قطع أشجار في المنطقة تحضيراً لموسم الشتاء
خريف 2007 حافل بالتعديات البيئية. هذا ما تنذر به حركة قطع الحطب ونقله والاتجار به، حيث ينشط أصحاب المناشير الآلية الذين يعبثون بالثروة الحرجية، متجاوزين كل القواعد والأنظمة البيئية، سواء بالقانون أو خارجه. ويجد المواطن في القرى الجبلية نفسه متعباً، بعد أن أثقلته فاتورة التحضير لفصل الشتاء من المحروقات والحطب والمونة البيتية، تضاف إليهم هموم العام الدراسي، من أقساط مدرسية ومستلزمات ملحة. وفي مثل هذا الوقت، تشهد الأرياف اللبنانية، وخصوصاً الجنوبية منها، حال استنفار عام ينفذه الأهالي، في محاولة لتسديد فاتورة جديدة تفرض نفسها على قائمة المشتريات، وتشكل عبئاً ثقيلاً يصعب تسديده، وتتمثل بتأمين مصادر الطاقة للتدفئة، التي هي ضرورة أساس في فصل الشتاء.
التحضير لفصل الشتاء هو حديث الساعة، وبمثابة تحدٍ كبير يواجه المواطن بعد ارتفاع أسعار المحروقات للتدفئة. والاستعدادات في القرى الجبلية تتجدد كل عام خوفاً من موجات البرد والصقيع وانقطاع الطرقات. هموم فوق هموم تفرض نفسها، وسط ظروف اقتصادية صعبة أثقلت كاهل المواطن وشلّت قدراته. يضاف إلى هذا، صدور قرار عن مصلحة زراعة النبطية جرى تعميمه على القرى والبلدات، ويقضي بضرورة منع قطع الحطب من المشاعات والأحراج الأميرية وغيرها تحت طائلة المسؤولية. أما الأملاك الخاصة المستغلة زراعياً، فيمكن قطع الحطب منها بعد الحصول على موافقة مسبقة من الجهات المعنية .
المحروقـــات
تعتمد التدفئة المنزلية في القرى الجبلية على مادتي المازوت والحطب اللتين تستخدمان في مدافئ مخصصة لهذه الغاية، وقد كانت مادة المازوت أخيراً الوسيلة الأساس المعتمدة في غالبية المنازل، لسهولة استخدامها، بعيداً عن المشقات والمتاعب، وباتت المدافئ العاملة بواسطتها أكثر انتشاراً، بحيث أخذت هذه الصناعة طريقها نحو النمو والتقدم بإدخال التقنيات والزخرفات، إلى درجة وصل معها سعر المدفأة إلى نحو ثلاثة آلاف دولار أميركي، ما يدل على اعتماد مادة المازوت وسيلة أساسية في التدفئة. ويقول أبو بلال من بلدة كفرشوبا: «إن استهلاك مادة المازوت يختلف باختلاف ارتفاع البلدة عن سطح البحر»، موضحاً «أن القرى الجبلية الأكثر ارتفاعاً، التي تزيد على الألف متر، يصل استهلاك المنزل فيها إلى ما بين ثمانية وعشرة براميل، أي ما يساوي ألف دولار أميركي في معدل وسطي، نسبة إلى التسعيرة الحالية، وهذا المبلغ غير متوافر لدى غالبية العائلات التي تجد نفسها مضطرة إلى التحول نحو استخدام مادة الحطب بديلاً آخر، وهذا الأمر ينعكس سلباًَ على الثروة الحرجية التي يتوزع فيها القطع العشوائي الجائر، مهدداً بحدوث خلل في النظام البيئي المحلي».
الأحراج الأميريـــة
تعدّ الأحراج الأميرية المنتشرة في المنطقة، مضافاً إليها مساحات واسعة من مشاعات القرى، ركناً مهماً من أركان النظام البيئي الذي تسعى بعض البلديات والمهتمين بهذا الشأن إلى إحيائه، ومنع التعديات عليه، بالتعاون مع الجهات الرسمية المختصة، التي أصدرت في الأيام القليلة الماضية قراراً يقضي بمنع قطع الأشجار الحرجية، تحت طائلة المسؤولية. وفي هذا الإطار، لفت مختار بلدة الكفير، فواز صقر، إلى وجوب التقيد بالقرار، حفاظاً على الأحراج، لأنها ثروة وطنية، والمس بها هو مساس بكرامة القرى والبلدات، وقال: «قطع الحطب من الأملاك الخاصة بحاجة إلى علم وخبر من مختار البلدة، وموافقة القائمقام عليه، ثم تحويله إلى مصلحة الأحراج لأخذ العلم بذلك». كما أنه هناك تعديات على المساحات الحرجية المهددة بالانحسار، بسبب ارتفاع عدد الزائرين من أصحاب المناشير الآلية، الذين اعتمدوا تجارة الحطب وسيلة مربحة، فأمعنوا قطعاً وتخريباً. وبين ارتفاع أسعار المحروقات وقرار منع قطع الحطب وقفة تأمل يقفها المواطن في القرى الجبلية، متسائلاً ومفتشاً عن مصدر للطاقة يبعث الدفء.
------------------------------------
ومن البقاع، حول نفس الموضوع، كتبت الأنوار:
بسبب غلاء كلفة الانتاج وكساد المواسم وارتفاع أسعار المحروقات المزارع في البقاع يقطع أشجاره ويبيعها حطباً
بات المزارع البقاعي يعمل في أرضه حطاباً... ويأكل منشاره ما زرعت يداه من أشجار كان يرويها بعرق جبينه، أشجار شمخت بثمارها لسنين طوال بفضل تعبه وسهره، أما اليوم فقد انحنت بفعل من وهبها سنين عمره.
وقد تحوّلت هذه الأشجار المثمرة عبئا ثقيلا على أصحابها لما تحتاج اليه من تكلفة باهظة في البداية، حتى تصبح شجرة منتجة ومعطاء، فالأشجار تحتاج الى سنوات عديدة حتى تبدأ بالعطاء، وخلال تلك السنوات يقوم المزارع بالاعتناء بها ورشّها وتقليمها وريّها وحراثة الأرض، ومداراتها من الحرّ والبرد معاً.
ويستبشر الفلاح خيراً عندما يحين موسم القطف والعطاء على أمل ان يستوفي بعضا من تعبه وجهده، وكأنه كان يقوم بتربية أطفاله... لا بل أعز، وكأنه ينسى المعاناة التي تتربّص له دائما بدءا من العوامل الطبيعية وكلفة الحفاظ على البستان زاهيا وأخضر، فالأسمدة والأدوية تكلّف غاليا، وتقليم الشجر وتوريقه اضافة الى إجرة الحراثة والري، وكلفة القطاف والتوضيب والنقل الى مراكز البيع، والوسيط بينه وبين المستهلك الذي له حصة الأسد من السعر، بالاضافة الى عدم القدرة على تصريفها أو تصديرها بسعر الكلفة على مدار العام، ناهيك عن قسوة الطبيعة وما تخلّفه من أضرار في بعض المواسم.
وحش الكساد
وفي ظلّ غياب الرعاية والتخطيط من قبل الدولة والمعنيين وعدم المساهمة في أي تعويض أو مساعدة أمام وحش الكساد وتدني الاسعار أو أذية الطبيعة في حال حصولها.
كل هذا وبعد معاناة متكررة لسنوات وسنوات، يقف الفلاح البقاعي يائسا من جدوى هذه الزراعات فيلجأ وبعد صبر طويل وبكل ألم وحسرة الى قطع ما جنت يداه من أشجار مثمرة واقتلاعها من الجذور، بعد أن تعب وسهر من أجلها، وشهدها في ريعان شبابها كأولاده وأكثر، ليبيعها حطبا ويعيد الأرض قفراء أملاً في زراعة بديلة ترد عليه قوت أطفاله وتعب سنوات العمر لعله خير فهل من سامع لهذه الشكوى من معاناة?
(الأنوار) قامت بجولة ميدانية على هذه البساتين التي يتم قطع الأشجار فيها والتقت المزارع (الحطّاب) أبو علي في سهل بلدة قب الياس البقاعية الذي قال: بسبب الخسائر المتراكمة التي زادت الديون والأعباء على المزارع البقاعي، لعدم حماية الدولة للانتاج الزراعي اللبناني، كما ترون، فان الرزق يبقى من عام الى عام مرمي على الأرض، ونتيجة هذا الاهمال المتمادي والمقصود منه تهجير المزارع والفلاح، وغلاء أسعار المحروقات وخاصة مادة المازوت، وبعد معاناة طويلة وشقاء أكل معظم سنين شبابي، وجدت ان القرار الصائب هو قطع الأشجار وخالفت رغماً عنّي المثل القائل (إزرع ولا تقطع) إنما الفقر والديون أجبراني على أن أقدم على قطع ما جنته يداي بحثاً عن تأمين القليل من الدفء لعائلتي.
وردا على سؤال، أجاب أبو علي قائلا: لست أنا المزارع الوحيد الذي أقدم على قطع أشجار بستانه، إنما باتوا كثراً، حتى بلغت المساحة المقطوعة الأشجار أكثر من 300 ألف متر مربع.
أضاف: نتيجة ارتفاع أسعار مادة المازوت والتي بلغت 22 ألف ليرة و(الحبل على الجرار) زاد الطلب على الحطب كبديل لهذه المادة، بل أوفر بكثير من كلفة المازوت حيث ان نقلة الحطب الواحدة وهي عبارة عن 4500 كيلو حطب مقطّع وجاهز كلفتها الي المنزل بسعر 350 ألف ليرة.
ويضيف أبو علي متألماً رغم كل ذلك فالأرض لن نتركها فهي جزء منّا، وهي العرض.
وبات المزارع (الحطّاب) أبو علي يبحث عن زراعة بديلة يضمن أنها لن تكون خاسرة.
سؤال برسم المعنيين: هل الخطابات النارية، والقرارات الحامية، والمواقف الساخنة، والأسعار الملتهبة تؤمّن جزءا من الدفء لمن اعتراه الفقر والعوز.
---------------------------
أما المستقبل فقد كتب مراسلها في النبطية ـ بسام فقيه:
سوق الحطب تنتعش في النبطية وإقليم التفاح وسنديان الأحراج وملولها أوّلا الضحايا.
مع نهاية شهر ايلول (سبتمبر) من كل عام يبدأ التحضير في قرى النبطية واقليم التفاح لفصل الشتاء وما يحمله من مشكلات حيث تأتي التدفئة في طليعتها، فهي حاجة ماسة لا يمكن الاستغناء عنها لبرودة الطقس والعواصف التي تؤدي احيانا إلى قطع العديد من الطرق.
ويعد موضوع التدفئة عقبة أساسية تواجه الأهالي، ولا بد من توفير مصادرها من خلال المواقد التي تعمل بمادة المازوت أوتلك التي تعمل على الحطب الذي يجمع من الاحراج في فصل الصيف ويخزن استعدادا لفصل الشتاء.
ومع ارتفاع سعر المحروقات تحولت مئات العائلات إلى اتخاذ الحطب للتدفئة بدلا من المازوت، لسهولة الحصول عليه وفارق السعر في حال تم شراؤه.
ومع تزايد الطلب على الحطب زاد الخطر على الثروة الحرجية، خاصة انواع الاشجار الاكثر استخداما للتدفئة ولا سيما السنديان والملول.
وحيث باتت سوق الحطب تجارة رابحة يقول محمد دهيني من بلدة جباع، نبحث عن مصادره في الجبال وحتى السواحل، وما فيها من بساتين وأشجار يرغب اصحابها في اقتلاعها لتجديد زراعاتهم وبعد توضيبها نبيع نقلة البيك اب بنحو250 دولاراً خاصة وأن الاتجاه واضح نحو اعتماد الحطب في التدفئة.
الأهالي من المزارعين يتخذون قطع الحطب وجمعه مهنة أو رياضة يومية في أشهر الصيف لمواجهة برد الشتاء دون تكلفة. ويرى احمد فرحات القطع أمراً طبيعياً لأنه يقتصر على الأملاك الخاصة بعيداً عن الأحراج، ويقول: القانون لا يجيز ان نموت بردا اذا لم نستطع شراء المازوت الذي يحتاج المنزل منه في فصل الشتاء الى نحو عشرة براميل، اي ما يعادل مئة صفيحة كان سعرها ما يقارب مليون وثمانمئة ألف ليرة لبنانية ولا ادري كم يرتفع هذا العام. وهو مبلغ يعجز عن امتلاكه المواطن العادي، فنجد انفسنا مضطرين الى اعتماد الحطب للتدفئة الذي تشهد اسعاره أيضاً ارتفاعا لذلك نقوم بأنفسنا بالبحث عن مصادر الحطب ونجمعه ونخزنه.
ويرى الدكتور محمد مروة عضو جمعية حماية البيئة في النبطية انه في جميع الأحوال تفقد البيئة أحد أهم مقوماتها في غياب اجهزة الرقابة والمحاسبة، وفي ذلك خطر حقيقي شأنه القضاء نسبياً على مساحة غير قليلة من الأحراج.
ولا يعالج هذا الأمر الا بوضع برنامج لخفض سعر المحروقات لتكون في متناول الجميع مع مطلع كل شتاء وتنشيط دور أجهزة الرقابة وملاحقة المخالفين.
تعليقات: