لا أعرف لماذا أستعيد من ذاكرتي دوماً لعبة كنا نلعبها أيام الطفولة، هذه اللعبة اسمها ( قال المعلم)، وطريقتها أن واحداً منا يلقي علينا أوامر مفاجئة سريعة بالوقوف أو الجلوس، أو الضحك، أو البكاء أو أي شيء آخر، ومن يخطئ منا أو يخالف تنفيذ الأوامر يكون هو الخاسر ..
أتذكر هذه اللعبة ربما لأنها تحاكي واقعنا الذي نعيش، فما نحن إلا جماهير مسلوبة الوعي والارادة نتلقى املاءات أولياء أمورنا الذين نصبهم الله أوصياء علينا، وذلك رحمة بنا، لأننا قُصّر ولا نعرف كيف ندير أمورنا، ونقرر مصيرنا، ولأن الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي فلسفة صعبة وبعيدة المنال عن إدراكنا..
كنت صغيراً وكنت ألعب ( قال المعلم ) ولكنني اليوم – وبعد أن قررت أن أكون صديقاً للشمس، وخصماً للعتمة المنسوجة بخيوط الدين والسياسة – ألقيت لعناتي على هذه اللعبة الديكتاتورية التي تشبه إلى حد كبير أنظمة الحكم العربية الحجرية..
اليوم كفرت بلعبة (قال المعلم ) ثأراً لكل الذين قال لهم المعلم جوعوا فجاعوا، موتوا فماتوا، اسكتوا فسكتوا، صفّقوا فصفّقوا، سبّحوا بحمد فلان فسبحّوا، كفَروا فلاناً فكفّروا..
اليوم كفرت بذاك المعلم الذي لقنني رفض الآخر لأنه مختلف فرفضته، كفرت بذاك المعلم الذي أراد لعقلي أن يتدجّن، ولبصري أن ينبهر بسحر الشاشة، ولأذني أن تدمن لحن الصوت الواحد ونغمة الطبل الوحيدة ..
اليوم كفرت بذاك المعلم الذي ألبس أمي السواد ثلاثين عاما، ولولا هيبة الموت لكفنها بسواد !..
اليوم كفرت بذاك المعلم الذي تحكّم فينا سنينا، يفرض علينا أسماءنا، وعدد أولادنا، وألوان ملابسنا، وو..
اليوم كفرت بالمعلم وقوله، وقررت أن أطير بعيداً عن هذا القفص الضيق إلى أفق أشعر فيه أنني المعلم لذاتي والوصي عليها، وأنني أملك الولاية الوحيدة على عقل شاء الله له أن يكون حراً منذ البداية، وأراد له المعلم أن يكون عبداً ..
* الشيخ محمد أسعد قانصو
تعليقات: