إبن الأسير يحكي عن أبيه البطل: يواجه الضعف «بإرادةٍ تطال السماء»

صورة من تخرّج باسل عبد الرازق فرّاج
صورة من تخرّج باسل عبد الرازق فرّاج


أطفالنا»، كتب بوبي ساندز، المناضل الإيرلندي الذي استشهد بعد إضراب بطولي عن الطعام في معركة خاضها ورفاقه ضد حكومة مارغريت تاتشر البريطانية، لكي يتم الاعتراف بهم كأسرى حرب وليس «كإرهابيين»، أو «خارجين عن القانون»: أسرى قضية عادلة. والدي، عبد الرازق فرّاج (أدناه مقالة سابقة عن ظروف اعتقاله) وغيره من المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال الإسرائيلي يخوضون معركة مماثلة. معركة اعتادوها لسنين، وهي تشكل جزءاً أساسياً من نضالات الشعب الفلسطيني ضد حكومة احتلال تشابه في انتهاكاتها المستمرة الانتهاكات التي قامت بها حكومة تاتشر، ومن سبقها وتلاها، ضد الشعب الايرلندي إبان الاحتلال البريطاني لإيرلندا وإيرلندا الشمالية.

معركة المعتقلين الإداريين المضــــربين عن الطعام للشهر الثاني هي معركة لاسترجــــاع ابتسامات أطفالنا المسلوبة. هي معركة لاستعادة لحظات وذكريات حرم منها الأسير الفلسطيني وعائلته وهم ينتظرون قرار إفراج قد يأتي أو لا يأتي. هي معركة ينتصر فيها الأسير المضرب عن الطعام لقضيته ولشعبه، فاضحاً كراهية ولا انسانية المحتل الإسرائيلي.

لقد عانى والدي من الاعتــــقال الاداري لسنوات طويلة، فقد أمضى ما يقارب ثماني سنوات من مجموع سنوات اعتقاله الأربع عشرة تحت رحمة هذه السياسة التعسفية. خلال هـــــذه السنوات الطويلة، حُرم أبي وحُرمنا نحـــــن من لحظات كان من الممكن أن تجمعنا. هي سنوات طويلة وجّه خلالها أبي أنظاره إلى حائط السجن، وما قد يكمن وراءه، ووجّهنا نحن أنظارنا إلى عدد قلـــيل من الصور، آملين أن تعيد إلى الذاكرة لحظات كانت قد جمعتنا يوماً...

اليوم، ما زالت أنظارنا تتجه إلى تلك الصور التي، ربما، قد ازدادت صورة أو اثنتين في العام الماضي. ونحن على يقين تام من أن أنظار والدي وأفكاره، وهو متواجد حالياً في مستشفى «مئير» في كفار سابا، ما زالت تتجه نحونا ونحو صورة وطن حر رسمه وأتقن رسمه في مخيلته.

«بالنسبة إلي أخباري جيدة، اليوم هو الرابع عشر للإضراب، أواجه ضعف الجسم بالإرادة التي تطال عنان السماء، لا تقلقوا علي، المهم صحتكم وأخباركم». هذا ما كتبه والدي في رسالة بعثها لنا خلال إضرابه السابق عن الطعام في صيف ٢٠١٢.

أجد نفسي عاجزاً عن وصف هذا الانسان الذي حقاً إرادته تطال عنان السماء.

عُرف أبي بصمته الدائم، وما يخفيه هذا الصمت من إرادة وتضحية متواصلة. عُرف بصلابته أمام سجّان يحاول بائساً إضعاف إرادته المتجذرة في جسده وعقله. عبد الرازق فرّاج هو الانسان المحب، المعطاء والحالم. هو الذي أتقن عشق الوطن. وهو الذي يناضل بأمعائه الخاوية، مع رفاقه الأسرى الإداريين، لكي لا نتوقف عن الحلم، ولأن يبقى الوطن حياً في مخيلتنا جميعاً.

صمت والدي لا مثيل له.

أتذكر بكل دقة الزيارة التي قمنا بها إلى اللد، يافا، حيفا، عكا، رأس الناقورة، الجولان العربي، طبريا، والقدس، في العام الماضي. كان ذلك بعد عودتي من الولايات المتحدة لقضاء عطلة الصيف مع أسرتي، وهو ما اعتدت عليه كل عام بعد انتهاء السنة الدراسية. المختلف في ذلك العام كان وجود والدي في المنزل. لم يكن في الأسر. الذهاب إلى تلك المدن المحتلة ليس بالأمر السهل، خاصة بالنسبة إلى والدي الذي يُمنع من التنقل خارج الضفة الغربية. حزمنا أمتعتنا، أدرنا السيارة، قدنا، ووصلنا إلى البحر... نظرة والدي الصامتة المتأملة لبحر حُرم من زيارته لسنوات لم تغادر مخيلتي أبداً.

هو الصمت ذاته الذي يطفو عندما ينظر أبي إليّ وإلى أخي وديع. هو صمته، وهو يعتني بالورود التي زرعها بعناية في حديقتنا. صمته الذي يفيض بالحب والحياة، هو الصمت ذاته الذي يدفع المحتل إلى اعتقاله مراراً وتكراراً.

في صمته، يخلق والدي الحياة داخل وخارج أسوار السجن. يخلقها أمام محقق يحاول بائساً أن يكسر إرادته، ومن على سرير المشفى، بعد ثلاثين يوماً من الإضراب عن الطعام. يخلقها في حجرٍ أهداه لوالدتي من أسره، وكتب عليه: «أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد».

صمت والدي ما زال يــــــدوي في منزلنا. أراه متأملاً، مبتسماً في كل غرفة وفي كل صوره التي تملأ المنزل. أراه يعتني بالأشجار الـــــتي اشـــــتاقت ليده وعنايته. أراه ينظر إلى شجرة الفلّ التي زرعها. أراه يعدّ قهوة الصباح لنا جميعاً. أراه ينظر إلينا ويبتسم.

عُرف والدي بصمته، لكن أمعاءه، كحال عقله وقلبه، ليست صامتة...

تحية صمود وحبّ وحلم لوالدي، وللأسرى المضربين عن الطعام، ولأمعائهم الخاوية.

كلام الصورة:

تخرّج باسل عبد الرازق بشهادة في "دراسات السلام والدراسات العالمية" من جامعة "إيرلهام" الأميركية. واختير لتفوّقه كي يلقي كلمة دفعة الخريجين، فأورد فيها إشارةً إلى نضال والده الذي غاب عن التخرّج كون أسير الاعتقال الإداري، مضرباً عن الطعام. قال باسل بالإنكليزية ما ترجمته بالعربية: "بالطبع لم يكن باستطاعتنا أن نكون هنا لولا هؤلاء الذين لم يكن باستطاعتهم الحضور أو مشاهدتنا عبر التلفاز، مثل والدي عبد الرازق فراج، الذي يدخل يومه الحادي عشر (حينها) في اضراب مفتوح عن الطعام من أجل الحرية، هو وغيره من الأسرى الفلسطينيين المعتقلين من غير محاكمة.. لأجلك يا والدي".

------------ ------------- -------------

المعتقل عبد الرازق فراج: 8 سنوات في الاعتقال الإداري

تاريخ المقال: 29-05-2014

ليست هذه المرة الأولى التي يدخل فيها المناضل الفلسطيني عبد الرازق حسن ياسين فراج إلى المعتقل الإسرائيلي، وذلك برغم عمله الإداري كمدير مالي لـ"اتحاد لجان العمل والزراعة"، فهو تعرض للاعتقال ست مرّات، واليوم هو أسير العزل في سجن الرملة في فلسطين المحتلة.

وإذا أحصينا عدد سنوات اعتقاله في الاجمال فهي تبلغ نحو سبع سنوات ونصف سنة، تقريباً بما يساوي 92 شهراً، بينما كان اعتقاله الأخير في 25 شباط من العام الحالي ولا يزال.

والمناضل فرّاج، فلسطيني لا يتجاوز عمره الـ 51 عاماً، وقد عانى أهله التشريد خلال النكبة عام 1948، حيث هجروا من اللد الى رام الله في الضفة الغربية، حيث يقيم مع زوجته وابنيه في مخيم الجلزون.

درس فراج الاقتصاد في جامعة بيرزيت وحصل على شهادة "بكالوريوس"، ثم تابع تحصيله العلمي لينال الدبلوم العالي في إدارة المؤسسات غير الربحية من نفس الجامعة.

أما عن وضعه في الأسر، فهو مضرب عن الطعام منذ تاريخ 30/4/2014 رفضاً لسياسة الاعتقال الإداري، ويمنع على أي أحد من عائلته زيارته في معتقله.

وكان عبد الرازق فراج، قد تعرض للاعتقال خمس مرات قبل اعتقاله الأخير، فقد اعتقلته قوات الاحتلال في العام 1985، وحينها قدمت النيابة العسكرية لائحة اتهام بحقه وحكم عليه بموجبها بالسجن لمدة ست سنوات أفرج عنه في العام 1991.

ثم توالت الاعتقالات الإدارية الصادرة عن القائد العسكري، ودائماً استناداً إلى ملف سري لا يسمح للمعتقل ومحاميه الاطلاع عليه، فكان الاعتقال الثاني (1994-1996)، والاعتقال الثالث (2002- 2006)، والرابع (كانون الثاني 2009- تشرين الأول 2009)، الاعتقال الخامس (2011- 2012)، والاعتقال السادس (25 شباط -2014 ولا يزال).

وزعمت النيابة العسكرية للاحتلال الاسرائيلي في جلسة تثبيت الإعتقال الإداري في محكمة عوفر العسكرية في 4 آذار 2014، أمام القاضي العسكري رون دلومي، أن الشبهات ضد فراج تتمثل بأنه نشيط في صفوف "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وهو تنظيم محظور بموجب الأوامر العسكرية. وأنه "متورط" في إرشاد وتوجيه آخرين في التنظيم، وحسب ادعائهم أن نشاطه الحالي بدأ فور الإفراج عنه في تموز من العام 2012 ، وأخذ بالتسارع في الآونة الأخيرة مما استدعى اعتقاله لكبح نشاطه، من دون أن يفصحوا عن نوع النشاط المزعوم، أو ماهية الاتصالات والتوجيهات التي قدمها الأسير فراج، وكيف تحققوا من الطبيعة التنظيمية لتلك الاتصالات. واكتفوا بالإجابة عن أسئلة المحامي المتعلقة بحيثيات الشبهات بالقول: "إن التفاصيل موجودة في الملف السري".

وتوضح "مؤسسة الضمير وحقوق الإنسان" على موقعها الالكتروني أن القاضي دلومي أمر الاعتقال الإداري الصادر بحق فراج في تاريخ 4 آذار 2013، وادّعى "أنه بعد فحص الملف السري تأكد من مصداقية المواد التي تضمنها وأنها تكفي لتشكل أساساً للاعتقال الإداري"، وأضاف "إنه استنتج أيضاً بأن السيد عبد الرازق فراج من كبار أعضاء الجبهة الشعبية، وأن تأثيره على المجتمع واتصالاته في نطاق التنظيم المذكور تدل على خطورته".

سلسلة الاعتقالات الادارية هذه للمناضل فراج تأتي بينما فشلت النيابة العسكرية منذ 20 عاماً في تقديم لائحة اتهام بحقه، فلجأت منذ ذلك الحين الى الأوامر العسكرية التي تسمح باعتقاله إدارياً من دون تهمة ومن دون محاكمة طوال 92 شهراً، واستناداً إلى ملف سري وأمام محكمة صورية تفتقد للاستقلالية والنزاهة والصفة القانونية.

وهذا يؤكد أن القضاء العسكري يعمل على إضفاء صبغة قانونية لقرارات جهاز استخبارات قوات الاحتلال، بدليل اكتفاء القاضي بملف سري قدمته له الاستخبارات جُمِع بطرق غير معروفة واحتمالات زيفها واردة جداً، ولم يفصح كيف تأكد من مصداقية هذه المعلومات، وعلام استند في قراره، حسبما أفادت "مؤسسة الضمير" على موقعها الإلكتروني.

المعتقل عبد الرازق فراج
المعتقل عبد الرازق فراج


تعليقات: