الحاصباني يئن من زيبار الزيتون..حتى إشعار آخر


حاصبيا ـ

في كل موسم زيتون تعود حكاية ابريق الزيت المتمثلة بزيبار الزيتون الناتج من عصره والذي اول ما يتلوث بسببه هو نهر الحاصباني قاتلا بدربه الحياة النهرية وحتى الزراعية عند ضفتي النهر، ويتبين ذلك مع هطول الأمطار، إذ بين ليلة وضحاها يتحول لون مياه النهر الى أسود ، يترافق ذلك مع رائحة الزيبار الكريهة، حيث تنتشر سبع معاصر بالقرب من ضفتي مجرى النهر، في وقت يؤكد اصحابها ان هذا التلوث ليسوا هم المتسببين به، وانهم ينقلون الزيبار بواسطة صهاريج الى حقولهم البعيدة عن مجرى النهر ويوزعونها فيها لتصبح سمادا للتربة، وهناك ايضا بعض المعاصر في القرى المحيطة بحاصبيا ترمي زيبارها في الأودية التي تجرفها السيول لتصب أخيرا في النهر وتفعل فعلها فيه.

التلوث هذا يحصل على الرغم من الإجتماعات التي يعقدها قائمقام حاصبيا والبلديات، في بداية كل موسم، مع اصحاب المعاصر ويطلب اليهم عدم التعدي على مجرى النهر والينابيع والمياه الجوفية، ويقوم هؤلاء بالتوقيع على تعهد بهذا الشأن، وحتى اليوم ليس هناك من مسؤول عن هذا التلوث الذي يكاد يقضي على الحياة النهرية والزراعية وحتى السياحية، وكأنه ينقص النهر، الجفاف الذي يصيبه نهاية كل صيف؟!

ويعتبر البعض من اصحاب تلك المعاصر ان الأمر يحتاج الى حل جذري يفوق قدرتهم، إذ ان العديد منهم اقام خزانات لتجميع الزيبار ومن ثم نقله الى حقول بعيدة عن النهر. ويشير رشيد زويهد صاحب معصرة في حاصبيا الى ان «هذا الجهد فردي ويحل المشكلة جزئيا»، مناشدا الجهات المعنية «إيلاء هذا الأمر الإهتمام اللازم تخفيفا من الأعباء المادية التي نتكبدها وحفاظا على الطبيعة ومصادر المياه من التلوث».

وهذا العام، قامت بلدية كوكبا بتشغيل محطة التكرير عند اطراف البلدة غربي نهر الحاصباني، «بكلفة تصل الى الف دولار من كل معصرة للموسم، فيما نقل الزيبار الى المحطة يكون على اصحاب المعاصر»، حسبما يؤكد الياس متى، صاحب معصرة في كوكبا، «وانا قمت بتمديد أنبوب لنقل الزيبار من معصرتي الى محطة التكرير وهكذا تخلصت نهائيا من مشكلة الزيبار بطريقة علمية ومفيدة للبيئة».

وتجدر الإشارة الى ان زيبار الزيتون، أو عكر الزيتون، ينتج من عصر الزيتون وهي مادة تحتوي على مركب «الفينول» الذي لا يتعرض لأي تغيير في خصائصه أو تكوينه الكيميائي عندما يتسرب إلى عمق الطبقات الأرضية فيتجمع في التربة ويبقى فيها وصولا إلى مرحلة التشبع دون التحلل، ويمكن أن ينتقل بواسطة المياه الجارية التي تتكون نتيجة لعمليات الري أو لهطول الأمطار وبالتالي زيادة رقعة التلوث، ويعتبر الزيبار النسبة الأعلى مما ينتج من عصر الزيتون من الجفت، أي كسر بذور الزيتون، والزيت، وتبقى الطريقة الأفضل للحد من التلوث الناتج عن مخلفات معاصر الزيتون عن طريق إتباع عدة وسائل معالجة كالتخمير اللاهوائي أو التخمير الهوائي وغيرها، كما يقول الخبراء.

محطة كوكبا

في منطقة حاصبيا عدد من محطات تكرير مياه الصرف الصحي، ومن بينها محطة كوكبا التي لديها القدرة على تكرير زيبار الزيتون، وقرر رئيس بلديتها الحالي ورئيس لجنة الدراسات والأشغال في اتحاد بلديات الحاصباني كامل القلعاني تشغيل المحطة خاصة وان في بلدته معصرتي زيتون «والمحطة لديها القدرة على تكرير بين 80 ألفا و100 الف ليتر في اليوم، في حين ان كل معصرة تنتج بمعدل وسطي نحو 6 آلاف ليتر من الزيبار يوميا»، مشيرا الى انه قد تم طرح هذا الموضوع من قبل اتحاد بلديات الحاصباني وبلديته في العام الماضي، على اصحاب المعاصر، وتحديدا الموجودة عند ضفتي الحاصباني لتكرير الزيبار في محطة كوكبا، «إلا انهم رفضوا ذلك بحجة انه لا يمكنهم تحمل اعباء نقل الزيبار من المعاصر الى المحطة وكذلك ما تتقاضاه المحطة لتكرير الزيبار»، مؤكدا ان «هذه الكلفة هي رمزية فقط لتشغيل المحطة وصيانتها وتأمين مادة المازوت لها لأنها لا تعمل على كهرباء الدولة».

ويلفت القلعاني الى انه «تم تقديم اقتراح آخر لأصحاب تلك المعاصر للتخلص من مشكلة الزيبار نهائيا ورفع الأذى عن مجرى الحاصباني تحديدا والأراضي التي يرمى فيها، ويقضي بمد أنبوب من تلك المعاصر مباشرة الى المحطة لنقل زيبار الزيتون، وبذلك يتم التخلص من كلفة نقل الزيبار، ولكن هذا المشروع كلفته عالية ويحتاج الى جهات مانحة، وهذا ما يتم درسه حاليا».

ويشرح القلعاني كيف تتم عملية تكرير الزيبار في محطة كوكبا، مشيرا الى ان «المرحلة الأولى تقضي بتجميع الزيبار في خزان التجميع الأولي، بعدها تجري عملية التنقية يليها ضخ الهواء ببرك التهوئة لتفعيل عمل البكتيريا المفيدة، ثم تأتي المرحلة الثانية من التنقية وتحوّل الى مصافي الحصى، ومن هناك يعاد ضخها الى محطة تكرير مياه الصرف الصحي التي تساعد في تكرير المياه المبتذلة التي تتحول الى مياه غير مضرة بالبيئة والحياة النهرية، والمرحلة الأخيرة تُرمى تلك المياه في مجرى نهر الحاصباني عبر أنبوب يمتد من المحطة الى النهر». ويؤكد القلعاني ان «هذه الطريقة هي علمية وتبعد الأذى والتلوث عن الطبيعة ومجاري الأنهر والمياه الجوفية نهائيا، والتجربة التي نقوم بها خير دليل على ذلك».

ويشير الناشط البيئي موسى شحادة من حاصبيا الى ان «ما يجري بحق نهر الحاصباني والمياه الجوفية كل موسم زيتون جريمة ومخجل ومعيب، خاصة ما يقوم به بعض أصحاب المعاصر في الليالي الظلماء من رمي للزيبار في مجرى النهر دون حسيب أو رقيب»، مطالبا «الجهات المعنية التحرك فورا لمعالجة هذه المشكلة ومعاقبة كل من يتعدى على نهر الحاصباني كونه الشريان الحيوي لحاصبيا ومنطقتها نهريا وزراعيا وسياحيا»، مؤكدا ان «ما تقوم به محطة كوكبا لتكرير الزيبار هي الطريقة المثالية والأفضل حتى الآن ويجب الزام اصحاب المعاصر بنقل الزيبار الى تلك المحطة مهما كانت الأكلاف مع انها ضمن المعقول».

ويبقى السؤال، أليس بالإمكان فرض هذا الأمر على اصحاب المعاصر للإلتزام به؟، بمعزل عن الأكلاف التي يتكبدونها حفاظا على الطبيعة والأنهر والمياه الجوفية.

موضوع ذات صلة:

- طارق ابو حمدان: "تلوث مجرى الحاصباني يفاقم مشكلة زيبار الزيتون الآتية"

تعليقات: