إن نموذج التمكين الشيعي المستوحى من العراق، وهو مفهوم عمدت إيران الجريئة إلى استغلاله من أجل إنشاء «الهلال الشيعي» الذي يضم إلى إيران كلاً من العراق ولبنان وسوريا، أخذ حيّزاً واسعاً من الاهتمام في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام والدوائر السياسية في الغرب والعالم العربي. ومع ذلك، فإن هذه النظرية تشوبها عيوب جدّية إذ إنّها تقوم على عدد من الأسس الخاطئة، ليس أقلها الافتراض المتفائل بأن التجربة الشيعية في العراق قد أثارت الوعي السياسي لدى الشيعة في مناطق أخرى، لمجرد مشاطرتهم الانتماء الطائفي نفسه. إن هذه النظرة الاختزالية تفرط في تبسيط السياسات التي تقوم على الهوية الشيعية عبر غضّ النظر عن تفسير ما يعنيه أن تكون شيعياً وعبر تجاهل المفاهيم البديلة لتمكين الشيعة.
وقد يعود قبول عدد كبير من القوى السياسية الشيعية في العراق للاحتلال الأميركي، جزئياً، أو على الأقلّ إضفاء الشرعية عليه، إلى الوجهة السياسية الأكثر هدوءاً في الفقه الشيعي الذي يجسّده آية الله عبد القاسم الخوئي وخليفته آية الله علي السيستاني الذي وضع الأولوية للمسائل الدينية والأكاديمية على السياسية منها. لكن من يعارض هذا المعتقد هو المدرسة الفكرية الناشطة سياسياً والمراقبة بشكل أوسع التي طوّرها في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات رجال دين مثل آية الله روح الله الخميني والسيد محمد باقر الصدر والإمام موسى الصدر والسيد محمد حسين فضل الله. فأعاد هؤلاء الفقهاء تعريف المذهب الشيعي وشددوا على أنه ليس مجرد هوية ثقافية بل الأهمّ أن الشيعية هي هوية سياسية شكّلها الشعور التاريخي بالظلم ورفض القهر والإذلال، ويجسّدها الإمام الحسين الذي كان استشهاده بمثابة النموذج الثوري الذي يفترض بالمؤمنين الشيعة أن يحاكوه. وفي ضوء هذا الفهم، يكون مفهوم السلطة مرادفاً لمقاومة القهر والتبعية وللسعي إلى استعادة العدالة والحرية والكرامة والشرف.
وقد تُرجمت الثقافة «الحسينية» السياسية إلى هوية سياسية شيعية معادِية لإسرائيل ومناهضة للإمبريالية ومؤيّدة للمقاومة، وهي هوية تجد تجسيدها اليوم في حزب الله وإيران ــ النموذجين الحقيقيين للتمكين السياسي للشيعة ــ لا الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة. وعلى الرغم من معارضة حزب الله لرفع غطاء الشرعية عن الحكومة العراقية فوراً ودعم إيران العلني لهذه الحكومة، إلاّ أنّ اللاعبَيْن الاستراتيجييْن يتشاركان مفهوم السلطة السياسية نفسه الذي يختلف عن مفهوم العراقيين الشيعة.
وخلافاً للحكمة الشعبية، لا تهدف حملة الاحتجاج التي أطلقها حزب الله وحلفاؤه في لبنان إلى توفير حصة أكبر من السلطة السياسية للطائفة الشيعية بل لحلفائه من غير الشيعة. وتقوم أهداف الحزب الأساسية على حماية ما يسميه «أولوية المقاومة» والحفاظ على سيادة لبنان من الإملاءات الأميركية والغربية. وفي الواقع، لم يسعَ حزب الله، بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من لبنان عام 2000 ولا بعد هزيمة إسرائيل في حرب تموز 2006، إلى الحصول على أي رصيد سياسي كبير من نجاحاته العسكرية. ويعطي أنصار حزب الله الشيعة الأسبقية لمقاومته على أية مكاسب سياسية يمكن الحزب أو كل الطائفة أن يحصلا عليها في نظام سياسي يتيح تمثيلاً أكبر لهما.
وفقاً لنتائج استطلاع للرأي أجراه مركز بيروت الشهير للأبحاث والمعلومات في آذار الماضي، أعرب 98٪ من المستطلَعين الشيعة عن رفضهم نزع سلاح المقاومة مقابل إعطاء الطائفة الشيعية المزيد من السلطة السياسية، إذا طُرحت هذه المفاضلة. ويعتبر شيعة لبنان وحزب الله نفسُه أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية والخطر الذي تشكله إسرائيل على لبنان، بالإضافة إلى التدخل الأميركي والفرنسي الصارخ في الشؤون اللبنانية، قد عرّضوا سيادة لبنان واستقلاله للخطر، علماً ان شريحة كبيرة من النظام السياسي، بحجم الطائفة الشيعية، ستفقد موقعها إذا امتُثل للطلب الأميركي ــ الإسرائيلي بنزع سلاح حزب الله ووضع لبنان تحت وصاية أميركية ــ فرنسية.
يحكم منطق مماثل المواقف الشيعية اللبنانية تجاه الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة: فـ75٪ من المستطلَعين الشيعة يرون أن هذه الحكومة فاقدة للشرعية الوطنية، فيما 60٪ منهم لم يجدوا أي مبرر لتحالف المسؤولين العراقيين الشيعة مع الولايات المتحدة. وبالنسبة إلى حزب الله والطائفة الشيعية اللبنانية، فضلاً عن آخرين يشاركونهم في هذه الهوية السياسية، لا ينبغي الخلط بين السلطة السياسية والوظيفة الرسمية عند وجود احتلال عسكري و/أو سيطرة سياسية، فالتمكين الحقيقي يكمن في المقاومة. فالميل إلى الخلط بين أن «تكون في السلطة» والتمكين هو الذي أدّى إلى الفهم الخاطئ لكيفية قيام نموذج شيعي عراقي حول التمكين الطائفي. فمن منظور الناشطين الشيعة، فإن هيمنة الشيعة العراقيّين اليوم على النظام السياسي هي مجرد استبدال للقمع الذي تعرضوا له في ظل دكتاتورية صدام حسين، بالتبعيّة للاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. والحقيقة هي أن إقامة قوات الاحتلال ــ وعلى رأسها «الشيطان الأكبر» ــ دولة يهيمن عليها الشيعة لا تعني التمكين وسيكون مصيرها الوقوع في فخ الازدواجية إذا كانت ثيوقراطية شيعية تتلقى دعماً أميركياً.
بينما يكتنف الغموض موقف حزب الله من الحكومة العراقية، يمكن المرء أن يتبيّن، في مختلف مواقف الحزب من الوضع في العراق، هامشاً سياسياً واسعاً تركه الحزب بينه وبين السلطة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة، وهي مواقف أثارت، في العديد من الحالات، سخط العراقيين الشيعة. فقد اعتمد حزب الله سياسة الغموض البنّاء، من طريق تخفيف حدّة نقده اللاذع لقوات الاحتلال الأميركي ودعمه للمقاومة العراقية، مكتفياً بالنقد المبطّن للحكومة، وذلك لتفادي تنفير العراقيين الشيعة أو خلق انقسام داخلي شيعي. لكن، عدا عن التقارير التي لا تستند حتى الآن إلى أدلة والتي تزعم تورّط حزب الله في نشاطات المقاومة في العراق، يُذكر ان الحزب لطالما ندّد بشدّة بالاحتلال بقيادة الولايات المتحدة الذي أوصل الحكومة إلى السلطة وتحالف معها. وفي أحد خطاباته في أيار 2004، ساوى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بين لاشرعية وظلم احتلال العراق واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية: «هذا الاحتلال [للعراق] احتلال من نفس النوعية والماهية [للاحتلال الإسرائيلي]، في الهيمنة والتوحّش والتدمير والقتل وارتكاب المجازر، تحت نفس شعارات الديموقراطية والحضارة وحقوق الإنسان». ويتبع ذلك بالضرورة أن المقاومة المسلحة لهذا الاحتلال تصبح واجباً دينياً وأخلاقياً كما هي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بحسب إشارة نصر الله في كانون الثاني إلى ان الكفاح المسلح ضد احتلال العراق «جهاد» و«خلاص» للعراق.
على الرغم من أن حزب الله لم يعترف علناً بأن الحكومة ــ ما عدا جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر ــ فشلت في المشاركة في مقاومة الاحتلال لا بل أذعنت له، وعملت بطريقة وضعت شرعيتها موضع تساؤل ونأت بنفسها عن الهوية السياسية الشيعية التي تميّز حزب الله ومؤيديه، إلاّ أن الحقيقة هي ان دعوة نصر الله عشية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في آذار 2003، من أجل تحقيق المصالحة بين المعارضة الشيعية العراقية ونظام صدام، على غرار اتفاق الطائف اللبناني، هي محاولة واضحة لثني الشيعة عن التعاون مع المحتلين المقبلين وعن تحقيق أي مكاسب سياسية من الاحتلال الوشيك. وما معنى تفضيل حزب الله التسوية مع جلاد الشيعة السابق صدام حسين على التعاون مع قوات الاحتلال إلاّ اعتباره ان هذه القوات أكثر قمعاً من النظام العراقي. بالتالي، فإن أية سلطة سياسية ترتبط بهذه القوات فاقدة للشرعية. علماً ان إعلان نصر الله تضامنه مع العراقيين «شعباً» و«مقاومة» فحسب، مستبعداً الدولة أو الحكومة العراقية، يضفي مزيداً من الصدقية على هذا الاستنتاج، إضافةً إلى تأكيده في كانون الثاني من هذا العام: «إنهم [العراقيون] يجدون استقامتهم في العملية السياسية. وإذا سألوني وفقاً لتجربتي اللبنانية.. أقول ان الأميركيين لم يأتوا من أجل إقامة مؤسسات ديموقراطية في العراق ولا حتى تأسيس عراق ديموقراطي مركزي. جاء الأميركيون كي يقسّموا العراق والمنطقة بأسرها». وعلى رغم ان هذا الكلام غير مباشر إلاّ انه يعني تردّد حزب الله في تأييد العملية السياسية التي أوصلت إلى السلطة قوى سياسية شيعية مقرّبة من الحليف الرئيسي للحزب أي إيران. على رغم أن إيران تشاطر حزب الله تفسيره للتمكين، إذ إنّ سياستها الخارجية تتّسم بالمقاومة السياسية للقوى «الإمبريالية» والصهيونية، والمقاومة العسكرية غير المباشرة لهذه القوى من خلال دعمها حزب الله وحماس ومجموعات المقاومة العراقية، إلا أن المقاربة الإيرانيّة للوضع العراقي أكثر دقة من حزب الله وتسعى لتحقيق أهداف استراتيجية أوسع. وبصفتها دولة فاعلة ومؤثرة إقليمياً، لدى إيران تعريف أوسع للسلطة السياسية التي تشبه «السلطة المرنة» ــ سلطة للتأثير في سلوك الأطراف الفاعلة الأخرى من طريق التأثير الإيديولوجي أو الثقافي. فالسعي لممارسة السلطة المرنة هو ممارسة للتسلّل الإيديولوجي بأدوات سياسية لا ثقافية، مع التركيز على تصدير السياسية الشيعية ــ باعتبار «الشيعية» هوية سياسية وليست تبشيراً ثقافياً. في المقابل، هذا النوع من التأثير، الذي لا يمكن تمييزه من السلطة السياسية، يخدم في نهاية المطاف الإيديولوجيا والمصالح الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة. إذاً، تبسط إيران سلطتها في العراق بصفتها دولة تهتم بالمصالح الوطنية والإيديولوجية العراقية بدلاً من كونها قوّة شيعية مصرّة على إقامة محور ثقافي أو طائفي يضم من يشاطرون إيران قناعاتها الدينية. وعلى رغم أنه لا يمكن إنكار ان إيران أقامت علاقات ثقافية وثيقة مع مختلف المجموعات والأفراد الشيعة في الدولة العراقية والمؤسسة الدينية، إلاّ ان هذا التقارب السياسي والثقافي ليس هدفاً في حد ذاته بل وسيلة لبلوغ غايات سياسية واستراتيجية في العراق. فالتحالف الإيديولوجي والاستراتيجي بين إيران وحركة حماس السنيّة، فضلاً عن سوريا العلمانية التي يغلب فيها السنّة، يوضحان الأهداف غير الطائفية التي تطبع سياسة إيران الخارجية.
بقول هذا، لا يمكن المرء أن يتجاهل كم أصبح دعم إيران للحكومة العراقية يشكل عائقاً لها على المدى القصير، فتحيّزها للشيعة وتواطئها الضمني المزعوم مع الولايات المتحدة قد قوّض نفوذها عند السنّة في المنطقة. بيد أن سياسة إيران في العراق هي في الحقيقة ذات شقين إذ إنّها تساند الحكومة العراقية من جهة فيما تقدّم بعض الدعم لجماعات المقاومة من جهة أخرى. وبعدما وصفها زالماي خليل زاده، سفير الولايات المتحدة السابق لدى العراق، بـ«سياسة الانفصام»، يمكن توصيف هذه الازدواجية بدقة أكثر، والقول إنها مصَمَّمة للحفاظ على المصالح الإيرانية في العراق والمنطقة ككل.
وكما لاحظ العديد من المراقبين، استفادت إيران كثيراً من إطاحة صدام الذي شن ضدها حرباً مكلفة في الثمانينيات. وعليه، اتخذت إيران موقفاً «محايداً» من «القتال» الذي تلا الغزو، لأن «طرفي النزاع كانا ظالميْن»، على حد تعبير المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، في وقت الغزو. وبعدما وصفت إيران الغزو بأنه «عدوان»، أشادت بالانتخابات الديموقراطية التي رأت فيها الترياق المضاد للاحتلال في أوائل آذار 2003، عندما أعلن خامنئي أنه «يمكن الشعب العراقي أن يقرّر مستقبله وحكومته المقبلة من خلال الذهاب إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بالأصوات». وبالنسبة إلى خامنئي الذي يحدّد وتيرة ووجهة السياسة الخارجية الإيرانية، كانت الانتخابات مؤشراً إلى ان العراقيين يأخذون الأمور بأيديهم، وبالتالي يسرِّعون الانسحاب الأميركي. وعلى عكس حزب الله الذي يميل إلى تحديد العملية السياسية في العراق وفقاً لمجريات الاحتلال الأميركي، تعتبر إيران ان الانتخابات لا تختلف عن السياسة الأميركية فحسب بل هي أشبه بلعنة عليها. وفي إشارة إلى محاولة الولايات المتحدة في السابق حصر نطاق هذه الانتخابات وتأجيلها إلى أجل غير مسمى، أشاد خامنئي في خطاب له في آب 2005 بدور آية الله السيستاني وغيره ممن يصرّون على إجراء انتخابات مبكرة وحرة.
مكّنت هذه النظرة الإيجابية للعملية السياسية إيران من إضفاء الشرعية على الحكومة العراقية وتأييدها بشكل كامل، باعتبارها «الحكومة الشعبية» الأولى في العراق التي تحدّت رغبات الولايات المتحدة في أن تكون «ألعوبة»، كما وصفها السيد خامنئي. وبينما اختارت القوى المشاركة في الحكومة، إلى حد كبير، عدم مقاومة الاحتلال، ترى إيران في الحكومة العراقية حليفاً إقليمياً محتملاً يمكنه تحت التأثير الإيراني أن يصبح موقعاً أساسياً آخر في مناهضة الإمبريالية ومعاداة الصهيونية وتأييد المقاومة في المنطقة. ويتطلب غرس هذا الحسّ بالهُويّة السياسية لدى العراقيين الشيعة أن تنتزع إيران العراق من الولايات المتحدة، عبر الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع قوى سياسية شيعية. من هذا المنظور، يقوّض دعم إيران للحكومة العراقية سيطرة الولايات المتحدة على العراق، تماماً مثلما تفعل المقاومة العسكرية. ما يصعب تمييزه أكثر هو طبيعة دعم إيران للمجموعات المقاومة ومداه. فعلى الرغم من معارضتها اللفظية والإيديولوجية لاحتلال العراق، إلاّ أن إيران لم تنبث ببنت شفة حول الحاجة الملحّة والموجب الديني ــ الأخلاقي لوجود المقاومة. وفيما يعرب المسؤولون الإيرانيون عن تأييدهم المستمر للمقاومة في العراق ــ على رغم أن لها نفساً مشابهاً تقريباً لبقية حركات المقاومة في دول أخرى ــ لا يُترجم هذا فعليّاً في أي دعوة فعلية للمقاومة كما هي الحال في أطر إقليمية أخرى مثل لبنان أو فلسطين. وخلافاً للّاعبين خارج إطار الدولة مثل حزب الله، لا تملك إيران ترف إطلاق المواقف الإيديولوجية التي تخدم المقاومة، ولا أي حافز سياسي لتشجيعها، وذلك لأسباب عديدة.
في المقام الأول، إن إيران حريصة على تجنّب المزيد من اللوم على الفشل العسكري الأميركي في العراق، في مناخ معزّز بالتقارير الإعلامية والرسمية عن الدعم الإيراني المتزايد لجيش المهدي (التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر) وفروعه الأخرى، إلى جانب مختلف الاتهامات حول تهريب شحنات الأسلحة الإيرانية إلى الجماعات الشيعية المسلحة، وآخرها أجهزة التفجير العشوائي المستخدمة لإلحاق ضرر كبير بقوات التحالف. ومع مضي الولايات المتحدة في التلويح بضرب المنشآت النووية الإيرانية، لا تريد إيران أن تعطي عدوّها الدائم ذخيرة إضافية تستخدم ضدّها. ثانياً، لا يمكن إيران أن تقدّم دعماً سياسياً أو عسكرياً كاملاً لحركات المقاومة إذ من شأن هذا تقويض الحكومة العراقية، ومن ثم تقسيم الشيعة إلى معسكر عربي وآخر فارسي، بينما يسير العراق إلى فوضى عارمة. وأخيراً، فإن قيام حملة مقاومة جماعية، مع أو من دون خروج الولايات المتحدة من العراق، سيؤدي إلى حرمان إيران ورقة مساومة قيّمة مع أميركا. وعلى رغم إساءة البعض فهم هذا الأمر واعتباره «تواطؤاً» مع الأميركيين إلاّ أن الوضع أقرب إلى الوقوع في الشرك. فوجود القوات الأميركية في العراق تحديداً هو الذي يمنح إيران الكثير من النفوذ على الولايات المتحدة. وكما ذكر مسؤول إيراني في تقرير مجموعة الأزمات الدولية للعام 2005، وفّر الاحتلال الأميركي للعراق «140000 رهينة» لإيران. لذا، من أجل إبقاء الولايات المتحدة رهينة لديها، تحتاج إيران إلى الجرعة المناسبة من المقاومة التي يمكن من خلالها استنزاف القوات الأميركية داخل العراق ببطء وتوفير ما يكفي من الخسائر التي تهدّد الولايات المتحدة. إن هذا الاستنتاج يعززه تهديد الصدر بالانتقام من القوات الأميركية «داخل العراق وخارجه». والأكثر وضوحاً هو تهديد خامنئي أخيراً بالرد على أي هجوم أميركي على إيران بـ«ضربة شاملة للغزاة ومصالحهم في جميع أنحاء العالم».
وفي التحليل النهائي، أن سياسة إيران في العراق لا تقوم على بناء تحالفات إقليمية شيعية بقدر ما تقوم على مواجهة الهيمنة الأميركية في المنطقة.
* باحثة في معهد كارنيغي للسلام
تعليقات: