أي آثار صحية لمياه الشبكات والصهاريج؟

تشكل أزمة شح المياه وانتشار المخيمات العشوائية عوامل خطر لانتشار بعض الأمراض المعدية المتعلقة بالمياه (عباس سلمان)
تشكل أزمة شح المياه وانتشار المخيمات العشوائية عوامل خطر لانتشار بعض الأمراض المعدية المتعلقة بالمياه (عباس سلمان)


يظن البعض أن تأمين مياه صالحة للشرب يوفر سبل الحماية من الأمراض الناجمة عن المياه، غير أن مفاهيم «منظمة الصحة العالمية» تشدد على ضرورة أن تراعي مياه الشرب والاستخدام المعايير الآمنة للوقاية من الآثار الصحية السلبية للمياه الملوثة.

تشرح أستاذة علوم صحة البيئة في كلية العلوم الصحية في «الجامعة الأميركية» في بيروت الدكتورة مي الجردي أن الحصول على مياه معقمة صالحة للشرب لا يكفي لحماية الفرد من الآثار الصحية السلبية، إذ يستخدم الشخص المياه في غسل الفاكهة والخضار، وفي تنظيف الصحون، وفي الاستحمام، وفي غسل الثياب، وفي تحضير الأطعمة وغيرها... ما يجعله عرضة للآثار السلبية الصحية، إذا كانت تلك المياه ملوثة وغير معقمة.

يزيد تلوث المياه الجرثومي بالقولونيات البرازية (fecal coliform) مثل جرثومة الإشريكية القولونية (Escherichia coli) من خطر التعرض إلى الأمراض التي تنقلها المياه (waterborne diseases) مثل التيفوئيد، والتهاب الكبد من نوع «أ»، والزحار «dysentery»، والإسهال وغيرها. وتبيّن الدراسات، وفق الجردي، وجود التلوث الجرثومي في بعض المناطق اللبنانية.

يزيد عدم ضخّ المياه في الشبكة، بشكل دائم، من نسبة التلوث الجرثومي الناجم عن مجاري الصرف الصحي. وتساهم إضافة مادة الكلور إلى المياه في مكافحة التلوث الجرثومي. وتتركز، في العادة، معالجة المياه في لبنان على مواجهة التلوث الجرثومي من خلال إضافة مادة الكلور؛ غير أن الجردي تشير إلى عدم معالجة جميع مصادر المياه في لبنان، اليوم، بمادة الكلور. من جهة أخرى، تزيد الترسبات من تراب وغبار في خزانات المياه من نسبة البكتيريا المسببة لالتهابات في الجهاز البولي.

مياه مالحة

بسبب شح مياه الينابيع، يتم اللجوء اليوم إلى ضخ الآبار الساحلية، ما يؤدي إلى سحب مياه البحر وارتفاع نسبة ملوحة الآبار ونسبة الأملاح مثل الكبريتات (sulfate)، الكلوريد، والصوديوم التي تضر بالجهاز الهضمي مع احتمال ضئيل جداً لحدوث تهيج في الجلد. وتدفع ملوحة المياه المواطنين إلى البحث عن مصادر أخرى للمياه، وشراء المياه غير الآمنة.

يتسبب ارتفاع معدل النيترات الموجود في الأسمدة بالزرقة عند الأطفال وحالات اختناق، غير أن تلك المشكلة، وفق الجردي، غير متفاقمة في لبنان ولا تظهر إلا في بعض الآبار في المناطق الزراعية. وتؤثر مبيدات الآفات (pesticides)، التي تنتقل من التربة إلى المياه، في الجهاز العصبي والدورة الدموية على المدى الطويل من دون أن يشكل ذلك خطراً كبيراً اليوم.

تسجل المياه في بعض المناطق، وفق الجردي، ارتفاعاً في معدلات المعادن الثقيلة مثل كادميوم، الزنك، النحاس، الباريوم، التي تؤدي، على المدى الطويل، إلى أمراض في القلب، والجهاز العصبي والكلى.

لا تعيش الجراثيم، لفترة طويلة، في فصل الشتاء بسبب انخفاض درجة الحرارة، بينما تعيش الجراثيم لفترة أطول في فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة ما يسهل انتقال الجراثيم للإنسان بوتيرة أسرع. وتساهم قلة الأمطار والثلوج في زيادة تركيز التلوث. وتعتبر الجردي أن المياه الواردة من شبكة الدولة آمنة أكثر من المياه التي يشتريها المواطنون من مصادر غير معروفة وغير مراقبة.

تسمم

أن أعراض حالات التسمم تقتصر على الإسهال والتقيؤ، غير أن الجردي توضح أن أعراض التسمم تختلف بين إمساك وأوجاع في الرأس أو البطن، وغثيان وغيرها. وترتكز الإرشادات الوقائية لتعقيم المياه على تنظيف الخزانات بمادة الكلور، والتأكد من إغلاق الخزانات، وعلى وضع أقراص من الكلور في الخزانات وفق المعايير المناسبة، إذ تعطي زيادة نسبة الكلور للمياه رائحة وطعما. وترتكز الإرشادات أيضاً على غسل الخضار والفاكهة بالصابون. وتخفف تلك الإرشادات من التلوث الجرثومي وتحمي الأفراد من التعرض إلى المضاعفات الصحية السلبية.

مراقبة

لا تعتبر مراقبة مياه الاستخدام، وفق رئيس مصلحة الهندسة الصحية بالإنابة في وزارة الصحة العامة إحسان عطوي، من صلاحية وزارة الصحة العامة، وتعود المراقبة إلى المؤسسات العامة للمياه. وفي حال تسجيل حالات من التلوث الجرثومي، تقوم وحدة الترصد الوبائي في الوزارة بالتقصي عن مصدر التلوث، ومعاينة المصابين، وتوفير التوجيهات اللازمة للجهات المسؤولة لتعقيم المياه ومكافحة مصدر التلوث. من جهة أخرى، تقوم وزارة الصحة عبر المراقبين الصحيين في مختلف الأقضية اللبنانية بمراقبة سلامة مياه الشرب والإشراف الدوري على الينابيع وشبكات المياه.

هناك مشروع لتحديث مقاييس ومواصفات المياه من دون أن تتم الموافقة، حتى اليوم، على تلك المواصفات الحديثة. وتواجه مشكلة مراقبة المياه، وفق مسؤولة البرامج في «منظمة الصحة العالمية» في لبنان الدكتورة إليسار راضي، نقصاً في الموارد البشرية، وفي المختبرات المعتمدة لإجراء الفحوص المخبرية.

أطلقت المنظمة، في الأسبوع الماضي، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي مشروع تطوير قدرات وزارة الصحة العامة على مراقبة الأوبئة والسيطرة عليها من خلال إنشاء 8 مختبرات متخصصة في المستشفيات الحكومية (حلبا، طرابلس، بعلبك، زحلة، النبطية، صيدا، ضهر الباشق، ورفيق الحريري في بيروت)، ويمكن لمختلف الوزارات المعنية الاستفادة من تلك المختبرات. وسيتم تشغيل تلك المختبرات في أواخر شهر أيلول لفحص جميع أنواع المياه، إن كانت للشرب أم للاستخدام، بغية الحدّ من انتقال الأمراض المتعلقة بالمياه. ويشمل المشروع تفعيل قدرات وحدة الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة.

تشكل أزمة شح المياه، وارتفاع عدد النازحين السوريين والمخيمات العشوائية عوامل خطر لانتشار بعض الأمراض المعدية المتعلقة بالمياه. ويظهر، اليوم، تخوف من ظهور مرض الكوليرا الذي ينتقل عبر تلوث المياه أو المواد الغذائية أو الأيدي الملوثة وهو مرض معد جدا ويؤدي إلى الوفاة، ومن مرض شلل الأطفال بعد تسجيل حالات في سوريا والعراق، ومن خطر ارتفاع حالات التيفوئيد، والتهاب الكبد الوبائي «أ». غير أن وزارة الصحة العامة، وفق راضي، تمتلك إمكانيات الترصد والاستجابة.

من جهة أخرى، يكشف مصدر في وزارة الصحة العامة عدم تسجيل معدلات غير اعتيادية من حالات التيفوئيد، أو التهاب الكبد الوبائي من نوع «أ»، أو الاسهالات فما زالت المعدلات ضمن النسب العادية التي تسجل سنوياً.

وتنصح راضي بضرورة غسل اليدين بالماء والصابون لمنع انتشار الجراثيم، والمحافظة على النظافة الشخصية، وتشجيع الرضاعة من الثدي التي تحمي الرضع وتحد من استخدام المياه غير الآمنة لتحضير الحليب، وضرورة تفعيل مراقبة المياه ووجوب التدخل السريع من خلال استخدام مادة الكلور للتعقيم.

(الحلقة المقبلة «المياه في البقاع»)

حقائق وأرقام

يتسبب عدم سلامة المياه والنظافة بمليوني حالة وفاة سنوياً، وفق «منظمة الصحة العالمية». ويبلّغ أكثر من خمسين بلداً في العالم المنظمة عن حالات كوليرا. وتشير التقديرات إلى وجود نحو 260 مليون مصاب بداء البلهارسيا. ويمكن تفادي نسبة 4 في المئة من العبء العالمي للأمراض من خلال تحسين إمدادات المياه والنظافة وتوفير أساليب بسيطة غير مكلفة لمعالجة المياه وتخزينها تخزينا مأمونا.

تشكل أزمة شح المياه وانتشار المخيمات العشوائية عوامل خطر لانتشار بعض الأمراض المعدية المتعلقة بالمياه (عباس سلمان)
تشكل أزمة شح المياه وانتشار المخيمات العشوائية عوامل خطر لانتشار بعض الأمراض المعدية المتعلقة بالمياه (عباس سلمان)


تعليقات: