الصحافة الورقية تحت المجهر ومهددة أمام الصحافة الالكترونية
هل مستقبل "صاحبة الجلالة" مهدد أمام الصحافة الالكترونية؟
رغم الطقس الماطر وغضب الطبيعة، قصد زوار معرض الكتاب الفرنكوفوني الـ21 مجمع البيال محاولين إيجاد فسحة ثقافية تضج بالأمل في أحد أروقة المعرض. في جولة على الأجنحة، بدت وجوه الناس في أمسية السبت أكثر فرحاً وسكوناً مما هي عليه بعض وجوه المارة العالقين في زحمة سير أزقة بيروت الغارقة بأمطار الشتاء.
من هنا، إرتأى بعض المدمنين على الثقافة الفرنكوفونية أن يقضوا وقتاً ممتعاً في إكتشاف جديد اللغة الفرنسية ومتفرعاتها. فالجولة على أجنحة المعرض تبعث الراحة وسط تنظيم لافت للأجنحة التي تخصص بعضها كتباً جديدة للأطفال. أما العلامة الفارقة فكانت دينامية تلامذة مدارس "البعثة الفرنسية العلمانية" الذين جاؤوا للتعبيرفي جناح خاص لهم عما يريدونه، إن في الرقص أو الموسيقى أو المسرح الإرتجالي أو قراءة الشعر الكلاسيكي أو المعاصر، وهذا ما إستوقف عدداً كبيراً من الزوار.
الصحافة الورقية "تحت المجهر"
تعددت اهتمامات المعرض الفكرية والثقافية، وأثارت بعض ندوات مساء السبت قضايا ملحة وآنية، وبينها ندوة تناولت واقع الصحافة المكتوبة ومستقبل الصحافة الورقية ومدى ديموميتها في ظل وجود الصحافة الإلكترونية. هذه الإشكالية للطاولة المستديرة التي دعت إليها المنظمة العالمية الفرنكوفونية طرحت سؤالاً وجيهاً عما إذا كان ما زال للصحافة قراء يتابعونها وصولاً إلى طرح العلاقة بين الصحف والناشرين والوسائل الإعلامية والقراء.
وضع مدير الجلسة رئيس تحرير مجلة "الماغازين" بول خليفة إطاراً لمداخلات المحاضرين معتبراً أن ما يجمعهم هو شغف المهنة، مهنة الصحافة. رغم رفضه لتعميم هذه الظاهرة، رأى خليفة أن البعض ينعي الصحافة الورقية المضمحلة أو يتوقع زوالها مستنداً الى أن هؤلاء يعتبرون أن الفئة الشبابية لا تشعر بالإندفاع لقراءة الصحف أو حتى لمطالعتها. كما عرض لواقع مغاير كلياً لهذه النظرة التشاؤمية مشيراً إلى أن إصدار المجلات المتخصصة في العالم هو أفضل مما هو عليه في ما خص واقع الصحف حيث يشهد العالم إصدارات لهذه المجلات تتراوح بين 600 و 800 إصدار جديد تتناول فيه مواضيع متخصصة ومتنوعة.
بعد إعتبار قراءة الصحف مدخلاً أساسياً للمطالعة، توقف خليفة عند دور الصحافة المكتوبة وناشري الصحف والصحافيين العاملين فيها الذين يرون أنفسهم ملزمين بإيجاد طرائق جديدة للتعاون في ما بينهم بهدف إبعاد هاجس الصحافة الإلكترونية.
بدورها، إعتبرت رئيسة مجلس الادارة ورئيسة التحرير في جريدة "النهار" نايلة تويني أن العلاقة بالصحافة تختلف تبعاً لفئات عمرية عدة، منها الشباب الذين يميلون إلى متابعة الأخبار التي تصل إلى أجهزتهم الخليوية أو من خلال مواقع التواصل الإجتماعية الحديثة بينما تتمسك الفئة العمرية الأكبر سناً بمتابعة الأخبار من خلال قراءة الصحيفة الورقية والتي تمكنت بدورها وعلى مدى الأعوام من بناء علاقة عاطفية وثيقة ومتينة وشبه أزلية مع القارىء إلى حد كبير.
وتوقفت تويني عند التحديات التي تلازم العمل الصحافي الإلكتروني والذي يفرض التقصي من المعلومة قبل كتابتها تفادياً لأي إلتباس. وإعتبرت أن الصحافي الذي يدخل المهنة من خلال عمله في الوسيلة الإعلامية الاكترونية لا يشعر بالتفاوت الذي يسيطر على نمط عمل الصحافي الذي يعمل في آن واحد في صحيفة ورقية وموقع صحافي إلكتروني.
من جهة أخرى، نوهت بعلاقة الثقة التي بنتها جريدة "النهار" مع قرائها والتي عملت جاهدة على المحافظة عليها منذ تأسيسها إلى اليوم. وتوقفت عند الجهود التي يبذلها ناشرو الصحف الورقية في تطوير هذه الوسيلة ولاسيما من خلال تحديث إخراج صفحاتها أو إعتماد قياس جديد "كالتابلويت" للجريدة أو فرض أحجام محددة للصور الفوتوغرافية في المواضيع داخل الجريدة.
في العودة إلى رؤيتها للصحافة الإلكترونية، فقد إعتبرت تويني أن الموقع إلكتروني لـ"النهار" عمل على إستهداف جمهور أوسع محلي وعالمي لا يهتم فقط بعالم السياسة المحلية والعالمية بل وفر لكل من هو شغوف بكل ما هو غير سياسي و بكل جديد فقرات خاصة، كفقرة المشاهير، الصحة وما شابه. وعما إذا كان الموقع الإلكتروني لـ"النهار" يتفادى الوقوع بالمحظور عند معالجته أي موضوع، قالت تويني: "إن مصدر تقصي أي موضوع صحي أو جنسي يأتي من مصدر طبي وذلك لتفادي أي لغط أو إلتباس".
أما الصحافية المغربية ناديا لاماركبي المقيمة في باريس فقد إعتبرت أنها لا تملك جواباً واضحاً على الإشكالية المطروحة والتي تناولت سؤالاً عما إذا كان للصحافة قراء يتابعونها. إنتقلت إلى محور آخر حددت من خلاله العلاقة بين الكاتب والصحافي ومدى ترابط كل منهما بالآخر. وشددت على أهمية كتاب المقالات الذين هم غالباً المحور الأساسي لجذب القارىء لمتابعة وسيلة الإعلام. وشددت على الفارق الواضح بين الصحافي الملزم بتقصي المعلومة من مصدرها قبل نشرها وبين الكاتب الذي يمكنه الغوص في تفاصيل خاصة به من دون أي قيد أو شرط لكتابة رواية تشبهه كثيراً.
بالنسبة لرئيس تحرير "الإكونوميست" محمد بينادي الصادرة في المغرب، فقد حذر من وقوع البعض في محظور عدم تحديث الصحافة والتي تترتب عليه عواقب كبيرة داعياً مالكي الصحف إلى الإستثمار في الجهاز التوظيفي عبر توفير جودة في العمل وفريق عمل مخضرم يضمن من خلاله موارد إقتصادية داعمة لوسيلة الإعلام.
من جهة أخرى، إعتبر مروان عبدو حنا من دار نشر سمير أن إصدارات الدار متخصصة بالتلامذة والفئة العمرية الشبابية. بعد أن شدد على توسع إنتشار كتب الدار في فرنسا، ورأى أنه لا يمكن تسويق الكتب الصادرة عن الدار في لبنان إلا من خلال بيئة تعليمية أو مدرسية. إنطلاقاُ من ذلك، أدركت الدار أهمية التعاطي مع الإعلام من خلال تأسيس مكتب متخصص للتواصل مع هذه الوسائل لخلق صلة تواصل معها تعطي لهذه الكتب حقها.
ختاماً، توقف المسؤول عن الملحق الأدبي الصادر عن جريدة "الأوريان لو جور" الكسندر نجار عند مراحل إطلاق هذا الملحق التي تعود إلى العام 1929 وما رافقها من محطات توقفت فيها الجريدة عن نشر الملحق . واضاف أن الملحق اليوم الذي هو منشور شهري يضم مجموعة ثقافية لبنانية رائدة تشارك في إصداره ومنهم شريف مجدلاني و جبور الدويهي وسواهما. وإعتبر أنه "يمكننا ملاحظة مدى نجاح هذا الملحق من خلال متابعة الجمهور الفرنكوفوني للنسخة التي تتوفر على موقع الجريدة الإلكتروني من جهة و توجه القراء لشراء الكتب التي يتم تناولها في كل نسخة من جهة أخرى".
تعليقات: