اعتبر سعيد عقل ،خلال الاجتياح الاسرائيلي، أن كل لبنان يجب أن يقاتل بجانب \"الاسرائيلياني\" ضد \"العنصرية الدموية الفلسطينية\"، على حدّ تعبير
سعيد عقل والاسرائيلي "الشلعوط"!
بدأ نبش القبور قبل انطلاق مراسم دفن الشاعر الكبير سعيد عقل بثلاثة أيام، وما هي إلا دقائق بعد اعلان وفاته حتى بوشر رجم الميت على مواقع التواصل الاجتماعي. قلّبوا الصفحات وعادوا أكثر من 30 سنة إلى الوراء، فقط من أجل جلد الشاعر الراحل على مواقفه تجاه الاجتياح الاسرائيلي في العام 1982 وكأن اللبنانيين أحزاباً وأفراداً كانوا ملائكة أيام الحرب ينتظر أحدهم الآخر على الحواجز لتقديم الخير، وكأنهم لم ينقسموا على خيارات كبرى ومصيرية قبل أن يجلسوا معاً بعد اتفاق الطائف. فلنمعن اليوم النظر في الحلف الواحد، لنرى كيف ان أطرافه كانوا على نقيض عميق خلال الحرب.
بطبيعة الحال، فان رفض الحملة على الشاعر الراحل الذي ارتبط عطاؤه بصورة مرتجاة للبنان، لا يعني الموافقة على مواقفه -موضوع الحملة، خصوصًا عندما اعتبر خلال الاجتياح الاسرائيلي أن كل لبنان يجب أن يقاتل بجانب "الاسرائيلياني" ضد "العنصرية الدموية الفلسطينية"، على حدّ تعبيره. ولا يمكن أيضاً اجتزاء الموقف من سياقه التاريخي الجامع، فأصحاب الحملة على الشاعر صاحب "زهرة المدائن" يتجاوزون غضبه وغضب المجموعة حينها من تجاوزات الفلسطيني التي لم يلاحظها أنذاك أصحاب القضية من اللبنانيين، بسبب تعاطفهم مع قضية محقّة، وأسباب أخرى. "المسيحي" كان يرى في الفلسطيني مصدر قلق وعدم استقرار، وفي مرحلة ما تسببّ الفلسطيني غير المدني بمشاكل ومعارك وحروب، لكن رغم كل شيء بقيَ الاسرائيلي اسرائيلياً...والفلسطيني فلسطينياً صاحب قضية.
تتضمن الحملة مواقف لأشخاص، غالبيتهم يتظاهرون بالقومية العربية وهم يجهلونها، ينتقدون سعيد عقل صاحب المئة وعامين. لم يستفسر أحد منهم عن عقل ما بعد الطائف، عن الشاعر في حرب تموز 2006، عن "المصلحجي" تجاه لبنان. نعود إلى تاريخ دموي، ونسينا تاريخنا الدموي الجديد، أكان تاريخ من يناصرون "داعش" الإرهابية، أو النظام السوري المجرم. ومواقف هؤلاء تذكّر بسوريين في القنيطرة دفعتهم تصرّفات النظام والمعارك إلى الموافقة على مساعدة الاسرائيلي، لتأمين الغذاء والطبابة على الأقل.
أخبار ذات صلة
سعيد عقل وحكايات "البيت القديم" في زحلة
البكاء ممنوع
إنه "الشاعر الأكبر وما قبل الطائف ليس كما بعده"، إذ يستذكر الشاعر حبيب يونس في حديث لــ"النهار" استضافته أكثر من مرة الشاعر عقل بطلب من الاخير، في إذاعة "صوت الغد"، كي يعطي رأيه بما يسطّره أبطال الجيش اللبناني والمقاومة في الجنوب، خصوصاً في حرب "تموز - 2006".
يعلّق يونس أولاً على خبر وفاة عقل، بالدعوة إلى العمل بوصية هذا الشاعر الكبير بأن "المكان الذي يتواجد فيه دمع يزهّر فرحًا"، ويقول: "ممنوع البكاء على رحيل عقل، بل علينا أن نأخذ ما تركه من وصايا لنبني وطنا، خصوصا إذا راجعنا كتابه "غد النخبة" أو "الوثيقة التبادعية"، فهكذا تبنى الأوطان وليس بالأحكام المسبقة وبعدم معرفة حقائق الأمور".
أول من حذّر من الخطر الاسرائيلي
كان عقل حريصاً على عدم الردّ على شتائم الناس واتهاماتها، ويقول يونس: "ربما موقف عقل جاء في لحظة غضب، لكن التاريخ غدًا سيحكم في مَن معه حق". كما أن الراحل هو أول من حذّر من الخطر الاسرائيلي، والمعادلة الدولية فرضت الواقع والأحداث في لبنان، ولا ننسى أنه كانت هناك دولة رسمية تتعامل مع هذا العدو أنذاك...وعندما شعر عقل أن هناك كذباً من الاسرائيليين، انتفض وقام بالرفض الأكبر وشطّب على الاسرائيلي وقال انهم كانوا كذابين". وبناءً على ذلك، يشدد يونس على ضرورة النظر في مواقف عقل ما بعد هذه المرحلة. ويقول: "خلال تواجدي في الاذاعة كان عقل في كلّ مناسبة، يطلّ لإلقاء التحية على أبطال المقاومة والإشادة ببطولات الجيش، وكان يقول لي: من هم هؤلاء الـ 4 مليون شلعوط (الاسرائيليون) بَدّن يحكموا العالم؟"
الآن الآن وليس غداً
"ليس منطقياً هذا الحقد الأعمى على سعيد عقل، ماذا قدّم الذين ينتقدونه لفلسطين بقدر ما فعل هو؟ أليس هو من قال "الآن الآن وليس غدا أجراس العودة فلتقرع"، فكلّ التراث الذي كتب عن فلسطين لا يوازي بيتاً واحدًا من عقل عن فلسطين... فليسكتوا، وعيب عليهم". غضب يونس دفعه إلى القول لهؤلاء: "يا عيب الشوم عليهم، ضاعت الاخلاق ، وأقول.. قافلة المجد تسير وهؤلاء ... لا يؤثرون فيها".
تعاطف المسلمين وتجاوزات الفلسطيني
الأمين العام للجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي محمد السماك عاش تلك المرحلة ويدرك تماماً ما هي مواقف سعيد عقل، ويؤكّد أن وفاة الأخير هي "سقوط شجرة أرز في لبنان فهو من أعظم الشعراء العرب". ويوضح أن "عقل مثل اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعًا بتجاوزات الفلسطينيين التي وصلت إلى حد إقامة دولة ضمن الدولة، فحتّى المسلمين، وبعد نقد ذاتي للحرب الداخلية، شعروا أن من أخطاء الحرب ان التعاطف الاسلامي مع المقاومة الفلسطينية ذهب بهم إلى حد أنهم لم يروا تجاوزات الفلسطيني التي كانت تزيد من مخاوف القوى المسيحية والمثقّفين المسيحيّين على مستقبل لبنان".
خرجوا عن جلدهم
سعيد عقل واحد من هؤلاء، وقد عبّر عن ذلك بمواقف عدة، ويضيف السماك: "لكن بعدما انتهت الحرب وحصل اتفاق الطائف وعاد كلّ منّا إلى صوابه ورشده ولبنانه، عاد موقع سعيد عقل يتبوأ موقع المكرّم في الثقافة والشعر العربي وقصائده لها بعدها القومي التي أغنت الثقافة العربية".
استغرب السماك ردود فعل البعض المبنية على "زلات في فترات، فكل لبناني في سنوات الاقتتال الطويلة تلك، خرج فيها من جلده، لكن عندما تجاوزنا الامور وتفاهمنا على اتفاق الطائف وما بعده انتهى الموضوع وطوينا الصفحة كلها، والذي لا يعرف سعيد عقل ومساهماته الشعرية وتاريخه وثقافته وعشقه للبنان فأحكامه خاطئة عن هذا الرجل الكبير".
تعليقات: