أطفال نازحون بمحاذاة بجانب تجمع نفايات (طارق أبو حمدان)
يعوم مخيم النازحين السوريين في سهل مرجعيون، فوق عشرات برك المياه الآسنة، وتجمعات النفايات المتراكمة في كل اتجاه، والتي باتت تنعكس سلباً على أوضاعهم الحياتية والصحية والبيئية، في ظل تجاهل مختلف الجهات المعنية، من جمعيات ومنظمات محلية ودولية مانحة، أو بلديات، أو طبابة القضاء. وقد بات الخوف حقيقيا، على حياة النازحين بشكل خاص وعلى مواطني القرى المجاورة بشكل عام، فالروائح الكريهة المنبعثة من المياه المبتذلة والنفايات، تنكد العيش وتلوث الهواء، وتتسبب بأمرض صدرية، ناهيك عن الحشرات والزواحف، التي بدأت تتكاثر وبكثافة مع حلول الصيف.
جداول صغيرة سوداء قاتمة من مياه الصرف الصحي، تسير ببطء حول الخيم، لتستقر في حفر متعددة مكشوفة عند أطرافه، تتقاطع وفي عدة نقاط مع أسلاك كهربائية، ممدودة على الأرض وبشكل عشوائي. حمّامات ومراحيض، عبارة عن حفر صغيرة مغطاة بالنايلون، تتحول فجأة إلى افخاخ للمارة. نفايات متراكمة في أكثر من مكان، تبقى لفترة طويلة في العراء، تكون عندها مبعثا للأوبئة والروائح، قبل أن يتبرع أحد النازحين وبمبادرة فردية لحرقها بين الحين والآخر، ليغمر دخانها المخيم، ما يرفع خطر التهديد البيئي.
المنظمات الدولية والجهات المانحة، التي تعمل على إغاثة النازحين، تتجاهل المشكلة، التي في طريقها إلى التفاقم، من دون أن يبدو في سجلاتها أي خطط بيئية تخفف ولو القليل من الخطر، وتنقذ النازحين من الوضع المزري الذي يرزحون تحته، في ظل غياب الحد الأدنى من الشروط الصحية، ما يهدد الجميع بالأمراض والأوبئة، التي باتت ملامحها الصحية تظهر بجلية لدى النازحين وخاصة الأطفال، ومنها الصفيرة، والجرب، والقمل، ضيق النفس.
نازحو المخيم وفي أكثر من مناسبة، رفعوا الصوت عاليا في وجه المعنيين، من جهات ومنظمات محلية ودولية مانحة، كما يقول النازح من إدلب حسن أبو العيش، إلا ان النتائج المرجوة ما زالت بعيدة المنال، فالمخيم يفتقر إلى الكثير من شروط الصحة والسلامة، خاصة لجهة البنى التحتية، فمجاري المياه المبتذلة تزنر الخيم والنفايات في محيطه. غياب شبه تام في التوعية والعناية الصحية، ما يزيد من الأمراض وانتقال العدوى داخله، ومنه إلى جيرانه، خاصة عبر العمال وطلاب المدارس حيث هناك تجمعات طلابية مشتركة بين نازحين ولبنانيين، وبما أن الأزمة قد تطول، فلا بد من اتخاذ إجراءات بيئية إنقاذية، من قبل المنظمات والجمعيات والوزارات المعنية والبلديات واتحاد البلديات، لتأمين بنى تحتية للصرف الصحي ومياه الشفة وشبكات الكهرباء، تحد أو تخفف من التلوث البيئي وخطره.
النازح عبد الفهد من حلب، يعتصره الحزن والأسى على عائلته المؤلفة من سبعة أشخاص، بينهم أربعة أطفال أصيبوا مؤخرا بمرض الربو «قصدنا أحد المستوصفات الطبية، كانت المعالجة غير مجدية وكانها لرفع العتب. اتجهنا نحو طبيب اختصاصي طلب 60 ألف ليرة على كل معاينة، وفاتورة الدواء وصلت إلى 175 ألف ليرة، عجزت عن دفعها واكتفيت بدواء واحد بـ12 ألف ليرة». يضيف «ظروف الحياة قاسية في هوضع بيئي خطر كهذا، بتنا نخاف من الصيف، حيث الحشرات ستزحف نحو خيمنا، كذلك البعوض سيسيطر داخل الخيم وبدت طلائعه منذ فترة».
يشير فارس الحجي من إدلب بيده إلى أحد «المراحيض»، يقول إنه على بعد متر من الخيمة، هو مكشوف ومغطى بقطعة من النايلون، الذباب والحشرات وحتى الأفاعي تقصده وتعشعش فيه، بينما الروائح الكريهة تنتشر في أجواء المخيم بقوة، «ما العمل؟ لا نعرف لتحاشي هكذا وضع، ليس بيدنا حيلة، ولا من مجيب، لقد كتب علينا هذا الفصل القاسي من العذاب، جوع و أمراض سارية».
الحاج عدنان العبودي، يشير إلى أن «المواد الغذائية ليست الحل لمشاكلنا على الرغم من حاجتها، قلقنا من هذه الجور الصحية المكشوفة ومجاري المياه المبتذلة والمراحيض المطمورة بعدما امتلأت بالأوساخ». ويلفت إلى أن «إحدى المنظمات الدولية قدمت عدداً من المراحيض المتنقلة لبعض الخيم، على أن يكون هناك مرحاض لكل ثلاث خيم، لكن لم يتم تشغيلها حتى اليوم». المنظمة «قامت منذ مدة بتركيب عدد من خزانات المياه لتغذية المخيم بالمياه، وهذا حلّ جزءا بسيطا من مشكلة المياه، إلا أنها أيضا لا تكفي في فصل الصيف حيث يكثر الاستهلاك في المياه».
وطالب جميل أبو العيون من الجهات المانحة بـ«تأمين شبكات صرف صحي في المخيم، وتأمين نقل النفايات منها بشكل يومي، حفاظاً على صحة أولادنا من الأمراض والأوبئة التي تكثر في فصل الصيف، كذلك تعبيد الممرات الداخلية بين الخيم ولو بمادة الباسكورس، لعله يخفف بعضا من الأوساخ والغبار». وقال «لقد تعاقدت إحدى الجهات المانحة مع شركة لنقل النفايات، لكن المفاجاة أن هذه الشركة توجهت إلى المخيم وجمعت بعض النفايات ليوم واحد فقط، هذا حصل منذ ستة أشهر، سألنا هذه الجهة عن سبب تغيب سيارة النفايات، واقتصار عملها على يوم واحد، فكان الجواب مبهما».
المخيم بات عرضة للخطر البيئي، حيث الحاجة ماسة، لوضع خطط إنقاذية علمية تحميه من تلوث الصرف الصحي، والنفايات والأوساخ والحشرات»، كما تقول النازحة نجلا حميد التي تعرضت طفلتها للسعة عقرب، في حين أصيب طفلها البالغ من العمر 6 سنوات بالربو، ومثل هذه الحالات الى تفاقم».
إحدى الجهات المانحة، أشارت إلى أن «أزمة النفايات والصرف الصحي مشكلة كبيرة في مخيمات النازحين بشكل عام، قمنا بتركيب بعض الحمامات، لكن المياه المبتذلة من الصعب السيطرة عليها، خاصة في المخيمات البعيدة عن القرى، حيث لا توجد مجار صحية، الحل الجذري يلزمه ميزانيات كبيرة غير متوفرة، إضافة إلى ضرورة التعاون مع البلديات، والتي أبلغتنا عجزها عن المساعدة، بسبب عدم توفر الميزانيات في صناديقها».
تعليقات: