من المعروف ان المواطن اللبناني محب للسفر والمغامرة والأستكشاف، ويعود ذلك الى عدة أسباب أهمها الهرب من الفقر والبطالة أو من الحروب وويلاتها، او من تسلط ألأستعمار وجور الأقطاع . وبهدف تأمين حياة أكثر رفاهية وحرية وأمان.
في الصغر كنا نستمع الى حكايات ألأهل والأقارب والأجداد من أن فلان قد سافر الى (ألأرخنتين) وهو امي أو شبه امي وكان عاطلا عن العمل وعاد الى الوطن بعد بضعة سنوات ليصبح من ألأغنياء والملاكين في قريته ، وصار من وجهاء البلد وتبوأ مراكز مهمة مثل المخترة أو رئاسة البلدية . هنا يستوقفني تعليق أحد أنسبائي وهو مغترب في البرازيل يقول: يترك اللبناني ضيعته ويهاجر (مثلا الى البرازيل) ويكون قبل سفره امياً لا يجيد القراءة او الكتابة ، وبعد فترة ينخرط بالتجارة ويتعلم ليس فقط اللغة البرازيلية تكلما" وقراءة وكتابة ، فهو يتعلم كذلك قراءة وكتابة اللغة العربية .
في السنوات الأخيرة لا يمر يوم الا ونسع أو نقرأ في الصحف تصريحات لبعض السياسيين أو الرسميين وبعض رجال الدين ، اضافة الى احاديث العامة عن ملايين اللبنانيين المنتشرين في جميع ارجاء المعمورة من أمريكا الى استراليا وافريقيا والدول العربية ،وكيف اصاب الكثير منهم نجاحات باهرة في الاقتصاد والسياسة والعلوم .مع العلم ان الكثيرين منهم من الأرياف ومن الطبقات الفقيرة ولا يتمتعون بأي خبرات أو مؤهلات علمية وفنية قبل سفرهم. ان هذا صحيح الى حد ما ، لكن ما يستوقفني هي التصريحات التي تتحدث عن وجود عشرات الملايين من اللبنانيين في بلاد الاغتراب ، فمنهم من يححد عددهم بثمانية ملايين وآخر باثنى عشرة مليونا" وثالث بست عشرة مليونا" .
مما لا شك فيه ان جميع هذه ألأرقام مبالغ فيها الى حد كبير ولا تستند الى أي احصاءات رسمية أو غير رسمية من قبل أجهزة الدولة
ليس بسبب العجز عن القيام بذلك ، انما لأسباب محض سياسية وطائفية وذلك حفاظاً على التوازن القائم بين مكونات الشعب اللبناني ، حيث يبالغ كل فريق سياسي وبالأخص طائفي في اعداد المغتربين بقصد الحفاظ على هذا التوازن الذي ل يزال معمولا" به حتى ألآن .
واذا ما عدنا الى منطق الأمور وبعض الأحصائيات الدولية والاستفادة من الأمثلة الموجودة فلا يمكن بأي شكل من ألأشكال أن يصل عدد المغتربين اللبنانيين الى هذه المستويات . فاذا عدنا الى أول احصاء رسمي لبناني والذي تم في العام 1932بعد الأعلان عن دولة لبنان الكبير عام 1920 نجد ان عدد اللبنا نيين في حينه كان أقل من 800000 نسمة . من المعروف انه كان هنك هجرة قبل هذا التاريخ لكنها كانت محدودة حيث كانت البواخر هي الوسيلة الوحيدة للسفر ولم يكن عصر الطيران التجاري قد بدأ . وتجدر الاشارة الى أن معظم المهاجرين هم من القرى والأرياف حيث تنعدم فرص العمل باستثناء بعض أعمال الزراعة والرعي، وان سكان المدن لا يسعون الى الهجرة الا في النادر من الحالات . كما لا يجب أن ننسى النزوح الداخلي من القرى والأرياف الى المدينة وضواحيها بحثاً عن فرص العمل . هل يعقل ان عدد سكان بيروت بأحسن الأحوال لا يتجاوز الآن المليون ونصف المليون مواطن بمن فيهم الأعدا الكبيرة الزاحفة من مختلف المناطق اللنانية وان يكون عدد اللبنانيين الذين هاجروا باغلبيتهم من القرى والأرياف قد وصل الى 8 او 12 أو 16 مليوناً
ولو أخذنا مثالا" فان عدد سكان فلسطين كان قبل النكبة في العام 48 حسب الاحصاءات الرسمية لا يتجاوز 1100000 نسمة وان عددهم اليوم بما فيهم من لا يزالون داخل الأرض المحتلة وفي الشتات وحسب الاحصائيات الدولية والفلسطينية يصل الى حوالي 11800000 نسمة مع العلم ان نسبة الأزدياد عند الشعب الفلسطيني هي من أعلى نسب النمو السكاني في العالم .
اذا احتسبنا ان عدد سكان لبنان قبل الاستقلال وحسب الاحصائيات الرسمية كان حوالي 785542 مواطن وان عددهم اليوم لا يتجاوز الخمسة ملايين مع العلم ان هذا الرقم يشمل اعدادا" كبيرة من المغتربين والمقيمين في الخارج لأن هذه الأرقام مأخوذة من سجلات دوائر النفوس وان هذه الأسماء لا تزال موجودة في السجلات الرسمية ، يبدو هذا واضحا" من خلال لوائح الشطب حيث يظهر الكثير من هذه الأسماء اضافة الى بعض اسماءالمتوفين منذ سنوات طويلة .
اذا عدنا الى احصائيات الأمم المتحدة يتبين ان عدد سكان العالم كان في العام 1940 يزيد قليلا" عن المليارين وانه اليوم حوالي سبعة مليارات نسمة. فنلاحظ ان الزيادة خلال الفترة أقل من أربعة أضعاف ، فهل يمكن لسكان لبنان في نفس الفترة أن يزدادوا لأكثر من 20 ضعفا؟....
أترك للقارئ الكريم الأسنتاج كم يمكن أن يكون عدد سكان لبنان المقيمون والمغتربون والذي لا يمكن حسب هذا المنطق وحسب تقديري أكثر من ثمانية ملايين .
* محسن خريس - بيروت
تعليقات: