كان حذاء \"البيك\" يلمع بعد الإنتهاء من مسحه حتى رأى وجهه فيه كما يُرى لبنان من خلال زجاج شفاف معرض للكسر والإختراق كل ثانية
دخل احد السياسيين اللبنانيين الى صالون مسح للأحذية، وهذا الصالون مشهور، وقد يكون وقفاً على الطبقة السياسية، وبدخول هذا السياسي صادف وجود كرسي واحد شاغر، يجلس بالمقابل على كرسي العمل شاب وسيم لا يتجاوز عمره ال 23 سنة، ما ان جلس السياسي تأهل به ماسح الأحذية أهلاً "بيك" وهذا اللقب طرأ او عمَّ ايام الفرنسيين ، وضع "البيك" رجله امام ماسح الأحذية الذي بدأ عمله على الفور ، وقد لاحظ " البيك " دقة وإجادة عمل هذا الماسح الجديد في الصالون ، وسأله : هل انت جديد على هذا " الكار " قال : نعم ، تعجب " البيك" كيف يكون هذا الإتقان من دخيل جديد على هذه المصلحة ، وجال " البيك" في خاطره لا بد من قصة خلف هذا الشاب...
ثم عاد وسأله : هل انت متعلم؟
اجاب وما فائدة العلم سيدي ؟
في بلد كوطني ، حكراً على اولاد البكوات والزعامات وما يدور في فلكهم ، والتوزيع الوظائفي على الطوائف ، وشخص واحد من كل طائفة يتحكم بالعباد من طائفته ، حيث لا وظيفة إلاّ لمن يعلن العبودية لهذا الزعيم الطائفي او ذاك بالرغم من الإتفاق في اتفاقية الطائف على إلغاء الطائفية السياسية ، وللأسف سيدي لم يطبق من هذه الإتفاقية التي سميت " بالطائف " سوى بند واحد وهو المحاصصة في الوظائف وبالطريقة التي يرونها الزعماء لصالحهم وآخر همهم الوطن والأدلة على ذلك كثيرة ومنها على سبيل المثال:
- من ادخل جماعة فتح الإسلام وما فعلته؟
- ومن ادخل النصرة وغيرها وما يفعلوه الآن؟
ولا علاقة للشعب في كل ما يخطط.. عفواً سيدي هناك بند آخر هو تكريس الطائفية في الرئاسات الثلاث والتي كانت عرفاً غير مكتوب ، ومن هنا سيدي بدأت عذابات المواطن اللبناني ، كان الأستعمار الفرنسي ابعد نظراً منّا ولم يحدد الرئاسات ولا الوظائف في الدستور ولو عدنا الى الإنتداب لوجدنا ان مسيحيين تقلدوا الرئاسات الثلاث وكذلك كان اول رئيس جمهورية لبنانية مسلم لفترة 6 أشهر ، لعن الله الفرنسيين الذين تخلوا عن الإنتداب واللبنانيين والناس اجمعين الذين أساءوا الى لبنان وجعلوه مزرعة لكل طائفة ولكل مذهب .
سيدي هل تريد معرفة من هو ماسح الأحذية انه خريج كلية العلوم السياسية والذي قيل له عندما تَقدم بطلبٍ لخدمة وطنه في وزارة الخارجية ، انت أبن من ؟ هذه الوظائف فقط لفئة معينة وانت لست منها ، ومن نصحك بدراسة هذا الفرع ، أجبت سيدي اتفاق الطائف الذي جاء فيه على مدى 18 سنة من التطبيق تلغى الطائفية السياسية ، اتريد ان تعرف ماذا كان الرد سيدي ، انت قلتها من فمك " عندما يبدأ التطبيق " اذاً انتظر ؟ وانا لا اقول لك سيدي اعترافاً بهذه السيادة بل استهزأً بمن أقنعتوهم بالطائفية وهم كالأغنام يساقون كما تساق الشاة الى المسلخ ولم تتورعوا عن تنفيذ قاعدة " فرق تسد " .
كان حذاء "البيك" يلمع بعد الإنتهاء من مسحه حتى رأى وجهه فيه كما يُرى لبنان من خلال زجاج شفاف معرض للكسر والإختراق كل ثانية ، والى وقت اتخاذ القرارات من اللبناني نفسه قد نصبح دولة .
* الحاج صبحي القاعوري - الكويت
تعليقات: