في الخيام.. حراسة دائمة للبنان وفلسطين

لأن الخيام تقع على تلة مطلة على فلسطين فقد كانت لموقعها أهمية استراتيجية في حرب الصواريخ، التي لم تتوقف طيلة أيام العدوان
لأن الخيام تقع على تلة مطلة على فلسطين فقد كانت لموقعها أهمية استراتيجية في حرب الصواريخ، التي لم تتوقف طيلة أيام العدوان


«السفير» في القرى الحدودية من العرقوب إلى الناقورة (2)

بعد ثماني سنوات على انتصار آب، لم يعد للخوف مكان في نفوس الجنوبيين. يثقون بأنهم أسقطوا نظرية الجيش الذي لا يقهر. بصمودهم ومقاومتهم كسروا هالة إسرائيل، بإراداتهم محوا آثار عدوانها في تموز 2006.

في الذكرى الثامنة لانتصار تموز، تجول «السفير» على القرى الحدودية جنوباً من العرقوب إلى الناقورة. تستطلع أوضاعها تطمئن على أهلها الذين نفضوا عنهم غبار الحرب واعادوا بناء قراهم وبيوتهم.

بعد العرقوب وعاصمتها شبعا، تزور «السفير» اليوم بلدة الخيام. يفاخر أهلها بإنجازات بلدتهم في حرب تموز 2006. سهلها الذي يلامس فلسطين ما يزال شاهداً على مجزرة الدبابات التي أسفرت عن تدمير 16 دبابة إسرائيلية.

ولأن الخيام تقع على تلة مطلة على فلسطين فقد كانت لموقعها أهمية استراتيجية في حرب الصواريخ، التي لم تتوقف طيلة أيام العدوان. لكن الأهم أن المحتل والمقاوم على حد سواء كانا يعرفان أن سقوطها سيعني وصول الإسرائيلي إلى عمق البقاع الغربي وصولاً إلى المصنع.

800 مقاوم شكلوا سداً منيعاً في حواري الخيام وحقولها. الانتقام الإسرائيلي من الصمود في البلدة لم يستطع النيل من البشر. لم يسقط في البلدة سوى شهيدين أحدهما مدني، مع ذلك، فقد نال الحجر حصة كبيرة مع تدمير 200 منزل كليا.

بعد ثماني سنوات على الحرب، الخيام خلية نحل. قد يعلق المار بسيارته لفترة طويلة في ساحة الحسينية قبل أن يتمكن من عبورها.

ما تزال الخيام تعيش وهج انتصار تموز، الذي يعطيها المناعة ضد أي خوف قد يتسلل إلى قلوب أبنائها. وبالرغم أن أبناء القرية يتوقعون حرباً جديدة «لا أحد يعرف توقيتها، لكنها ستأتي»، ثمة من يؤكد أن «قلوبنا مثل الصخر».

موضوع غزة حساس بالنسبة لأبناء الخيام. وإذا كان، ثمة من لم يميز بين حماس في سوريا وحماس في غزة الذي يتعرض لحرب إبادة، فإن حزبيين يعتبرون أن هذا الموقف الانفعالي لا يعبر عن حقيقة المشاعر المتضامنة بالكامل مع الشعب الفلسطيني الذي يسطر بطولات في الصمود والمقاومة.

في الموضوع السوري لا اختلاف في المواقف. حمود، على سبيل المثال، مستعد لتقديم المطولات في سبيل تأكيد صواب خيار «حزب الله» في سوريا. للمفارقة فإن عدد شهداء «الحزب» في سوريا من أبناء الخيام يفوق عددهم في حرب تموز. مع ذلك، فإن كثرا يرددون أنه لو لم يذهب «حزب الله» إلى هناك لكانت المعركة مع «داعش» تجري اليوم على كل مساحة لبنان.. معارك عرسال زادتهم اقتناعاً بذلك.

من هم في موقع المسؤولية، لا يميزون بين غزة وسوريا. يعتبرون القضية واحدة، «وإذا كان الفلسطينيون يواجهون الإجرام الإسرائيلي مباشرة، فإن «حزب الله» يواجه في سوريا المشروع الإسرائيلي». أكثر من ذلك، يحمّل حمود، على سبيل المثال، إسرائيل مسؤولية كل ما بجـري في المنطقة من ليبيا إلى اليمن. يعلن بوضوح الاستعداد للشهادة حتى في اليمن اذا كان في ذلك فائدة ومصلحة ضد المشروع الاسرائيلي.

لا نقاش في أن الجنوب هو المنطقة الأهدأ في لبنان. يتوافق الجميع على ذلك ويفتخرون به. هذه إحدى نتائج نصر تموز، يقول حزبيون. مع ذلك، ما يعيشه الجنوبيون لا يصدقه كل اللبنانيين. نسبة كبيرة منهم تشعر بالقلق من مجرد زيارة الجنوب في الوقت الراهن. قد لا يكون الخوف من حرب جديدة كبيراً لكن عمليات إطلاق الصواريخ التي تحصل بين الفينة والأخرى هي أحد مصادر القلق، والأخطر عندما تعلم أن الأجهزة الأمنية لا تصرح عن كل ما يرصد، بما في ذلك بعض الصواريخ التي انطلقت قبل أيام قليلة من الجنوب وسقطت داخل الأراضي اللبنانية.

يقف ما بقي من معتقل الخيام «شاهدا على الغباء الإسرائيلي» يقول أحد المحررين من هذا السجن. لم تحتمل الدولة العبرية بقاء المعتقل شاهداً على جرائمها. أغارت عليه مراراً ظناً منها أنها بذلك تمحو آثار همجيتها ووحشيتها.

هدمت الزنزانات فصار الركام نفسه شاهداً. ولأن الزائر لا يحتاج الكثير من الشواهد ليدرك كيف كان الأسرى يعيشون في المعتقل، أعادت المقاومة بناء بعض الزنزانات لتكون شاهداً على عصر بائد.

عمود التعذيب في ساحة المعتقل لم يتضرر. ما يزال قائما وشاهدا على صور التعذيب التي رسمها الاحتلال على اجساد المقاومين , ومع ذلك لم ينل من عزيمتهم.. على ذلك العمود صور لستة شهداء استشهدوا خلال التعذيب.

سياح يتجولون في المعتقل. صودف أن مجموعة آتية من الشوف لم يسبق لها أن زارت الجنوب. عندما قرر أفرادها زيارة الجنوب، سخر منهم أصدقاؤهم. لاموا مجازفتهم في هذه الأوقات. عند العودة إلى الشوف ستنقلب الآية، قالت إحداهن إنها ستسخر هي من أصدقائها الذين فوتوا على أنفسهم رؤية فلسطين من تلال الخيام.

مرجعيون: لم يأت المغتربون

على المقلب الآخر من السهل ذي التسميتين (سهل الخيام وسهل مرجعيون)، توحي جديدة مرجعيون أن لا ناس يعيشون فيها. بالكاد تصادف بعض المارين مساءً. أم جورج (صاحبة دكان) تقول إن الوضع ليس بهذا السوء. صحيح أن معظم المغتربين من أبناء المنطقة فضّلوا عدم زيارة لبنان هذا العام، نظراً للأوضاع الأمنية غير المستقرة، لكن السبب الفعلي لحالة الفراغ التي تعيشها مرجعيون مساء السبت تحديداً تعود إلى عدد حفلات الزفاف التي تقام خارج البلدة ويدعى إليها معظم أهاليها.

لا يخفي أهل البلدة قلقهم من الأحداث التي تحيط بهم. يخشون تطورها إلى حرب. مشاهد حرب تموز لا تزال حاضرة في ذهنهم. «الأولوية للمحافظة على الأرواح والأرزاق» هو لسان حال من في البلدة. عيون من يمرون بدكان أم جورج تتسمر أمام التلفاز. «الله يحمي الجيش»، ويضيفون: بعد ناقصنا داعش.

الجزء الأول من "«السفير» تجول على القرى الحدودية.. من العرقوب إلى الناقورة"

الجزء الثاني من "«السفير» تجول على القرى الحدودية.. من العرقوب إلى الناقورة"

الجزء الثالث من "«السفير» تجول على القرى الحدودية.. من العرقوب إلى الناقورة"

تعليقات: