين وتروي حقولها، في ظل انخفاض التساقطات هذا العام، والذي وصل إلى أدنى حد له منذ عشرات السنين، ما أثار خوف المواطن العادي من التقنين في مياه الشفة، والمزارعين من انعكاس الشح على مزروعاتهم الصيفية وأشجارهم المثمرة.
صرخة قوية أطلقها مزارعو سهل مرجعيون الذين يعتمدون في ري مزروعاتهم على نبع الدردارة، الذي انخفضت مياهه بنسبة كبيرة وغير مسبوقة مع بداية شهر أيار، حيث الخوف من نضوب هذا النبع في منتصف الصيف. ويشير رئيس الجمعية التعاونية لمياه نبع الدردارة المهندس جهاد الشيخ، والعديد من المزارعين، إلى كارثة حتمية على الحقول الزراعية التي باتت تميل الى اليباس.
خوف المزارعين من هلاك مواسمهم الصيفية في سهل مرجعيون، دفعهم إلى الاعتصام عند ضفة بركة الدردارة، احتجاجاً على تشغيل آبار ارتوازية في محيط النبع الذي يغذّي البركة بالمياه العذبة، ما يخفض نسبة تسرب المياه إليها، وهي المورد الرئيسي للمزارعين لري حقولهم المنتشرة في السهول المحاذية المهددة بالهلاك.
المزارعون ناشدوا الجهات المعنية كافة، التدخل لحماية مياه النبع، عبر وقف مضخات الآبار الأرتوازية التي تسحب المياه الجوفية من حوض النبع وبكميات كبيرة، تحاشياً لانقطاع المياه، التي تروي ما يزيد عن 600 دونم، يعتاش منها أكثر من 100عائلة، إضافة إلى عشرات العمال الزراعيين. وطالب المزارعون بمنع زراعة البطاطا في هذه الفترة لحاجتها إلى ري مضاعف.
وقد انخفض منسوب مياه بركة الدردارة، وفق الشيخ، من 22 إنشاً إلى حدود 3 إنشات، علماً أنّ الآبار الأرتوازية المحيطة، يضخ بعضها على مدار الساعة، وبقدرة تراوح بين 7 و10 إنشات، في حين تحاول الجمعية التعاونية لإدارة مياه نبع الدردارة، تفادي سلبيات هذه الأزمة على الوضع الزراعي للتخفيف من خسائر هذا القطاع.
المواسم في خطر
الكارثة الزراعية والسياحية بدت ملامحها أيضا في حوض الحاصباني، مع الانخفاض غير المسبوق في مياه نبع الحاصباني، الذي وصل إلى أدنى مستوى منذ أكثر من 30 عاماً، فمعدل مياه هذا النبع، وفق المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، يصل إلى نحو 4100 متر مكعب في الساعة، لتهبط في هذه الفترة إلى ما دون الـ200 متر مكعب. وهذه الكمية تعتبر الأدنى لهذا النبع، بسبب التقلبات المناخية، والشح في كمية الأمطار والثلوج المتساقطة في حوضه، وعند الجبال والتلال المحيطة، ولاسيما عند مرتفعات جبل الشيخ وجبل الوسطاني.
وانعكس هذا الشح سلباً على مختلف القطاعات الإنتاجية في حوض الحاصباني ولاسيما القطاع الزراعي، إذ سجل نقص في مياه ري البساتين المثمرة والمزروعات، علماً أنّ إجمالي الإستهلاك الحالي للري ومياه الشرب من النبع هو نحو 10 مليون متر مكعب في السنة، والمساحة الإجمالية للحيازات الزراعية 8500 هكتار، في حين ان المساحات المزروعة 3630 هكتارا، والمروي منها نحو 890 هكتارا.
و«قد تلقت المساحات المروية في حوض الحاصباني، والممتدة من محاذاة النبع جنوب غرب حاصبيا، وحتى سهول الماري والمجيدية المحاذية للشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، ضربة قاسية»، يقول المزارع رفيق الحرفوش، الذي يشير إلى أنّ «عشرات المزارعين من بلدتي كوكبا وأبو قمحة والذين لهم سهول مروية على بعد أكثر من كيلومترين جنوبي النبع، لم يغامروا في زراعة حقولهم هذا العام، خوفاً من شح المياه، في وقت بدأت المشكلة تتفاقم في سهول الماري، وادي خنسا، المجيدية، سردة، حيث مياه الحاصباني التي تروي الحقول عبر أقنية الري، انقطعت منذ نحو الشهر، وقد لجأ المزارعون للري عبر الآبار الأرتوازية، ما يرفع كلفة إنتاجهم بنسبة 10 إلى 15 في المئة.
وتروى مزروعات حوض الحاصباني، بشكل أساسي من مياه نبع الحاصباني ومجرى نهره، ومن 8 ينابيع صغيرة أخرى، إضافة إلى نحو 21 بئراً ارتوازياً موزعة في سهول المجيدية وحلتا ووادي خنسا والماري. وهناك مصدر مياه هام لري هذه المنطقة وهو نبع سريد، ويضخ 20 مليون متر مكعب سنوياً، ويسمى بالنبع المشاكس الذي لا تتفجر مياهه إلا مرة كل 5 أو 10 سنوات، وذلك وفق غزارة الأمطار. ويشير المزارعون إلى أنّ الينابيع هذه نضبت مياهها ليقتصر الري على مياه نبع الحاصباني التي شحّت، وبدأ النضوب يطال مياه الآبار الأرتوازية.
رئيس بلدية الماري يوسف فياض وصف الموسم الزراعي لهذا العام بالماحل، فمياه الري من الحاصباني انقطعت عن سهول الماري في النصف الثاني من أيار الماضي، أي مع بداية قطف موسم الخيار والمقثى، في حين بدت الأسعار مقبولة، لكن الجفاف غير المسبوق لهذا النهر، يهدد هذه المزروعات ومثيلاتها ولاسيما البصل والبندورة، فالمياه التي يعتمد عليها المزارع هنا في مثل هذه الأيام خذلته باكراً، فهي لم تعد تصل إلى الحقول، ما يعني يباس مساحات شاسعة من مزروعاتها الصيفية.
يضيف: «حاولنا العام الماضي، وضع خطة إنقاذية لهذه السهول ومزروعاتها، عبر شق قناة ري وسط مجرى الحاصباني، لتجميع بعض مسارب المياه وجرها بالجاذبية لري بعض الحقول. وهذه الخطوة من شأنها تأمين ري بعض الحقول لمدة نحو 15 يوماً، يتمكن خلالها المزارعون من جني نصف الموسم تقريبا». وقد بدأت البلدية، أيضاً، بضخ المياه مجاناً لعشرات المزارعين من بئر ارتوازية خاصة بها.
«الوضع في سهول المجيدية، حلتا ووادي خنسا إلى مزيد من التراجع»، يقول مزارع من آل الزهران، فباكورة انحباس المطر والجفاف هذا العام كانت نضوب أحد أقدم الآبار الأرتوازية عند الطرف الشمالي لمزرعة المجيدية، و«كنّا قد حفرناه منذ أعوام، وهذا ما جعلنا نخاف وندق ناقوس الخطر، على باقي الآبار العاملة حالياً والبالغ عددها 8 آبار، وبتنا نحسب ألف حساب لفقدان مصادر المياه الواحد بعد الآخر».
مشكلة كهرباء
يشير رئيس اتحاد بلديات جبل عامل علي الزين إلى أنّ «ضعف التيار الكهربائي، والذي يحول دون تشغيل محطات ضخ المياه التي تغذي القرى، كان مشكلة عملنا على حلها مع مؤسسة كهرباء لبنان عبر مد خط كهربائي بقوة 66 kv يغذي منطقة السلطانية، وبعد ذلك سيُعمل على تلزيم خط السلطانيةــ حاصبيا، ما يعني ضمناً تلزيم خط النقل الذي يغذي منطقة مرجعيون في مرحلة لاحقة».
ويلفت الزين إلى تأمين محولات كهربائية تسهم في رفع ضعف الكهرباء، مشيراً إلى أن «اتحاد البلديات والبلديات ستتحمل جانباً من الكلفة المالية المطلوبة للمعالجة، إضافة إلى عمل مجلس الجنوب على حفر ثلاث آبار جوفية في وادي السلوقي».
ويلفت مصدر مسؤول في «مؤسسة مياه لبنان الجنوبي»، إلى أن «المؤسسة وضعت خطة طوارئ لمواجهة النقص في المياه، ومنها حفر بئر ارتوازي في وادي الحاصباني، وبئر آخر في منطقة مرجعيون، كذلك لجأت المؤسسة إلى التقنين في توزيع مياه الشفة بحيث حددت 1800 متر مكعب في اليوم لبلدة حاصبيا، وهذه الكمية ستنقص حتماً خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وتعمل المؤسسة على إجراء صيانة دورية للمضخات العاملة في مختلف قرى مرجعيون وحاصبيا، مع مراقبة مشددة لاستهلاك المشتركين».
ويوضح أن «الآبار الأرتوازية في وادي عين جرفا، متوقفة عن العمل بالرغم من انجاز معظم المشروع، وذلك بسبب افتقاره لمولدات كهربائية لتشغيل المضخات».
وفي بلدة شبعا ذكر رئيس اتحاد بلديات العرقوب الحاج محمد صعب، أنّ ينابيع شبعا التي كانت تغذي بمياهها معظم قرى حاصبيا ومرجعيون منذ عشرات السنين، باتت غير كافية لتغذية بلدة شبعا بمفردها، في ظل استيعابها أكثر من 5 آلاف نازح سوري». ويشيرصعب إلى أنّه طلب من الجهات المانحة المحلية والدولية الإسراع في حفر بئر ارتوازي، لسد النقص في المياه، ولاسيما أننا مقبلون على أشهر عدة من الجفاف.
تعليقات: