يملأ غالون مياه من نبع الحاصباني (طارق أبو حمدان)
تتفاعل بشدة أزمة شحّ المياه في منطقتي مرجعيون وحاصبيا، مع انخفاض منسوب الينابيع والآبار الارتوازية التي تروي قراهما، بين 80 و90 في المئة من قدرتها، تُضاف إلى ذلك الأعطال الكهربائية المتكرّرة والتقنين العشوائي، الذي يؤثر سلبا في عمل مضخّات المياه لجهة توقفها عن العمل لساعات طويلة. وتنشط عندها حركة المتاجرة بالمياه، عبر أصحاب الآبار الخاصة والصهاريج المتعددة الأحجام، في حين لجأ العديد من المواطنين، إلى شراء خزانات كبيرة من الحديد أو البلاستيك، أو بناء خزانات جديدة من الأسمنت في منازلهم، لتخزين أكبر كمية ممكنة من المياه، قبل الوصول إلى أشهر الجفاف المنتظرة مع حلول تشرين الأول المقبل.
العديد من الجهات المسؤولة، عن متابعة وضع المياه وتوزيعها، والسهر على صيانة معداتها، تحدثت عن نقص كبير في منسوب ينابيع المنطقة، وخاصة الينابيع الكبيرة، مثل الحاصباني والوزاني والمغر في شبعا. ناهيك عن نضوب العديد منها في شبعا وحاصبيا ومرجعيون، إضافة إلى انخفاض منسوب معظم الآبار الإرتوازية، في سهول الماري والمجيدية وعين عرب وحلتا وسردة، حيث تم إقفال سبع آبار بشكل نهائي.
في محور الحاصباني، يتسابق المزارعون لريّ حقولهم وبساتينهم خلال ساعات الليل، مستغلين إمكانية وصول ما تبقى من مياه الحاصباني، إلى حقولهم البعيدة ولمسافة لا تزيد عن كيلومترين جنوب النبع. كما وبدأت تسمع صرخة تجمعات النازحين السوريين في سهول سردة والخيام وإبل السقي، حيث باتت الحاجة ماسة إلى المياه، في ظل تلكؤ بعض الجهات المانحة، عن تأمين حاجياتهم لمياه الشفة ومياه الاستعمال المنزلي، والتي تصل إلى خيمهم انطلاقا من خزانات ركزت في نقاط مرتفعة. لكنها وحسب العديد من النازحين، تحولت إلى مصدر للتلوث والتسمم، والأمراض المعوية والجلدية، بعدما باتت الحشرات المتنوعة تبيت وتسرح في داخلها.
وبدعوة من قائمقام مرجعيون وسام الحايك، كان عقد اجتماع طارئ في مبنى القائمقامية، شارك فيه طبيب القضاء الدكتور انطوان فرهود، ورئيس «اتحاد بلديات جبل عامل» علي الزين، ورؤساء بلديات المنطقة، إضافة إلى رؤساء مصلحتي المياه والكهرباء، وقادة الأجهزة الأمنية وممثلين عن «اليونيفيل» و«اليونيسف». خلال الاجتماع، جرى عرض مسهب لأزمة شح المياه وتقنين الكهرباء وسلبيات ذلك على المواطن والمزارعين، بحيث تم التوافق على تغذية كل الآبار الارتوازية في المنطقة بالتيار الكهربائي على مدار الساعة، ورفع التقنين عن خط مرجعيون ـ الطيبة. واشار ممثل مصلحة مياه لبنان الجنوبي إلى جهوزية استخدام مضخّة أخرى (180 مترا) تفادياً لأعطال الكهرباء إلى جانب المضخّة القديمة (100 متر)، بسبب شح المياه فيها، والمتوقّع انخفاضه لاحقا وبشكل حاد.
المجتمعون عرضوا أيضا اللجوء إلى حفر آبار ارتوازية أخرى، مع تعاون مختلف الجهات من أجل وضع دراسة جيولوجية، من قبل اختصاصيين، لتحديد أماكن وجود المياه الجوفية وكيفية استخدامها أو وصلها بشبكة المياه الرئيسة.
وعرض الزين الخطة التي وضعها الاتحاد، الذي يضمّ 17 بلدية، وبدأ تطبيقها بحسب الامكانيات، بعد متابعة مســألة الكهرباء وتقوية خطوطها إلى مشروع مياه الطيبة، الذي يغذّي 39 بلدة في قضاءي مرجعيون وبنت جبيل، رافضا فكرة اللجوء إلى المياه الجوفية، التي يجب تركها للأجيال المقبلة، مقترحا بعض الحلول التي من شأنها تخفيف هذه الأزمة، أوّلها رفع الغطاء السياسي والحزبي عن موظّفي مصلحة المياه، الذين يتعاطون احيانا بلا مسؤولية في هذا الموضوع لجهة سوء التوزيع، وترشيد استهلاك المياه ووقف الهدر، عبر منشورات وحلقات توعية بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه والبلديات المعنية، وهو أمر اذا طُبّق بشكل صحيح يتم توفير كمّيات كبيرة من المياه.
القائمقام الحايك شدد على ترشيد استهلاك المياه الذي يجب وضعه في سلّم أولويات البلديات والمراجع المعنية، ومتابعتها أمر ضروري وهام، لعدم وجود دراسات عملية تشير إلى مدى استمرار الأزمة، داعيا الجميع إلى تحمّل مسؤولياته، والاتفاق على إستراتيجية معيّنة لمواجهة هذا الخطر، الذي لم يشهد لبنان مثله منذ العام 1932.
مؤسسة مياه لبنان الجنوبي، باشرت منذ أشهر بناء محطّة جديدة قرب محطّة مرج الخوخ، التي تغذّي عددا من قرى مرجعيون (دبين وبلاط وجديدة مرجعيون والقليعة وبرج الملوك وقسما من كفركلا وديرميماس)، في حين أن لكل من إبل السقي والخيام محطّتين خاصتين بهما، يتم استخدامهما في حال تعطّلت الاولى، التي أنهكتها اعطال الكهرباء على مرّ السنين الماضية. ولكن ما حصل نتيجة شح مياه الامطار ان كمية المياه في المحطّة الاولى (عمق 100 متر) بدأت تجف، وتمّ اللجوء الى استخدام المحطة الثانية (180 مترا)، في حين تبقى مسألة الكهرباء بحاجة الى معالجة لتفادي حصول اعطال في المحطّات، فضعف التيار الكهربائي اصلا، وتحميل خط الخدمة المخصّص لمحطّات المياه، أعباء اضافية، بعد تحويل آبار المياه الخاصة المنتشرة في المنطقة عليه، وتزويد المنتجعات والمطاعم السياحية الخاصة في الحصباني بالتيار على مدار الساعة قد أدى كل ذلك إلى إضعاف التيار وإلى أعطال في المحطات.
كما تعمل المؤسسة منذ فترة على حفر بئر ارتوازية في محيط نبع الحاصباني وآخر في سهل مرجعيون، بهدف توفير كميات إضافية لسدّ النقص المتنامي في مياه الشفة.
أزمة المياه الخانقة بدأت تضرب وبقوة بلدة شبعا التي كانت ينابيعها تغذي معظم قرى حاصبيا وبعض قرى مرجعيون، فباتت البلدة كما يشير رئيس بلديتها الحاج محمد صعب في وضع حرج وغير مسبوق، فمعظم اهالي البدة يشترون المياه عبر الصهاريج، علماً أن النازحين السوريين المقدر عددهم بنحو 7000 نازح في البلدة، رفعوا بدورهم من استهلاك المياه وبنسبة 50 الى 60 في المئة. وطالب صعب الجهات المعنية في وزارة الطاقة والمياه و«مجلس الإنماء والإعمار» والجهات الدولية الحاضنة للنازحين، العمل على حفر بئر ارتوازية في البلدة قبل فوات الأوان، لأن البلدية وبإمكانياتها المتواضعة عاجزة عن تلبية حاجة البلدة ونازحيها لمياه الشفة وللاستعمال المنزلي.
ينقل المياه على ظهر حمار في حاصبيا (طارق أبو حمدان)
تعليقات: