لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثالث والعشرين بعد المئتين على التوالي.
خسر لبنان عمر كرامي.
رهبة الموت خيمت على مساحة الوطن، وخصوصاً على مدينته طرابلس التي حمل همومها ودافع عنها وصدح بصوت أهلها طوال 27 عاماً.
الموت الذي كان منتظراً وإستعجله بعض أصحاب النوايا الخبيثة بالشائعات، ترك وقعاً ثقيلاً جداً على محبي "الأفندي" الذين عايشوه ووقفوا معه في كل المحطات. وحتى على الذين يختلفون معه. فالرجل كان قامة وطنية، ولا يمكن لأي كان أن ينكر دوره ومواقفه، وإنجازاته لا سيما في العبور بلبنان من حالة الحرب الى دولة المؤسسات خلال حكومته الأولى في العام 1991 والتي حلت الميليشيات وجمعت السلاح.
لبنان من دون عمر كرامي يخسر نكهة خاصة كان طبعها "الأفندي" في الحكومات وفي مجلس النواب وفي الحياة السياسية عموماً، وفي الجانب الشخصي.
أما طرابلس فخسرت زعامة إستثنائية، وصمام أمان حافظ على حضورها، وتنوعها السياسي رغم كل الظروف، ورسخ بين أنصاره مبادئ كانت عصية على كل الإغراءات وإثارة الغرائز والتحريض المذهبي، لتبقى طرابلس أغلى من المال ولتستمر مرفوعة الرأس بـ "الكرامة"
غاب كرامي من دون أن يسامح أو ينسى في قضية إغتيال شقيقه الرئيس الشهيد رشيد كرامي، فبقيت قضيته عالقة وحيّة في زمن العفو العام وتبييض السجلات والحوارات المفتوحة.
غاب كرامي من دون أن تتلطخ يديه بالدم حتى عندما تعرض نجله الوزير فيصل كرامي لمحاولة إغتيال في زمن إستثمار طرابلس أمنياً لمصالح سياسية، فسارع الى سحب فتائل التفجير، وتعالى عن الجراح بالقول: "طالما فيصل بخير.. نسامح، ومن قام بهذا الفعل ليس طرابلسياً".
غاب كرامي المعجون بالوطنية والعروبة وبقضية فلسطين وعاصمتها القدس الشريف التي لم تفارق نبضه السياسي، والمؤمن بأركان الدين الحنيف، والمدافع عن طائفته بقدر دفاعه عن العيش الواحد بين الطوائف والمذاهب.
مات عمر كرامي.. وقع الخبر على طرابلس كالصاعقة برغم الانتظار.
فالخبر في صبيحة العام 2015 لم يكن شائعة، بل كان حقيقة مرة لطرابلس التي إتشحت بالسواد، وصدحت مآذنها بالآيات القرآنية، وسادت رهبة الموت مختلف الساحات والشوارع التي رفعت فيها صور "الأفندي" الراحل ولافتات العزاء وعبارات التكريم، فيما إنشغل أنصاره في إستكمال الاستعدادات لاستقبال جثمانه عند الثامنة من صباح الجمعة لبدء المأتم الرسمي والشعبي المهيب لزعيم يليق به التكريم، على أن يصلى على جثمانه عقب صلاة الظهر في الجامع المنصوري الكبير ثم يوارى في الثرى في مدافن العائلة في باب الرمل الى جانب والده رجل الاستقلال الزعيم عبد الحميد كرامي، وشقيقه الرئيس الشهيد، ويُصار الى تقبل التعازي في قاعة معرض الرئيس رشيد كرامي.
ودعت جمعية تجار طرابلس الى إقفال كل المحلات والمؤسسات حداداً، وكذلك بلدية طرابلس وإدارة المرفأ، كما أعلنت جمعية العزم والسعادة الاجتماعية، التابعة للرئيس نجيب ميقاتي، عن إقفال كل مؤسساتها حدادا.
وأعلن رئيس الحكومة تمام سلام الحداد العام لمدة ثلاثة أيام حيث تنكس الأعلام على الدور الرسمية والمؤسسات العامة والبلديات كافة، وتتوقف محطات الإذاعة والتلفزيون عن بث البرامج خلال مدة الحداد.
أما العائلة فانتظرت الى جانب جثمان الرئيس كرامي في بيروت، وتقبل شقيقه معن ونجلاه خالد والوزير السابق فيصل كرامي المعزين في دارته في الرملة البيضاء، وكان أبرزهم: رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة تمام سلام، الرئيس أمين الجميل، الرئيس إميل لحود، الرئيس فؤاد السنيورة، مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان. كما قدم المعاون السياسي لأمين عام "حزب الله" حسين خليل التعازي باسم السيد حسن نصرالله، وعدد كبير من الوزراء والنواب والسفراء والشخصيات والفاعليات والمشايخ والوفود الشعبية من طرابلس والشمال ومختلف المناطق اللبنانية ومن مختلف الطوائف والمذاهب.
وكان الرئيس عمر كرامي رحل بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز الثمانين عاماً في مستشفى "الجامعة الأميركية" في بيروت.
وصدر عن عائلته بياناً جاء فيه "بكثير من التسليم بمشيئة الله عز وجل، وبكثير من الأسى على لوعة الفراق، تنعي لكم عائلة الرئيس كرامي فقيدها وكبيرها دولة الرئيس عمر عبد الحميد كرامي.
لقد فقدنا أغلى الناس، وخير زوج وأب وجد، ونستعين على مصابنا بالإيمان، طالبين الرحمة والمغفرة لمن ظل يردد لنا قبل أن يفارق هذه الدنيا "وبشّر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون. صدق الله العظيم".
ونعى كرامي شخصيات سياسية وهيئات عديدة، منها رئيس الحكومة تمام سلام والرئيس الأسبق أمين الجميل، ورؤساء الحكومات السابقة: نجيب ميقاتي، سعد الحريري، وفؤاد السنيورة. كما رثاه الرئيس سليم الحص ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان.
نبذة عن الرئيس الراحل
ولد عمر عبد الحميد كرامي في 17 آذار 1935 في مدينة طرابلس الشمالية، وهو سليل عائلة سياسية، وطنية عريقة. والده الزعيم الاستقلالي عبد الحميد كرامي؛ حاكم لبنان الشمالي، ومفتي طرابلس ونائبها، ورئيس وزراء سابق.
متأهل من السيدة مريم قبطان ولهما أربعة أولاد: خالد وفيصل ويمن وزينة.
بدأ دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت ثم انتقل الى القاهرة حيث نال اجازة في الحقوق من جامعة القاهرة في العام 1956.
أسّس مكتباً خاصاً للمحاماة منذ العام 1956.
خاض ميدان الأعمال الحرة، وخصوصاً، قطاع البناء والإنشاءات.
قلّد الوشاح الأكبر للجمهورية اللبنانية في العام 1991.
أسس جامعة "المنار- مؤسسة رشيد كرامي للتعليم العالي".
السجل السياسي:
ساهم في أعمال مؤتمر لوزان بصفه مستشاراً لرئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي.
تولى رئاسة "حزب التحرر العربي" في طرابلس بعد استشهاد شقيقه في العام 1987.
تولى وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة في حكومة سليم الحص العام 1989.
تولى رئاسة الحكومة اللبنانية في كانون الأول العام 1990 حتى أيار العام 1992.
أسقطت حكومته في العام 1992 بعد تظاهرات شعبية وحرق دواليب نتيجة ما عرف وقتها بـ"ثورة الجياع" بعد وصول الليرة اللبنانية إلى أسوأ مستوياتها مقابل الدولار (3000 ليرة للدولار الواحد).
أسس "حركة التحرر الوطني" في طرابلس العام 1992.
عيّن نائباً عن طرابلس في العام 1991.
انتخب نائباً عن طرابلس في الأعوام 1992، 1996 و2000
تولى رئاسة الحكومة اللبنانية العام 2004.
شارك مع "التكتل الطرابلسي"، الذي كان يضم النواب محمد الصفدي ومحمد كبارة والراحل موريس الفاضل، في إنشاء "اللقاء الطرابلسي".
قدم استقالة حكومته في العام 2005 بعد تظاهرات شعبية حاشدة اثر استشهاد رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري واتهام شقيقته بهية هذه الحكومة بالتقصير، وحتى بالتورط، في قضية الاغتيال.
أعيد تكليفه بتشكيل الحكومة واستمرّت المشاورات حتى نيسان العام 2005 ولكنه لم يفلح بتشكيلها.
أسس "اللقاء الوطني اللبناني" الذي يضم عدداً من الشخصيات والقيادات من مختلف القوى والطوائف والمناطق اللبنانية.
تعليقات: