علي دقدوق
بنت جبيل :
حمل الطفل علي دقدوق حقيبته قاصدا مدرسته في يومه الاول. حلق فرحا في فضاءات بلدته السلطانية رغم ان الحقيبة وكذلك ثيابه لم تكن جديدة كأترابه في الصف. وعندما عاد الى أمه قصّ عليها بحماسة تسبق فيها كلماته أنفاسه اللاهثة جميع مغامراته. خلع مريوله وتناول غداءه على عجل وخرج ليلعب مع بنت الجيران في المنزل الملاصق كما اعتادا ان يفعلا خلال «عصرونيات» الصيف الفائت.
هذا ما كان، أما اليوم فقد شيعت السلطانية علي، قمرها الذي لم يكتمل... شيعته وهو بالكاد أكمل الربيع السادس من عمره، فكان يومه المدرسي الاول... والأخير.
هكذا قبل نصف ساعة فقط من موعد الإفطار صعد علي ملاكا في ليلة القدر التي تنزل الملائكة فيها على الارض، فأخلف موعده مع صديقته أمل مسلماني جارته ونظيرته بالعمر ولم يلحقها ليلعبا على الكمبيوتر كما وعدها، بل كان له موعد مع الشهادة التي انتظرته عند زاوية الحقل الفاصل بين منزل ذويه ومنزل الجيران، حيث خطفت حياتـه قنـبلة عنقـوديـة من قنابـل الحقـد الإسـرائيلية.
في المنزل الواقع تحت مستوى الطريق والذي يلفه شريط الالغام الخطر والذي جاء متأخرا، مظاهر العزاء مكتملة. فالفقيد اجمل وأعز الناس على قلب ذويه، كيف لا وهو وحيدهم من الذكور «ربوه بالشبر والنذر» كما يقول والده حسين الذي اثقلت الفجيعة لسانه عن الكلام، اما البلدة التي اجتمعت على مصابها فجاءت ايضا لتستنكر الحادث الثالث في البلدة دون اي مبادرة حقيقة من المؤسسات الكثيرة العاملة في الجنوب لتفادي مثل هذه الفواجع.
في المنزل وعلى طرف سطح الدار شقيقتاه سارة وزينب تبكيانه، تفلفشان في اوراقه المدرسية وتحضنان شنطته وبعض الصور التي
جمعتهم في الايام الخوالي ودعاء من سارة «ان شاء الله يا أخي تكون الآن في الجنة».
والد الطفلة أمل، علي مسلماني يقول انه كان قد طلب من إحدى منظمات نزع الألغام أن تمسح المنطقة التي وقع فيها الحادث خاصة بعد ان وجدوا فيها بعد عدوان تموز 2006 ثلاث قذائف غير منفجرة، الا ان تلك المنظمة اكدت لهم ان المنطقة نظيفة ولا يوجد فيها شيء «والآن بعد وقوع الحادث اتوا ووضعوا الشريط».
التحق الطفل علي حسين دقدوق بالشاب حسين علي دقدوق الذي استشهد منذ اقل من سنة وبالطريقة نفسها، وغاب القريبان عن أعين ذويهم والاهل والاقارب وعن اعين اهل البلدة التي تتمنى ألا تكون بانتظار الشهيد الثالث قبل ان يتحرك المعنيون لوقف هذه المجزرة.
تعليقات: