آخر مراحل صناعة دبس العنب (شوقي الحاج)
شهدت زراعة العنب، في السنوات الماضية، توسعاً شمل آلاف الدونمات من الأراضي الجبلية الصالحة لهذه الزراعة، بعدما شكل دبس العنب عنصراً مهماً تحتاج إليه السوق المحلية والخارجية، باعتباره منتجاً طبيعياً ذا قيمة غذائية مفيدة للصحة، ورافداً مادياً يساهم في رفع دخل المزارع، ويساعد في تحسين أوضاعه الاقتصادية.
دبس العنب، المعروف من جانب المزارعين والمواطنين في منطقة راشيا باسمه المتوارث «أبو عصبين»، ترتفع إنتاجيته بوتيرة بطيئة، لكون هذه الإنتاجية مرتبطة بعوامل عدة، أبرزها: الإنتاجية والنوعية والأسعار، إذ كلما كان إنتاج العنب وفيراً والنوعية جيدة والأسعار معقولة، ازداد الطلب عليه في السوق المحلية وفي الأسواق الخارجية. في المقابل، يُلاحظ انخفاض الكميات التي تستخدم في الصناعات الغذائية وفي إنتاج الدبس.
يلفت الشيخ سهيل القضماني، الذي يملك أكبر معصرة عنب في راشيا، إلى أن موسم إنتاج الدبس يبدأ في النصف الثاني من أيلول ويستمر بين الخمسين والستين يوماً. ويعتبر أن «دبس العنب منتجٌ غذائي وصحي، ويزداد الطلب عليه في السوق المحلية وفي مراكز انتشار الاغتراب اللبناني». ويقول إن «راشيا تنتج بحدود عشرة آلاف طن من العنب بمختلف أنواعه، وتستغل كميات غير قليلة منها في الصناعات الغذائية، وفي صناعة النبيذ، وإنتاج الدبس، التي يصل الإنتاج السنوي منه إلى نحو 250 طناً».
ومن أبرز الأصناف المستخدمة في صناعة العنب، الفضي، السرعيني، الشموطي، العبيدي، التي تقارب نسبة حلاوتها عند العصر 25 في المئة، فيما يُعتبر التفيفيحي والبيتموني من أكثر الأنواع تصديراً إلى الخارج، خصوصاً إلى دول الخليج وأوروبا وآسيا، حيث تراوح قيمة الكميات المصدرة بين الـ3 آلاف و4 آلاف طن من العنب، إذ إن الدول المستوردة للعنب تتشدد بفرض المواصفات على النوعيات المصدرة. أما السوق المحلية فتستهلك ربع الكمية المنتجة، الى جانب بعض الكميات التي تستخدم في صناعات العرق، والنبيذ الذي أصبح ذا حضور قوي في العالم.
ويعتبر القضماني أن «كميات الدبس المنتجة سنوياً قيمة مضافة تساهم في رفع الدخل لأصحاب الملكيات الصغيرة والكبيرة، وتحدّ من أزماتهم المعيشية والاقتصادية، خصوصاً أن كمية العنب المستخدمة في إنتاج الدبس لا تمتلك المواصفات المطلوبة للتصدير، ولا تقارب بنوعيتها المعدّة للبيع في الأسواق المحلية». ويؤكد أن زراعة العنب قديمة في راشيا، مشيراً إلى أن «انتشار المعاصر الصخرية القديمة بالعشرات في كل قرية من قرى المنطقة، دليلٌ على قدمها، لكنها اليوم تقلصت وتراجعت إلى حدود ثلاث معاصر حديثة، تتركز في بلدة راشيا الوادي، التي تستقبل في الموسم السنوي نحو ربع الكمية المنتجة من العنب، لتحويلها الى دبس بنوعيه السائل والجامد». ويوضح أن تشغيل معصرة واحدة يحتاج إلى ما بين 10 و20 مختصاً وعاملاً، لكن عملهم موسمي ولا يستمر أكثر من شهرين.
ويشرح القضماني مراحل تصنيع دبس العنب: تبدأ بعملية العصر وفقاً لمبدأ الحلاوة ونسبتها، التي يمكن أن ترتفع إلى نحو 25 في المئة وما فوق أو تتدنى إلى نحو 18 في المئة وأقل، ثم تُضاف مادة «الحوارة الصلصالية» المعروفة بـ«تراب الدبس»، بمعدّل 400 غرام لكل 20 ليترا من عصير العنب، وهي مادة متوفرة بكميات في الجبال وتعمل على ترقيد العصير. وبعد الترقيد والتبريد، يتم تفريغ العصير في حلل مصنوعة من «الستانلس»، ويتم طبخ العصير على البخار على درجة يمكن أن تصل إلى 100 درجة مئوية، بينما تكون درجة الرطوبة 20 في المئة، وهي درجة تؤشر إلى نضوج الدبس.
وبعد نضج الدبس يتم تبريده من جديد، وإما يُعبأ سائلاً في «مرطبانات» وإما يتم خفقه بواسطة خفاقات كهربائية خاصة، لتحويله الى دبس جامد بلونيه الأشقر الفاتح أو الغامق، ثم تتم تعبئته بعبوات خاصة لتسويقه محلياً، أو خارجياً حيث ينتشر اللبنانيون في أميركا وكندا وأستراليا ودول أميركا اللاتينية.
أما كلفة إنتاج الدبس، فيؤكد القضماني أنها مرتبطة بسعر الوقود، وتراوح بين 2500 و3000 آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد، ويُباع في السوق المحلية بحدود 8 آلاف ليرة للدبس السائل، بينما الدبس الجامد الذي يكتسب اللونين الأشقر الغامق أو الفاتح، تراوح أسعاره بين 10 و12 ألف ليرة.
فوائد «أبو عصبين»
يشدد الشيخ سهيل القضماني على أهمية شرب المياه الممزوجة بدبس العنب السائل يومياً. فالدبس، وفقه، ينقي الدم، ويساهم في القضاء على ما يعرف بالتشمع في الكبد، ويعمل على تليين بقايا الأكل في المعدة، ويُستخدم كعلاج للخلاص من مرض «التيفوئيد»، والأهم أنه ينشط الأعصاب. وإطلاق تسمية «ابو عصبين» على الدبس لم يأتِ من عدم، إنما التسمية قديمة ومتوارثة من الأجداد إلى الآباء والأولاد، نظراً إلى أهميته الغذائية، والحصانة الصحية التي يوفرها للأعصاب، فيجعلها أعصاباً قوية ومتينة ونشيطة ومتيقظة، ويبعد عنها الأمراض.
خلال تحويل عملية عصير العنب إلى دبس (شوقي الحاج)
تعليقات: