ذكرى رحيل نازك الملائكة‎

نازك الملائكة‎.. استراحت وقد شبعت من الدنيا. كان ادبها ترجمة للمثل العليا وصورة لواقع يترجم ما تحمل الحياة الانسانية من شعر بديع و ألم عمي
نازك الملائكة‎.. استراحت وقد شبعت من الدنيا. كان ادبها ترجمة للمثل العليا وصورة لواقع يترجم ما تحمل الحياة الانسانية من شعر بديع و ألم عمي


جمعتني الصدفة مع نازك الملائكة ( بغداد 23 اغسطس، 1923 _ القاهرة 20 تموز ، 2007) حين قرأت عن حياتها الادبية وهي التي لم يرد اسمها الا نادراً في الصفحات الادبية العربية. وهي صاحبة القلم الرائد في كتابة الشعر الحر والتي اسهمت في ولادة هذا الشعر الذي نشهده في يومنا الحاضر بمضامينه المختلفة. حيث يعتقد الكثيرون ان نازك الملائكة هي اول من كتبت الشعر الحر في عام 1947 و يعتبر البعض الآخر ان قصيدتها المسماة الكوليرا من اوائل الشعر الحر في الادب العربي. وهي القائلة " قد يكون الشعر بالنسبة للانسان السعيد ترفاً ذهنياً محضاً، غير انه بالنسبة للمحزون وسيلة حياة".

نازك الملائكة التي افتقدها العالم العربي منذ العام 2007 رحلت كملاك الى الاعلى، فكانت نقطة الصفر في رحلة عذابها وآلامها وها هي في قصيدة أنا تقول:

الليل يسأل من أنا،

أنا سره القلق العميق،

انا صمته المتمرد،

قنعت كنهي بالسكون،

و لففت قلبي بالظنون،

و بقيت ساهمة هنا،

أرنو و تسألني القرون،

أنا من أكون؟

نازك التي صنعت نفسها بنفسها تجيد اللغات الانجليزية و الفرنسية و الالمانية و اللاتينية، بالاضافة الى اللغة العربية، و تحمل شهادة الليسانس باللغة العربية من كلية التربية ببغداد، و الماجيستير في الادب المقارن من جامعة وسكونس اميركا. نازك هذه التي صنعت نفسها او فلنقل انتجها المجتمع الادبي الذي عاشت و تربت فيه و هي ابنة الحفل الادبي بكل معنى الكلمة. لم توقف نازك الايام حتى استجوبت الزمن، فكانت صاحبة الكلمة الصادقة، و حين رسمت الايام فكانت اللوحة المبدعة. اتخيلها راحلة و هي في رحلتها تستعيد حياتها و هي الاديبة صاحبة الحس المرهف، والصدق في التعابير التي انتجتها المرحلة السياسية التي مرت بها. في رحلتها الادبية يظهر جلياً تأثرها بالموقف المتشائم للفيلسوف الالماني شوبنهور الذي يلخصه بقوله : " لست ادري لماذا نرفع الستار عن حياة جديدة كلما اسدل على هزيمة و موت. لست ادري لماذا نخدع انفسنا بهذه الزوبعة التي تثور حول لا شيء؟ حتّام نصبر على هذا الالم الذي لا ينتهي؟

نازك الملائكة عاشت انسانيتها من خلال الشعر الحر فكتبت وهي صاحبة الفضل في الغناء للصلاة و الثورة:

اني انا عاطرة كالبرعمة

اني اضيء مثلما تشتعل الاقمار

انير للثوار

درب الليالي المعتمة

افتح في عيونهم نافذة النهار

أرش... في انفاسهم ضياء سائل

اذيب فيه نكهة البهار

كانت نازك عميقة الشعور شديدة التأثير، حريصة على شعرها و تصويرها الجميل للقصيدة، ولا شك ان كل عنصر من هذه العناصر قد الّف جانباً من جوانب تجربتها الشعورية التي ارادت اذاعتها بين الناس. بل لا شك ان تجربتها هذه كانت واقعية حسية، تخطّت حدود الزمان و المكان، لنتساءل معها عن الحب و العطاء والخير والشر والالم و المعاناة.

لقد كان ادب نازك الملائكة ترجمة للمثل العليا، صورة لواقع بل هو ترجمة لما تحمل الحياة الانسانية من شعر بديع و الم عميق في آن. كيف ننساها و هي التواقة ابدا للعطاء، هذا العطاء الذي اضحى من السمات الاساسية في شخصيتها. نازك الملائكة امرأة من القرن الواحد و العشرين، اغمضت عيونها، استقبلت كل الاحبة في لحظة وداعها، و هي التي تركت تراثاً لا يموت. و كيف تخمد النجمة اللألأة و هي تستمد النور من الشمس و القمر، و كيف يتوقف الينبوع الغزير و هو يتدفق بالجمال و العطاء.

نازك، ها هي الارض تودعك مجدداً ابنة بارة آتية من الم الغربة، حيث كان العبور، و ها هي ساعات الليل تعلن ان الجسد المتألم قد رحل مع اغماضات ساعات النهار و ان للغربة حدود.

في ذكراك نقول: نازك لم تمت، من قال ان نازك ماتت، هي استراحت وقد شبعت من الدنيا وارادت للحظة ان تنظر اليها وهي مقفلة العينين، و كأني بها تقول، وهي المشبعة بالعذابات، دعيني اماه استريح فقد مللت النظر الى الدنيا مفتحة العينين. من قال ان نازك ماتت، نازك لم تمت، كيف يموت من كان ادبه و فنه الاثر.

* هيفاء نصّار، أوتاوا - كندا

تعليقات: