طبخة فاشلة
كشفت مصادر صحفية امريكية مطلعه، عن خطة جهنمية نوقشت لمرات عديدة بعد اعلان الرئيس الامريكي انتهاء الحرب في العراق بعد اجتياحه مباشرة ، والتي اطلقها من على البارجة الحربية الامريكية متبجحا ان الحرب قد وضعت اوزارها .. وان العراق في قبضة القوات الامريكية . وأن ( الديمقراطية) التي غابت عن العراق طويلا سوف تعم منطقة الشرق الاوسط انطلاقا من العراق .. ولم يدر بخلد الرئيس الامريكي أن الحرب في العراق آنذاك قد ابتدأت بعد ان ضرب صفحا عن نصائح وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد .. والذي طلب اليه العزوف عن ذلك الاعلان على اعتبار ان وزارة الدفاع الامريكية لم تضع خطة متكاملة لما بعد الاجتياح . ولم يلق الرئيس الامريكي بالا لنصائحه .. مما احدث شرخا ما بين وزارة الدفاع والرئاسة وحملت فيها وزارة الدفاع كافة الاخطاء التي وقعت على عاتق برايمر الذي كان اتصاله مع الرئيس ومع تشيني مباشرة دون المرور على وزارة الدفاع واكبر تلك الاخطاء كما كشف المصدر كانت حل الجيش العراقي بكافة قواه والتي اعلم فيها رامسفيلد فقط بعد صدور قرار برايمر ..
ولقد اكدت تلك المصادر على ان الغرور الذي اصاب الرئيس الامريكي بعد الاجتياح قد جعله يهمل كافة مستشاريه ويتفرد بالقرار ولا يلقي لمعارضي الحرب بالا .. وقد اشارت تلك المصادر ان الرئيس قد ضرب ايضا صفحا عن نصائح والده الذي أكد له صراحة انه لم يقرأ تاريخ المنطقة جيدا .. ولم يفهم الكثير عن الشعب العراقي .. وطلب اليه ان يتعظ مما جرى في حرب العراق الاولى عندما توقف الاب عن اجتياح بغداد .. وكانت نصيحة والده ان يترك العراق حالما يدمر بنيته التحتية واسس النظام ثم يترك الامر للعراقيين .. غير ان دبليو بوش .. كانت نظرته للامور ابعد من والده .. فقد كان مصمما على احتواء البترول العراقي لسنوات طويلة قادمة .. وأهله تدينه المزيف ان يرى في اسرائيل وما تفعله وفعلته تحقيقا لنبوءات توراتية خرافية .. كما زينت له (الموساد) ان احتواء العراق يعني ان تنعم المنطقة (بالسلام) لحقب طويلة قادمة مما يضمن استغلال ثروات العراق وبتروله ربما لقرن قادم ..
وتحقيقا لرغبته التي زينها له عقله وبعض مستشاريه من المتطرفين .. فقد تخيل عالما زاهيا لنظرته الجنونية بان يبدأ في سحب عصاه واهمال الجزرة .. عكس ما كان يراه كل رؤساء امريكا من اطعام الفم بيد وسحب السكين باليد الاخرى .. فقد اراد الرئيس الامريكي ان يكسب دون خساره .. وان يقلص المساعدات القميئة التي يعطيها لاباطرة هذا العالم ويقصرها على مواد تافهة مما تلقيه امريكا في سلال المهملات بعد استخدامه .. وكان يجابه بعض الاصوات القليلة التي تعارضه في ادارته بالكثير من الحزم والصلافة .. وقد اهلته الصلاحية التي يعطيها الدستور الامريكي للرئيس بان يسير في خططه الخيالية حتى النهايه .. فتصور ان يقفز الى العالم الثالث بكامله مع الشرق الاوسط .. فوضع في عقول مقربيه موضوعة الفوضى الخلاقة التي (بنظره) يمكن ان تنشر الديمقراطية كما يراها .. وترتيب العالم كما يتخيله .. فانتشرت بذلك الفوضى في الكثير من دول هذا العالم تحت مسمى ( الحرية والديمقراطية) ..
ولم يغب عن بال الرئيس نظرته الدينية لكل تلك الامور .. فقد تصور ان اسرائيل هي الملاذ الديني الذي يمكن ان يدخله الفردوس اذا ما تبنى مطالبها .. وكرس كل نظرياته الخيالية لخدمتها دون النظر الى العواقب .. ولقد ذهب قبل ان يصبح رئيسا الى اسرائيل لكي يركع قرب حائط المبكى للتبرك به وانتظار المخلص عندما يأتي الى جبل الهيكل حيث تقوم القيامة .. وقابل اثناء زيارته الكثير من ( الرابايات) الذين يؤمنون ان الوقت قد ازف لحضور المخلص .. ولم يقولوا للرئيس الامريكي انهم هم الذين ذبحوا المخلص وجعلوه يعتلي قسرا خشبة الصلب دون وازع حسب معتقدات الرئيس .. ولكن المخلص لم يأت ذلك اليوم .. واضطر دبليو بوش للسفر ثانية الى تكساس حيث يقيم . ولم يبق من زيارته شيئا سوى كلمات الرابايات الذين وعدوه بان يدخلوه الفردوس حال بدء القيامة دون حساب أو عقاب .
ولقد وضعت الخطة فيما بعد قيد المناقشة في اجتماع دعي اليه صقور الادارة الامريكية يتقدمهم ديك تشيني ووزير الدفاع الامريكي آنذاك رامسفيلد .. غير انه لسبب غير واضح .. خرج وزير الدفاع منذ نصف الساعة الاولى من عقد الاجتماع .. ولا يعرف احد سببا لذلك .. غير ان المؤشرات التي قيلت ان وزير الدفاع قد تقول قبل ان تطرح الخطة على موضوعة الخطة المرحلية للعراق .. ولكن الرئيس اعترض بحجة ان الاجتماع مخصص فقط لبحث المرحلة الثالثة من الخطة العامة والتي تقضي بما ذكر آنفا .. ولقد رأى المجتمعون انسحاب وزير الدفاع فايقنوا جميعا ان الرئيس يريد لهذه الخطة ان تنفذ دون مناقشة .. وخيفة ان يخسر احدهم مركزه خرجوا جميعا نتيجة الاجتماع موافقون الا من بعض التعديلات التي ادرجت على الخطة ..
لقد طرحت الخطة موضوعات خطيرة نرى نتائجها فيما يجري حاليا في العراق .. وما يمكن ان يجري في ايران .. وما يجري في فلسطين ولبنان .. وما يحتمل اجراؤه في دول العالم الثالث .. غير ان التركيز الاكبر كان على الشرق الاوسط .. وحسب السيناريو الذي وضع في هذه الخطة .. ومن خلال بنودها يستطيع المرء ان يكتشف مدى ما وصلت اليه الادارة الامريكية من قناعة ان تغيير وجهالتاريخ وتنصيب امريكا زعيمة على هذا العالم هو ( الاسلم والاصوب) لقيادة العالم الى ( سلام دائم ) بعد ان تعم ( الديمقراطية) اجزاء هذا العالم .. ويخضع الجميع للسيد الامريكي الذي يملي عليهم اوامره فتنفذ فورا ..ولقد انتظر الرئيس الامريكي بلورة هذه الخطة .. وكلف العديد من مراكز الابحاث والدراسات للبت فيها بصورة سرية جدا .. غير انه وجد ضالته فيما قدمه سيناتور ديمقراطي في مشروع قال عنه انه غير ملزم للاطراف العراقية .. يقضي بتقسيم العراق الى دويلات ثلاث .. تمهيدا للانسحاب من العراق .. فايقن ان طرح هذا الامر من قبل الديمقراطيين تنصلا منه لاي مضاعفات يمكن ان تحدث حال التنفيذ ..
فلسطين :
لم تكن خطة الطريق التي طرحها الرئيس الامريكي قد اعلنت بعد .. وقد نوقشت الخطة قبل اعلانها مع شارون رئيس وزراء اسرائيل آنذاك .. واجرى عليها قبل اعلانها الكثير من التعديلات الجوهرية التي عرضتها اسرائيل في الزيارات المتكررة لمسئولي الادارة الاسرائيلية .. وقد طرح في الاجتماع موضوعة التخلص من عرفات بان اسند الامر لاسرائيل في القيام بهذا الامر .. وقد نوقشت الامور بمنتهى الصراحة.. فقد ذهب بعض المجتمعين ان الفوضى سوف تعم اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية بعد التخلص من عرفات .. وطرح البعض ان الرئيس الفلسطيني يمسك العصا من الوسط .. وان التوافق بين فصائل المقاومة في سياسته امر مفصلي .. وانه لا مجال لحدوث اقتتال فلسطيني فلسطيني ابان رئاسته .. وهذا يعني ان خارطة الطريق اذا ما رفضها عرفات سوف تتجمع الفصائل حوله فينتفى الغرض من تطبيقها او اعلانها .. لذا فقد ووفق على ان تطبيق الخارطة وفق الرؤية الاسرائيلية لا تتم الا بغياب عرفات عن الساحة نهائيا .. وكان الجميع يعرف ان عباس او قريع سوف يخلفه .. وان عباس هو الاقوى .. لذا فقد استدعي عباس سرا الى واشنطن .. وهناك طرح عليه موضوع خطة الطريق بتفاصيلها وتعديلاتها المرتقبة .. ولم يعط عباس رأيا في ذلك .. وانما فهم من مجريات الحديث مع الساسة الامريكيين أن الخطة سوف تنفذ ان لم يكن بالحسنى فبالقوة .. ووعد عباس بان يطرح الامر على بعض القادة الفلسطينيين ممن يتبعون خطوطه التعايشية السلمية مع اسرائيل ..
وفي الاجتماع الذي عقد لتنفيذ المرحلة الثالثة من خطة الادارة الامريكية .. كان عرفات قد غاب عن الساحة .. وكان عباس قد اصبح رئيسا منتخبا .. واصبحت حماس رقما صعبا في السياسة الفلسطينية بعد نجاحها في الانتخابات التي اجريت .. وادرك الجميع ان تنفيذ خطة الطريق التي هي جزء من المرحلة الثالثة للخطة الامريكية لا يمكن ان تمر الا بحدوث اقتتال فلسطيني فلسطيني .. ولم يدر بخلدهم ان غزة يمكن ان تنفصل عن الضفة الغربية باقتتال داخلي .. فقد كان هذا الامر بعيدا عن تفكيرهم .. غير انهم كانوا يأملون ان تصل الامور بين فتح وحماس الى الدرجة التي يحدث فيها اقتتال جزئي يمكن ان يحدث تغييرات في قيادة حماس لمصلحة السلطة الوطنية الفلسطينية .. ولقد تحقق نتيجة الاحداث التي تلت اكثر مما كانت تصبو اليه الادارة الامريكية ..وبذا فانها اتخذت من اعلان اسرائيل ان غزة كيانا معاديا قد حقق طموحات هذه الادارة .. فقامت على الفور بانها الدولة الثانية التي تعلن ان غزة كيانا غير مرغوبا فيه .. ليقوم الرئيس الامريكي بتبني دعوته في عقد مؤتمر دولي تنفذ فيه خارطة الطريق وفق دولة لا ( حماس ) فيها . وما زال الرئيس الامريكي يأمل حسب مرحلته الثالثة ان تقوم فتح باخراج حماس بالقوة من غزة .. بعد اعطاء الرئيس عباس امكانات تسليحية ودعم سياسي يمكنه من تحقيق هذا الامر .
لبنـــــــان
لم تكن حرب تموز قد وقعت بعد .. وكان الرئيس الامريكي يعتمد اعتمادا كليا على الجيش الاسرائيلي الذي (سوف) يقلب موازين المعادلة السائدة في العالم العربي .. بان يقضي نهائيا علىمعارضة الدولة السورية لما يجري في لبنان .. وقد شنت الولايات المتحدة جملة من الضغوطات على سوريا اسفر عنها خروج سوريا من لبنان .. بعد اغتيال الحريري .. وبذا فان الخطة التي وضعها الجيش الاسرائيلي باجتياح لبنان .. قد أمنت جناحها الايمن وظنت بانها سوف تستفرد بحزب الله الذي كانت المعلومات عن تسليحه ضئيلة لا تصل الا الى مستوى الشكوك .. اذ بعد الانسحاب السوري من لبنان .. ركزت الولايات المتحدة الامريكية جهودها في لبنان لكي تحدث الشرخ ما بين المعارضة والطرف الاخر .. ثم قامت باستدعاء وليد جنبلاط والحريري الابن الى واشنطن منفردين .. ولم تستطع في الوقت نفسه ان تستوعب رئيس التيار اللبناني الحر فخرج من واشنطن ناقما واتجه نحو باريس مقره في النفي قبل الذهاب الى لبنان .. لذا فان كل المؤشرات التي يفهمهما العقل تفيد ان جنبلاط والحريري كانا يعلمان عن الخطة العسكرية الاسرائيلية ( عبر واشنطن ) لتحجيم حزب الله . غير ان الرياح سارت بما لا تشتهي سفن واشنطن .. فاللبنانيون قد خبروا الحرب الاهلية لمدة ست عشرة سنه .. ولم تخلف غير الدمار والخراب للبنان .. واستطاع حزب الله ان يقلب المعادلة الامريكية الى عكسها ..
أيــــــــران :
لم تكن ايران ببرنامجها النووي هي الشاغل الاكبر للرئيس الامريكي .. بل اتخذها مشجبا يعلق عليه فشله في العراق .. ومن هنا .. وفي محاولة لصرف الانظار عما يجري في العراق .. ولكي يستميل اليه من يقفون في الوسط من اعضاء الكونغرس .. فانه هول الخطر الايراني بشكل صرفت معظم رجالات الادارة بما فيها بعض الديمقراطيين النظر عما يجري في العراق الى (كارثة ) اكبر يصورها الرئيس الامريكي عندما تحصل ايران على السلاح النووي .. ولم تكن هنالك قناعة لدى اي طرف امريكي حتى الديمقراطيين انفسهم بان برنامج ايران سلمي .. لكنهم رأوا فيه توطئة لصنع القنبلة النووية .. خاصة وان ايران قد اعتمدت على نفسها في تخصيب اليورانيوم .. ولم تلق بالا لكل النداءات والتهديدات التي وجهها الرئيس الامريكي واعضاء ادارته .. كما لم تلق بالا لبعض الجهات التي فوضها الرئيس بمحادثة الايرانيين .. واصبحت المسألة الايرانية مع مرور الوقت .. من اعقد المسائل التي يصعب حلها .. فقد بدأها الرئيس الامريكي كلعبة اطفال يلهو بها تعمية على ما يجري في العراق .. ولكنها اتخذت اسلوبا تحريضيا لكي يقتنع الجميع في الادارة وفي الكونغرس من ان امتلاك ايران لهذا السلاح يهدف بالدرجة الاولى الى مهاجمة اسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية مخيفة ..
وحماية لامن اسرائيل وعدم تمكين اي دولة في الشرق الاوسط من امتلاك السلاح النووي او التكنولوجيا النووية عدا اسرائيل .. فان الرئيس وصل الى حد التهديد بعمل عسكري لضرب المفاعلات النووية الايرانية .. ولم ينس من خلال عرضه للاحداث ان يؤكد ان المشكلة يمكن ان تحل بالطرق التفاوضية ..
وقد بدأ العمل من خلال المقاطعة التي يعرف جيدا انها لا تؤثر كثيرا على ايران .. لان ايران لها من المنافذ ما تستطيع معه ان تتفادى العقوبات الامريكية وحتى عقوبات الامم المتحدة .. فطالما تمتلك ايران المال فانها حتما سوف تخرج من ورطة العقوبات لكي تتجه الى الجوانب الاخرى التي تحتاج للمال لبناء اقتصادها او لتعديله .. وكانت روسيا من اوائل الدول التي يمكن لايران ان تستميلها الى جانبها وذلك لحاجة روسيا الى المال .. خاصة وانها قد انصرفت في المدة الاخيرة الى بناء اجهزتها العسكرية والتسليحية والتقنية .. في مجابهة بدت في اول الامر كلامية .. ثم اصبحت حقيقة واقعة امام عيون الادارة الامريكية .
لقد ظهرت المرحلة الثالثة من خطة الرئيس الامريكي في الاجتماع الذي عقدته اركان الادارة لبحث تنفيذها ولو ادى ذلك الى وقوع كوارث في منطقة الشرق الاوسط .. فمن العقوبات سوف ينتقل الرئيس ( حسب الخطة) الى التنفيذ .. وقد ساعده حظه في الرجل الذي اختير في فرنسا لقيادتها .. اذ اطمأن الى ان المحافظين الجدد الذين برزوا في الولايات المتحدة قد بدأوا يكونون انفسهم في فرنسا .. وجزئيا في المانيا .. ومن هنا فان خطته الثالثة تقضي بتمتين اواصر هذا التحالف خاصة بعد ان تركت بريطانيا الميدان واكتفت بما قدمته من دعم للرئيس الامريكي في حربه على العراق نتيجة الضغط الشعبي عليها ..
ان مجريات الخطة تفيد ان الجيش الامريكي الاحتلالي لن يستخدم في الضربة على ايران .. اذ سوف يلجأ الطيران الحربي الامريكي بالتكفل بتدمير المحطات النووية الايرانية اضافة الى ضرب البنية التحتية الايرانية ضربات موجعة ومن ثم ايقاف الحرب فجأة بعد اصدار الامم المتحدة قرارا ملزما للجميع بوقف الحرب .. ولكن اعضاء الادارة من العسكريين نصحوا الرئيس بان لا يقدم على ذلك .. اذ ربما قامت ايران بتجميع قوتها ومن ثم مهاجمة العراق ليس بهدف احتلاله.. ولكن بهدف حشر القوات الامريكية فيه واستهدافها في عمليات عسكرية مقاومة تحدث ضررا كبيرا في صفوف تلك القوات .. ولقد ابلغوه ان معلوماتهم الاستخبارية عن القوات الايرانية تقول ان ايران تستعد استعدادا مكثفا على مدار اربع وعشرين ساعة يوميا في استنفار دائم .. مما جعل الرئيس الامريكي يجتمع مع اولئك العسكريين اكثر من عشر مرات في خلال الاشهر الماضيه .
سوريــــــا
سبب الموقف السوري الممانع للرئيس الامريكي صداعا دائما .. اذ لجأت سوريا الى اتباع اساليب تكتيكية ذكية لكي تمتص نقمة الرئيس وتسحب البساط من تحته امام الكونغرس والرأي العام الامريكي .. فبالرغم من الاتهامات المتتابعة لسوريا بانها وراء ما يجري في لبنان بدءا من قتل الحريري وانتهاء بالتفجيرات التي تتم لمسئولين لبنانيين. فان دليلا واحدا لم يثبت تلك الاتهامات .. ولقد جندت المخابرات الامريكية كل جهودها لكي (تفبرك) تهمة واحدة يثبت حدوثها ولكنها لم تستطع حتى هذه اللحظة .. ولم يستطع الرئيس الامريكي ان يقف على ملأ ليقول للعالم انه يتهم سوريا ويعطي دليلا او بعض دليل .. بل كانت جل احاديثه تتبع الظن فيما يقول .. فقد اتهم سوريا بانها وراء تأجيج الاوضاع في العراق .. وانها تهرب المقاتلين عبر حدودها لقتال الامريكيين .. وقامت سوريا بالمقابل بامتصاص ما قاله الرئيس بان ارسلت وزير خارجيتها الى العراق ليعيد العلاقات معه .. واتهمها الرئيس الامريكي ظنا بانها وراء قتل الحريري فقامت سوريا بالموافقة ضمنا على تشكيل المحكمة الدولية وفق تحفظات قالتها في مجلس الامن .. ومن ثم اتهمتها الادارة الامريكية بانها تسعى للحصول على التكنولوجيا النووية ووقعت اسرائيل في الفخ فقامت طائراتها بالاستطلاع لكنها لم تجد شيئا .. وفي الوقت الذي كانت فيه الادارة الامريكية تحاول اختلاق عاصفة كاذبة كانت سوريا تحني رأسها للعاصفة حتى تمر .. فتنفي عن نفسها تهم الارهاب وايواء الارهابيين بل وتلاحق بعض الفئات التي جندت لتخريب الاوضاع الامنية في القطر السوري ..
ولقد تبخرت كل الذرائع التي تحاول الادارة الامريكية الصاقها بسوريا فلجأت الى اسلوب اللعب على الاعصاب فقامت اسرائيل بمناورات ضخمة في منطقة الجولان .. استعدادا كما يقال لحرب قادمة .. ورغم نفي الاسرائيليين بان المناورات استعداد مسبق .. فانها كانت تهدف الى استنزاف الجهد السوري وابقاءه في حالة استنفار دائم ..
لقد وضعت الادارة الامريكية بالتنسيق مع اسرائيل خططا بديلة يمكن ان تنفذ في اللحظة المناسبة .. واذا ما كان الرئيس الامريكي يعرف ان المنطقة واعني منطقة الشرق الاوسط لا يمكن ان ( تهدأ) الا اذا تخلت سوريا عن مواقفها الوطنية والقومية .. فقد تضمنت الخطة في مضمونها اجتياحا امريكيا اسرائيليا يبدأ من العراق والجولان في آن واحد .. وينتهى بتدمير قوة الجيش السوري والزحف على لبنان لانهاء حزب الله .. بمساعدة من اطراف لبنانية تتسلح تسليحا مكثفا سريا لمعاونة الجيش الامريكي والاسرائيلي معا .. لكن المعلومات التي حصلت عليها الادارة الامريكية مؤخرا قد افادت بان سوريا تحصن نفسها بمنظومة من الصواريخ التي يمكن ان تؤثر تأثيرا مباشرا على سير الحرب .. خاصة وان تجربة اسرائيل مع حزب الله ما تزال ماثلة .. وهناك حوارات داخل الاجهزة العسكرية الامريكية والاسرائيلية بالتعاون مع القيادة السياسية في كلا البلدية لاستبدال الاجتياح بضربات جوية متلاحقة وقوية أملا في تدمير منظومات الصواريخ التي حصلت عليها سوريا من روسيا وايران معا ..
هذا الامر يجابه بمعارضة قوية من داخل الجهاز العسكري الامريكي .. ويدللون على ذلك باحتلا ل العراق .. اذ أن أمر الاجتياح سيكون سهلا في تدمير البنى التحتية .. ولكن الحفاظ على المواقع بعد الاحتلال أمر صعب للغايه .. خاصة وان الاحتياطي الامريكي الذي يحمي امريكا من الداخل قد استنزف جزء كبير منه في حرب العراق .. وان الاحتياطي الاسرائيلي الذي خصص للضفة الغربية وغزه .. يمكن ان يصاب بالشلل اذا ما تحركت قوى حزب الله والمقاومة الفلسطينية لرد الهجمة ..
وفي مجمل كل ذلك .. فان الوضع الامريكي الداخلي الذي يعارض الحرب ويسعى جاهدا لافشال مشاريع الرئيس في التوسع يمكن ان يجهض ما يقوم به الرئيس او خططه التي تهدف الى توريط الجيش الامريكي في حرب ربما كانت عواقبها وخيمة ..
عزل مصر
وضعت الادارة الامريكية بشخص رئيسها أن مصر لن تدخل المعركة .. وهذا أمر طبيعي لما بين البلدين من ترابط خاصة في خدمات ما يسمى بالحرب على الارهاب .. ولكنها وضعت في اعتبارها ان الشعب المصري الذي قرأت تاريخه جيدا لن يسكت على ما سوف تنفذه الادارة .. وقد اولت هذا الامر مزيدا من الاهتمام في السنوات القليلة الماضية بان قامت بدعم المنظمات المدنية التي ترى انها يمكن ان تساعدها في تسكين الاوضاع الشعبية المصرية اذا ما نشب القتال .. ودفعت في سبيل ذلك ملايين الدولارات التي يرى الديمقراطيون انها تذهب هدرا .. فلم تستطع امريكا خلال تلك السنوات من أن تثبت في عقل الشعب المصري ان تلك المنظمات هي منظمات مدنية تهدف الى تحسين الاحوال الاقتصادية والمدنية والحقوقية للشعب المصري .. وتعرف جيدا ان المصريين قد رفضوها جملة وتفصيلا .. اكثر من ذلك اتهمت( بضم التاء) تلك المنظمات بالعمل كطابور خامس في داخل المجتمع المصري ..
ورغم ان الادارة الامريكية قد قلصت المساعدات العسكرية لمصر حسب اتفاقية كامب ديفيد وزادتها لاسرائيل .. فانها تعول كثيرا على الشرطة المصرية وقوات الامن المركزي الذي يتجاوز عدده ثلاثمائة الف مقاتل مدرب .. على تسكين الاوضاع المصرية بالقمع والقهر والقوة .. خاصة وان الانباء التي تسربت من الادارة الامريكية تقول بان تمويل تلك القوات تسليحا ولوجستيا ينبع من الادارة الامريكية .. ولا تدفع الحكومة المصرية مليما واحدا لمصاريف تلك القوات. وعموما فان الادارة الامريكية ترى ان هناك بعض المصاعب يمكن ان تحدث في مصر .. لكنها تعول على الرشوة التي يمكن ان تقدمها للنظام الذي يقف بكل قوته الى جانب ( الحرب على الارهاب ) في وقت اصبحت فيه مصر هادئة ولا وجود لخلايا ارهابية فيها ..
توسيع الهوة بين السنة والشيعة :
ما يجري في العراق صورة مصغرة عما تخطط له الادارة الامريكية .. فقد بدأت التجربة هناك .. أملا في الامتداد الى ايران وباكستان والهند ولبنان والسعودية والبحرين وبعض مناطق الخليج العربي واليمن وكل الامكنة التي يتواجد فيها الشيعة .. ولقد شاركت اسرائيل مشاركة فعلية في تأجيج الامر .. فقد دلت التحريات التي قامت بها الحكومة العراقية وجهات عربية اخرى ومن ضمنها سوريا بان تفجير الامامين العسكريين تم بمعرفة الموساد الاسرائيلي .. وبمعرفة جهات كردية وشيعية تأمل في دولة تنفصل فيها عن السنة في العراق . وما مشروع تقسيم العراق الذي صدر مؤخرا وصادق عليه مجلس الشيوخ الامريكي او كما قيل هو أمر غير ملزم .. الا توطئة لاصطناع دول طوائف متصارعة يتقاتل فيها السنة والشيعه .. والرابح الوحيد من القتال هم الاسرائيليون والامريكيون معا ..
تقسيم العراق :
تعرف الادارة الامريكية بان امر تقسيم العراق مرفوض من الشعب العراقي بكامله .. وليس الشعب العراقي فحسب بل يمتد ذلك ليشمل كل الشعوب العربية وحتى الانظمة التي تخاف ان يأتي الدور عليها .. ولكنها تهدف من وراء التقسيم الى تنفيذ أمر واحد قد يغير المعادلة في منطقة الشرق الاوسط .. وهو انشاء دولة كردية تلتقي فيها مصالحها مع الدولة الاسرائيلية .. وتطبق فيها نظرية قيام الدولة الاسرائيلية بمعنى عدد قليل من السكان مسلح تسليحا جيدا بتكنولوجيا حديثة متقدمة .. يمكن ان تظل شوكة في حلق الشرق العربي ويمتد في تهديده الى ايران وتركيا اذا ما حادت الاخيرة عن الطريق الامريكي ..
ولم يغب عن ذهن الادارة الامريكية .. ان أمر تقسيم العراق وانشاء ثلاث دول فيه مع دعم استقرار تلك الدول من خلال الدعم الامريكي .. يمكن ان ينسحب على باقي الدول العربية في المنطقة .. والتي تعاني من حكم دكتاتوري في معظمها .. خاصة بعد ان تقدم امريكا كل الدعم المباشر وغير المباشر لكي تعيش هذه الدول في جو من الاستقرار حتى لو كان ذلك بالقوة .. وبذا تتحول المنطقة بكاملها الى وضع يخدم المصالح البترولية الامريكية لعقود قادمة ..
الخلاصة
كانت الخطة الامريكية في مجملها تتكون من ثلاث مراحل وضعت منذ تسلم الرئيس الامريكي سدة الحكم وسبقت احداث الحادي عشر من سبتمبر .. وقد جاءت الاحداث في ذلك الشهر لكي تؤكد على وجوب تنفيذها .. فكانت الخطة الاولى اتهام العراق بامتلاكه الذرة واسلحة الدمار الشامل .. اما الثانية فكانت الهجوم على العراق وانتشار الفوضى فيه .. اما الثالثة فقد وضعت خدمة لاسرائيل في المنطقة .. وهي الخطة التي تحاول الادارة الامريكية ان تنشرها رغما عن تكاليفها الباهظة بشريا وماديا وعسكريا .. الا انها ( في حال تنفيذها ) سوف تكرس وجود اسرائيل لقرن من الزمان على الاقل .. في وقت يضعف فيه العالم العربي فلا يقوى على الممانعة ..
لكن المتتبع لما يجري في العراق .. وما يعتور المنطقة العربية من غليان ضد الخطط الامريكية .. لم تضعه الادارة الامريكية في حساباتها اللهم الا النزر اليسير .. فالاوضاع في العراق لا ولم تسمح .. والاوضاع الشعبية في الوطن العربي يمكن ان تقلب المعادله .. ومن هنا .. فان هذه الخطة التي يعتبرها بعض الديمقراطيين خيالية .. يمكن ان تنجح اذا ما ظلت الاوضاع العربية الداخلية على حالها دون تغيير ..
ونسأل الله ان يجنب الوطن الذي سالت الدماء على جنباته انهارا لكي يظل منارة في هذا العالم ..
تعليقات: