التمديد لمجلس نيابي فاقد للمصداقية والصلاحية حدث أثار سخرية العالم حول الديمقراطية المزعومة في لبنان، وجرّأ حتى صحيفة الوطن السوريّة على القول: "في تطبيق جديد ومبتكر لمبدأ الديمقراطية انتخب مجلس النواب اللبناني أمس نفسه، ممدداً ولايته حتى عام 2017 بحجة أن الوضع الأمني في البلاد غير مستقر، وسط تظاهرات احتجاجية على عدم إجراء الانتخابات البرلمانية".
.. لا شك أن الوقاحة التي أقدمت عليها المكوّنات السياسية ذات الخلفية الطائفية تشكل ضربة قاضية لما تبقى من أوهام الديمقراطية في بلد هزيل غارق في وحول همومه اليومية المحلية والمستوردة ، ولا شك أن هذه المكوّنات التي أدمنت سياسة النفاق والمسرحيات المكشوفة تتحمّل تبعات هذا القرار "الفضيحة"، وأنّه سيسجل للذين وقّعوا ومدّدوا لأنفسهم سهم السبق في تحويل النظام اللبناني من مسمى النظام البرلمانيّ الديمقراطيّ إلى النظام الطائفيّ الإقطاعي .
ولكن من يتحمّل المسؤولية الأولى والمباشرة عن تمرير هذا القرار وتطبيعه ؟
إذا استثنينا ثلّة من الشباب والشابات, أو ما يعرف بالحراك المدني، فإنّ أغلبية الشعب اللبناني مسؤولة عما حدث، وعلى هذه الأغلبية الصامتة والمستلحَقة والمؤدلجة أن تجني ثمار هزالها ورضوخها وضعفها، وأن تتحمّل تبعات الهيمنة والاستخفاف بالشعب الذي هو كما مصدر السلطات كما ورد في الدستور .
إن الشعب الذي ما حرّك ساكناً في أصعب الظروف وأدقها، وكان غائباً أو مغيّباً في أكثر الاستحقاقات المصيريّة والتاريخيّة، هو نفسه المسؤول عن الفرعنة التي مارسها النواب اللاشرعيين بكل صلافة, ضاربين بعرض الحائط أبسط مبادئ احترام الإرادة الشعبية وحقّ المواطن في انتخاب ممثليه في السلطة التشريعية .
ربما ينزعج الكثيرون من توصيف الأغلبية الشعبيّة اللبنانيّة بالقطيعيّة، وقد يعتبرها البعض إساءة لكرامة اللبنانيين الذين هم الشعب العظيم, والعنيد, وأشرف الناس وو.. هذا الانزعاج يذكّرني بأحد النواب الذين اعترضوا على شعار "حرامية ونص"، وقد غاب عن سعادة النائب المحترم أنّ حرمان المواطن اللبناني من ممارسة حقه في الترّشح والانتخاب هو ضرب من ضروب اللصوصيّة المشهودة !..
ثم بعد الذي حدث وما سبقه، وأمام كل الأزمات التي يصعب تعدادها وحصرها، وأمام الصمت المطبق للشعب والخنوع التّام والتبعيّة الصنميّة للزعماء التاريخيين والمتوارثين والمؤبدين، ماذا يمكن أن يقال ؟!
أين هو هذا الشعب الذي يدعي الفوقيّة والتفوّق على أهل المعمورة، وفضائياته تطفح ببرامج السخرية والإزدراء بشعوب العالم؟ أين هو هذا الشعب الذي لا يجيد سوى الهتاف والتصفيق والتصفير لأسياده وأولياء أمره والمتحكّمين بلقمة عيشه ؟ أين هو هذا الشعب الذي يدعي تصدير الحرف والحضارة للكون وهو يبيت دون ماء أو كهرباء أو أبسط مقومات العيش الكريم؟
أين هو هذا الشعب الذي يتشدّق بتعدد اللغات وهو لا يتقن إلا لغة الصمت والخنوع أمام إملاءات أسياده وأسياد أسياده في الخارج ؟
أين هو هذا الشعب الذي فُرض عليه مجلس نيابي فاشل وسرب من الببغاوات التي تردد أهازيج معلميها ؟!
أين هو الشعب العظيم، وفي بوركينا فاسو ونتيجة التظاهرات الشعبية وضغط الشارع ليوم واحد أعلن الرئيس تنحيه عن الحكم تمهيداً لانتخابات حرة ؟!..
بعد الذي حصل - وهو وصمة عار كبرى سيذكرها التاريخ- يجدر بنا أن نتواضع كثيراً، وأن نعترف بمأساوية الواقع الذي نعيش، وعلينا بدل التغنّي بالحريّة، والديمقراطيّة، والحداثة، والعولمة أن نكتفي بالتغني "بصحن الكبّة وجاط التبولة، وراجع يتعمر لبنان", وقد صدق الإمام علي عليه السلام حين قال : " كما تكونون يُولّى عليكم " ..
* الشيخ محمد أسعد قانصو
تعليقات: