وجبة إفطار في سهل سردة (طارق ابو حمدان)
يقف النازح السوري عادل العلية من حلب، أمام خيمته في سهل سردة، يلطم يداً بيد، يقول: «صعبة هالأيام، وقاسية الظروف التي تمر علينا، فقر وعوز، أمراض متعددة ومتنوعة تضرب أطفالنا، حروب تستعر في كل اتجاه، أملنا بانتهاء الحرب والعودة إلى بلدنا. سنستغل الشهر الفضيل بالدعاء والتضرع إلى الله، لوقف الحرب في بلدنا. يكفي هذا الدمار الكبير والقتل والتهجير، فعسى أن يستجاب لدعائنا قبل رمضان المقبل، هذا كل ما نطلبه».
ما يقوله عادل بات لسان حال معظم النازحين السوريين، الذين كوتهم نار الغربة وأهلكهم النزوح. ذلك ما يشير إليه النازح من بيت جن سامر التنيري، العامل في مزرعة أبقار في سهل المجيدية، براتب 300 دولار شهرياً، «إننا في حال من الياس الفعلي والخوف من الآتي. الحرب في بلدنا تبدو إلى تفاقم، وغربتنا في نزوحنا ستطول حتما. نتقاسم لقمة العيش مع إخوتنا في لبنان، بل بتنا ننكد عيشهم، من خلال مزاحمتهم في سوق العمل ذلك من حقهم. ولكن نحن ليس أمامنا من خيار لسدّ حاجاتنا إلا الكد وعرق الجبين. تهديدات العمال اللبنانيين تربكنا وتعيق حركتنا، خاصة أن أكثر من عراك يحصل يومياً على خلفية تنافسنا في مجال العمل. فرمضان الحالي بات أشد ألما، المشاكل تتفاقم والكل همه لقمة العيش التي بدت وكأنها تركض أمامنا ونجهد حقا للحاق بها».
«جاء رمضان، قبل أسبوع من استلامنا القسائم الشرائية، التي تدفعها لنا الأمم المتحدة كمساعدة شهرية، والتي تصلنا في الخامس من كل شهر. أربكنا ذلك»، تقول النازحة سعاد الحامدي من حلب، وهي أم لخمسة أطفال، كان زوجها قد قضى منذ عام ونصف في الحرب السورية، «ليس بيدنا قرش واحد، وعلينا تأمين حاجات رمضان لنحو أسبوع حتى تصلنا مساعدة الأمم. قصدت أحد المتاجر القريبة، رفض بيعنا بالدين، إني حائرة فعلاً ولا أعرف كيف أتصرف. أولادي بحاجة لملابس جديدة، الإفطارت يلزمها اللحمة والدجاج والفاكهة والحلويات، كله غير مؤمن وليس باليد حيلة، ما لدينا بعض معلبات الكراتين، هي فقط حتما موائد افطاراتنا، لقد كتب علينا الذل والحاجة والعوز، سنقبل بهذا الواقع المرّ حتى يفرج الله عن بلدنا».
في مخيم النازحين القابع في سهل الماري، والذي يضم أكثر من 45 خيمة، شكل النازحون لجنة صغيرة، طافت على عدد من الخيرين في القرى المحيطة، لقد جمعنا مبلغا من المال يقول أحد أعضاء اللجنة حسام أبو سعيدي، سنوزعه على عائلات أكثر حاجة في المخيم لمناسبة رمضان، هناك أرامل مع أطفالهن الصغار، أيضا عجرة بدون معيل، عائلات غير مسجلة أو شطبت أسماءها من مساعدات الأمم المتحدة الشهرية، دفعنا لكل عائلة بين 50 و100 ألف ليرة لتدبر أمرها مع بداية رمضان، علنا نتمكن لاحقا من جمع مساعدات مادية أخرى لنوزعها من جديد. سنعمل جاهدين لتأمين ما أمكن لإخوتنا النازحين المعوزين، وليحفظ الله ويكرم من يقدم المساعدة للمحتاج، له أجر كبير ومشكور عند ربه».
قصد النازح فادي السموري من ريف دمشق السوق الشعبي في سوق الخان، للتزود بالخضار والفاكهة والقليل من اللحمة والحلويات، لكن المفاجأة يقول «حتى في سوق كهذا، الأسعار ارتفعت بين خمسة وعشرين في المئة، لقد تسوقنا نصف حاجتنا، واشتريت لكل طفل من أطفالي الأربعة، بعض الملابس، بحيث اخترت بالطبع المتدنية أسعارها، وعلى قدر إمكانيتي المادية المنخفضة، فوضعنا المادي ينغص علينا فرحة رمضان وإفطاراتنا، وعلينا التكيف مع هذا الوضع المعيشي القاسي.
ليس لدينا الغاز الكافي لتحضير موائد رمضان، لذا نلجأ إلى مواقد الحطب في معظم الأحيان. ذلك ما تشير إليه النازحة جنان الغوشي من بيت جن، «همنا أن ننجز الإفطار بأقل كلفة ممكنة، فالغاز الصغير الذي زودتنا به الأمم المتحدة نستعمله لتحضير الشاي فقط، فوجبات رمضان على مدى شهر كامل، تلزمه ميزانية غير متوفرة في حساباتنا، في ظل افتقارنا لبراد نحفظ بداخله المأكولات».
تحضر فاطمة العليان الإفطار كما قالت في زاوية مرأب سيارة تستأجره في إحدى قرى حاصبيا، يؤويها وأطفالها الخمسة، حيث الزوج مصاب بمرض يلزمه الفراش، «إفطارنا بسيط وخفيف حسب قدرتنا، طبخة واحدة من البرغل او الأرز أو المعكرونة. محرومون جميعا من الفاكهة والحلويات. كنا في سوريا نعيش أفضل حال، لكن الحرب أتت على كل شيء، وعسى أن نعود إلى بلدنا، لكن حتى الآن يبدو هذا التمني في الخيال فقط».
اليوم الرمضاني يكلف بين 30 و40 دولاراً، يوزع بين إفطار وسحور. «المبلغ غير متوفر»، يقول النازح من ريف حلب مشهور العيسي، «أنا أعمل في مزرعة دجاج بأجر شهري 300 دولار أميركي، فكيف سنتمكن من اجتياز مصاريف رمضان، في ظل العوز والفقر المستشريين، علماً أن العائلة بحاجة الى مصاريف مختلفة أخرى، مساعدات الجهات المانحة المادية لا تغني عن جوع، إنها تغطي جانبا صغيرا، ولكننا في ضائقة بتنا عاجزين عن تحملها. فالصبر مفتاح الفرج. وليفرج الله في هذا الشهر الفضيل عن بلدنا سوريا وعندها سيكون عيد كل الأعياد».
نازحة تحضّر افطار العائلة (طارق أبو حمدان)
تعليقات: