قصّة حقيقية حدثت في حديقة منزلي الخلفية حيث بقي غراب يعاني من عدم الطيران لاكثر من 24 ساعة. تناوبت الغربان على رعايته واحتضانه في قصة مؤثرة تشهد على حالة حب ليست نادرة في عالم الطيور و الحيوان.
صوت الغربان الغني حمل الرسالة كلها بما هو أبلغ من الكلمات.
غربان اعتدتُ على رؤيتها واهنة باهتة منطفئة مطأطئةً دوماً بحثاً عن ماء و طعام. و لم يبدر الى ذهني يوماً ايجاد تماثلات و نقاط تشابه بين عالمنا البشري و عالم الغربان.
حدث أن حطّت غربان في حديقة منزلي الخلفية, و في حديقة منزلي الخلفية الشمس دخيلة, أشعتها ثمالة و حماستها معرفة. لفتني شعوري بإصرار غراب من بين جمع هذه الغربان و مثابرته التي هي أشبه ما تكون برقصة حب اولى. كان يبدو لي أن هذا الغراب قد ارتكز هناك منذ فترة طويلة بانتظار اشراقة. ها قد بدأ أرقي يرصد حيرتي حيث كنت أجهل أن ثمة حزناً في حديقة منزلي الخلفية. لم أكن أعلم أن بين زهور الحديقة تلك عَينَي غراب محاطتين بالسواد و ملامح منهكة. خرجت الى الحديقة حيث ازداد نعيق الطيور فوق الاشجار, حيث أصوات الغربان التي لم تبرح المكان. لقد كانت متضامنة كما الاضوَاء وسَط الظلمات. أعتدت خفَّة الغربان في حديقة منزلي بدون اضطراب. تلك الغربان لم تكن ضائعة في غيبوبة و هي تستر نزيف أحَدها الداخلي و أنينه الخافت. غربان سوداء اذا افرط عليها النضج ابيضّت و احمرت و فاحت و لمعت. هذه الغربان التي قرأتُ حبها النادر و أذناي ما أنفتئت تنصت فأنفرَجت تسمع دبيب الحياة المتوجسة خيفَةً. و هذا النوع من المحبة و الخيفة في آن اعتدت عليه فهو يصيبني في الصميم. هذا النوع من الحب الذي يُخلقُ للقلوب حوادث و تواريخ. اعادة تأمل لصياَغَة رؤيا من خلال اثارة الطاقات الانسانية الكامنة. عالم يتجاوز الكلمات بل قطعة من السينما الحية الخالصة. لقد كانت الصورة ثرية. قوة استمرارنا في لعبة الحياة و ضعفنا في قوة حاجتنا للآخر. قصّة معبرة أشبه بورقة تقرير تيبّست برَسمية الحروف. كيف نجيد صبّ قلوبنا في تلك القوالب الغير جامدة التي تمنح العقل مصداقيته و تمنح القلب أعجازه.
كنت أتمنى لهذه الغربان في حديقة منزلي الخلفية أن تكون لها مواعيد أكثر أحتقاءً بالفرح, فأكرس جهدي ووقتي محاولةً حينئذ أن اتعلم كيف أتقن كتم صياحها!
كنت أتمنى لهذه الغربان مبارزةً من نوع آخر, مبارزة طرشان حيث الاسلحة الخادعة تخطىْ الاهداف بوجود لا أهداف!
كنت أتمنى أن يكون هذا الاعلان الملحمي لحشرة تبني بيتاً لتعيش فيه من فقاعات الهواء فوق الماء!
فيلم من أفعال و مشاعر بشرية تعرضها بإبداع أوبرا أبطالها من كائنات غير بشرية!
يا لهذا العالم !
هيفاء نصّار
تعليقات: