الكاتب محسن محمد علي خريس
تكثر الروايات والفصص عما يتعرض له المغتربون في بلاد المهجر من نوادر ومواقف، فمنها ما هو للتندر والفكاهة ، ومنها ما هو صحيح وحقيقي.
وبصفتي واحد من الذين سافروا الى البرازيل ولو مؤخراً، ابان الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان في العام 75 من القرن الماضي، فقد سمعت الكثير من النوادر والنهفات التي تتواتر على السنة اللبنانيين في المهجر عن الشعب البرازيلي، كما سمعت الكثير من الروايات والفكاهات التي يرويها البرازيليون عن المغتربين اللبنانيين والعرب وبالمناسبة فان معظم شعوب اميركا
اللاتينية يطلقون على المهاجرين العرب لقب (تركو) وخاصة على اللبنانيين ، لأنه في أيام الأستعمار التركي لمعظم الوطن العربي كان اللبنانيون يستعملون جواز السفر التركي اثناء السفر خاصة الى البرازيل وبعض دول أميركا اللاتينية.
من هذه القصص والنوادر اخترت ما يتعلق بالمهاجرين اللبنانيين وخاصة ما له صلة بأبناء بلدتنا ألأعزاء الخيام وقد قمت بتحوير بعض الأسماء خاصة عندما تكون القصة المروية حقيقية واقعية.
أبدأ برواية يتناقلها أبناء الخيام عن موقف طريف لأحد الظرفاء من ابناء البلدة واخترت له عنوان محمود وجواو.
سافر محمود الى البرازيل في عشرينيات القرن الماضي على متن احدى البواخر وبعد عناء مرير وصل الى ساو باولو احدى أكبر المدن البرازيلية، وكان في استقباله أحد انسبائه الذي أرسل له الدعوة وتكفل بدفع ثمن (النيلون) وبعد اسبوع على وصوله قام نسيبه بتعليمة أن يعد من واحد الى عشرة باللغة البرازيلية واشترى له (كشة) فيها بعض الملبوسات النسائة وقال له "اتكل على الله في بلاد الله الواسعة".
انطلق مجمود بشنطته الثقيلة على غير هدى وأخذ يتنقل من بلدة الى بلدة ومن منزل الى منزل عارضاً بضاعته مستعينا بالحركات وبعض الأشارات وبفترته على الترويج لبضاعته والتمكن من بيعها.
مرت السنون واستقر محمود في احدى المدن وافتتح له متجرا متواضعاً في احد الشوارع بعد أن اتقن اللغة وبعض اصول التجارة. ومثل كل البلدان منذ زمن كان يوجد في كل شارع او في كل حي أحد القبضايات الذي يقوم بأخذ الخوة من التجار بحجة حمايتهم والمحافظة عليهم ومنع أي كان من التعرض لهم. وكان يوجد في المحلة حيث يوجد محل محمود أحد هؤلاء القبضايات وكان لقبه جواو، كان جواو يعرج اسبوعياً على دكان محمود ليأخذ نصيبه حسب الأتفاق مع محمود ويرحل. وعلى غير عادته وقبل الموعد، دخل جواو الى محل محمود وطلب شراء سروال جنز، ومحمود يعلم علم اليقين ان جواو لا ينوي دفع ثمن السروال، فانتقى له سروالاً من أرخص الأصناف ومن البضاعة (الستوك) التي لا يحل عليها بيعاً ولا شراء وتقدم من جواو بعد أن لف السروال قائلاً: "ان هذا من أجود ما عنده وهو يقدمه كهدية مجانية".
أخذ جواو السروال شاكرا وانصرف ، وبعد ان تم غسل السروال لأول مرة حاول جواو لبسه فلم يقدر لأن السروال زم على الغسيل وأصبح بقياس ولد ضغير. غضب جواو غضباً شديداً وحمل السروال متوجهاً الى الدكان. وقبل ان يصل رآه محمود فأسرع الى انزال الباب قليلا والباب من النوع الجرار، فاضطر جواو الى خفض رأسه حتى يتمكن من الدخول، فقال له محمود ضاحكاً: "ما شاء الله لقد ازداد طولك من الأمس الى اليوم كثيرا"، فبالأمس دخلت المحل بدون أن تحني رأسك واليوم اضطريت للأنحناء كي لا يصطدم رأسك بالباب ، فتحول غضب جواو الى ضحك وتقدم من محمود وعانقه واصبحا من حينه صديقين حميمين ....
* محسن محمد علي خريس
17/06/2014
تعليقات: