الهروب من الموت في الحرب إلى الذل في النزوح (شوقي الحاج)
لم يمض على نزوح أم عمار من الغوطة في سوريا الى لبنان، هرباً من شرور الحرب المستعرة، التي تدور رحاها على الساحة السورية، سوى أيام معدودات. واجهت مع عائلتها صنوفاً متعددة من الخوف والعذاب، كادت تودي بحياتهم جميعاً، لولا الرحمة الإلهية التي كانت تتدخل في اللحظات الحاسمة بين متممات الموت ووقائع الحياة.
أم عمّار التي حاولت 9 مرات الخروج من الغوطة المحاصرة، نحو مخيم عربين، إلا انها فشلت حيث تناوب الطرفان، كما تقول، عناصر المعارضة وجيش النظام، على إطلاق النار باتجاهنا، بهدف إرهابنا ومنعنا من الوصول إلى مناطق آمنة. وعملوا على اعتقال زوجي لمدة شهر ونصف الشهر، وصادروا هويته وعبثوا بها قبل أن يقوموا برميه على قارعة الطريق في الشام، مصاباً بجروح في قدميه، جعلته غير قادر على مرافقتنا في رحلة هروبنا من الجحيم، الذي كنا نعيشه في الغوطة، حيث القذائف تنهمر بالعشرات من قاسيون، ومسلسل الموت المجاني لم يتوقف في صفوف المدنيين الأبرياء، الذين لا ناقة لهم ولا جمل، بما يحصل من ارتكابات ومجازر، ناجمة عن تنشق الكيماويات السامة، أو عن انفجار البراميل المحشوة بكل أنواع الفتك والهلاك.
أم عمّار تحدثت عن يوميات العذاب، التي عاشتها مع أولادها في الغوطة، حيث اضطرت مرات عديدة إلى إطعام أولادها من خبز الشعير، فضلاً عن تناول وجبة واحدة من الزيتون أو الملفوف أو قمر الدين، كل يومين أو ثلاثة في كثير من الأحيان. وذلك نظرا لفقدان المواد الغذائية والخضار والفواكه من البقوليات في الأسواق، إلى جانب ندرة الإمكانيات المادية.
ولفتت أم عمار إلى الأمراض التي تفشت في صفوف المحاصرين، بسبب قلة الغذاء، حيث توفي الرضع بالعشرات، ومات الكبار نتيجة إصابتهم بالتسمم، إثر تناولهم بقايا الوجبات الغذائية التي يتناولها عسكر النظام والمعارضة، وأشارت إلى إصفرار الأظافر وسقوطها عند الكثير من الأطفال.
أم عمّار التي عبرت عن حزنها الشديد، على ما أصاب وطنها من دمار وخراب وسفك دماء، أوضحت أنها تعيش حالة فوبيا مزدوجة على أطفالها الخمسة من الخوف والقتل أولاً ومن الجوع الذي نهش أجسادهم، وبدأ يأخذ منحى خطيراً حيث يفتك بقرى بأكملها، لولا بعض الحاجيات الغذائية والمستلزمات الضرورية التي تصل هذه القرى بالقطارة.
أم عمّار التي قادتها رحلة النزوح برفقة أولادها الخمسة، إلى إحدى قرى منطقة راشيا، حيث انضمت إلى عائلة شقيقها، ريثما تتحسن الأحوال وتنفرج الأمور، ويصبح بالإمكان استئجار شقة سكنية متواضعة، للإيواء إليها، ناشدت «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» التابعة للأمم المتحدة، العمل على رفع منسوب المساعدات للأسر النازحة، وتأمين الدعم المادي الذي يخوّل هذه الأسر، استئجار مساكن تليق بالبشر، والدفع باتجاه وضع خطة مبرمجة تؤمن أبسط مستلزمات العيش الكريم للنازح، الذي يعيش مشرداً على الأبواب، متسولاً أمام الجمعيات الداعمة والهيئات الإنسانية والمجالس المانحة، حيث يواجه بكل أنواع التحقير والمذلة، من أجل تيئيسه، باستثناء المحظيين منهم الذين يتقاسمون أكل «البيضة والقشرة» مع النافذين في تلك الجمعيات.
أم عمّار التي أكدت أنها دفعت ثمن خروجها من الغوطة غالياً، حيث وصل المبلغ الذي توزع على المرتشين من مسؤولي المحاور العسكرية، إلى نحو 400 ألف ليرة سورية، مساوية بالدفع بين الجيش الحر والجيش النظامي، وفق قولها، وذلك عدا عن مبلغ آخر يقدر بـ 150 ألف ليرة سورية، حيث تم قبضه من أحد الوسطاء وبعدها غاب عن الأنظار، واختفى معه المبلغ.
قصة أم عمار هي ملخص لاحد جوانب المعاناة، التي تعيشها الأسر السورية، المشردة داخل سوريا وفي مخيمات النزوح، المفلوشة عشوائياً في دول الجوار وفي الخارج.
تعليقات: