عن النهار
بين ان يتفق اللبنانييون على رئيس للجمهورية او تشغر كرسي الرئاسة يجثم لبنان على مخاوف الدخول مجددا في دوامة الفوضى بكل ما تعني هذه الكلمة خصوصا وان اللبنانيين معارضة وموالاة يقفون على حافة الهاوية وبات الخيار الوحيد امامهم الاتفاق والا دخل لبنان في المحظور في ظل اقتراب نهاية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية في الثالث والعشرين من الشهر المقبل.
وحين اطلق رئيس المجلس النيابي نبيه بري مبادرته الوفاقية في اغسطس الماضي تعمد ان يقرنها بالتحذير من الشر المستطير فيما لو تعذر الاتفاق على رئيس للجمهورية الذي سيكون حتما اكثر الرؤؤساء اللبنانيين اهتماما محليا واقليميا ودوليا , واقلهم راحة نظرا لاثقال طاولته باللملفات الشائكة والمعقدة. ويمكن القول ان الرئيس الجديد هو رئيس انقاذ البلاد من الشر المستطير وابعاد الحريق الذي يندلع في اكثر من نقطة في المنطقة عن لبنان الموصوف دائما بانه عامل موصل جيد للاشتعال.
وغياب التفاهم على رئيس جديد للجمهورية، سيفاقم الامور داخليا في ظل ظرف دولي يزداد تعقيدا. على خلفية ازدياد معطيات اللجوء الامريكي لعملية العسكرية ضد إيران و الضغط المتواصل على سوريا اضافة الى الساحة العراقية الملتهبة والحرب المستمرة بين حماس والسلطة الفلسطينية ولان لبنان يعاني من مرض نقص المناعة المكتسبة لابعاد مفاعيل الحريق الاقليمي عنه فان احتمالات دخوله في الفوضى من حدوده الجنوبية مع اسرائيل الى عمقه كبيرة في ظل اضمحلال الدولة المركزية التي يشكل رئيس الدولة عنوانها وعمادها الاساسي وقدعبرت فرنسا عن قلقها من ذلك فوضعت جهات لبنانية في اجواء هذا المشهد السوداوي الاقليمي المبني على الهلع وفق جنرال هندي مرموق عاد من طهران مؤخرا مصابا بالذهول التام قائلاً "كل شخص في الحكومة والجيش لا يتكلم إلا عن موضوع واحد. اياً كان الشخص الذي كنت أكلمه، كل ما يمكنهم فعله هو سؤالي مراراً وتكراراً:
- أتعتقد أن الأميركيين سيهاجموننا؟
- متى سيهاجمنا الأميركيون؟
- هل سيهاجمنا الأميركيون بالمشاركة مع الإسرائيليين؟
- كم ستبلغ ضخامة الهجوم؟
بعدما هاجموا مؤخرا سوريا في سبتمبر الماضي. وتستعد ايران وفق الصحيفة للهجوم المحتمل بحيث تنقل عن مصادر ايرانية القول انه "سيتم إطلاق 600 صاروخ من نوع شهاب-3" على أهداف في إسرائيل ردّاً على هجوم على إيران تشنّه الولايات المتحدة او إسرائيل. على وقع هذا التازم الاقليمي لايبشر التازم الداخلي اللبناني بان كفة الاستقرار ستكون الراجحة خصوصا وان الصعوبات الداخلية لم تعد أمراً ميسور التجاوز. ولان نقاط الخلاف اللبناني اللبناني ليست محلية فقط وانما لها ابعاد اقليمية نظرا فهي تتصل باعادة تشكيل لبنان لابل تحت عنوان اي لبنان يريد ا اللبنانييون؟.
ومخطىء من يظن ان الاشتباك السياسي في لبنان هو على زيادة وزير او نائب لهذا الفريق او ذاك لزيادة الحصص في الدولة وانما من اجل المشاركة في القرار السياسي والقرارات المصيرية التي يجب اتخاذها في المرحلة المقبلة لان المهمات التي تنتظر الرئيس تعيد تشكيل هذا البلد على اسس مختلفة عن لبنان الحالي المبني فقط على قاعدة التوافق الطائفي المتقاسم للسلطة والوظائف والذي حدد بشكل سريع في مقدمة الدستور انه ذو وجه عربي له الحق بمقاومة الاحتلال الاسرائيلي بشتى الطرق والوسائل لاستعادة ارضه المحتلة.
المشكلة اليوم في لبنان هي هل يبقى الرافعة الوحيدة للمقاومة المسلحة ضد اسرائيل والساحة المفتوحة ؟
وهل عليه ان يستمر بتحمل وزر الصراع العربي الاسرائيلي؟
وبالتالي هل لبنان هو من ضمن المنظومة العربية التي اختارت السلام مع اسرائيل ام انه منصة تخريب ةتدمير لها؟
ومن الواضح ان الصراع الداخلي يحتدم على هذه النقطة على خلفية حل مشكلة سلاح حزب الله الذي يتهمه اخصامه باختطاف قرار الحرب والسلم من يد الدولة اللبنانية وفرض خياراته على كل اللبنانيين وتقويض دعائم الدولة لمصلحة دولته التي تقوم في المناطق التي يسيطر عليها.وفي حين يحشر حزب الله خصومه في زاوية تقديم البديل عن نزع السلاح بايجاد استراتيجية دفاعية تحمي لبنان من العدوان لاسرائيلي يعجز الجميع موالاة ومعارضة عن تكوين وجهة نظر لبنانية موحدة حول اي لبنان يريدون يوازن بين كل القضايا الوطنية الخلافية على الساحة اللبنانية. ولاتقل قضية العلاقة اللبنانية السورية بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان اهمية عن سلاح حزب الله لاسيما في ظل الاتهامات المتزايدة لسوريا من قبل المولاة باستمرار ضخ الاسيلحة الى حزب الله وفئات لبنانية اخرى حيث راى البعض ان منع تدفق السلاح يكمن بنشر قوات لبنانية على الخدود بين البلدين تشكل زنارا يمتد من البقاع الى الشمال وتكون مكملة القوات الدولية المنتشرة على الحدود مع اسرائيل وهو ما يعني ان القول ان سوريا تساهم في تحريب السلام ولامن الدوليين وهذا ما لفت السنيورة اليه بشكل غير مباشر في رسائله الى الامين العام للامم المتحدة و الامين العام للجامعة العربية متحدثا فيها عن تهريب اسلحة سورية الى لبنان وتدريب حزب الله فئات لبنانية على السلاح.في موازاة ذلك هناك موضوع الاتفاقيات والمعاهدات اللبنانية السورية التي وقعت بين البلدين حين كان الجيش السوري موجودا في لبنان ويرى فيها بعض اللبنانيين خللا لمصلحة دمشق على حساب لبنان. وبين هذه القضية وتلك لايمكن اغفال محكمة الحرير ي الدولية التي اقرت تحت الفصل السابع ويخشى فريق من اللبنانيين وعلى راسه خزب الله ان تفقد معاييرها الجنائية لتحل مكانها المعايير السياسية وعندها يصبح حزب الله عبر مقاومته للاحتلال الاسرائيلي في قفص المحاكمة الامريكية انتقاما منه ومن رموز مقاومته وبتعبير ادق تصبح مرحلة سياسية طويلة امام المحاكمة. وتمة من يقول ان المحكمة بعد اقرارها اصبحت وراءنا وان لبنان بات معني بها لجهة تمويلها فقط لكن ذلك ليس دقيقا طالما خشية فريق ا المعارضة من هذه المحكمة قائمة.
وقد بلغ خوف من المحكمة مداه بعد اقرارها تحت الفصل السابع الذي يجيز للامم المتحدة التدخل عسكريا في لبنان بناءً على طلب مجلس الأمن. وهناك نص صريح وواضح في مواد الفصل السابع يقول: رغبة في تمكين الأمم المتحدة من اتخاذ التدابير الحربية العاجلة يكون لدى الأعضاء وحدات جوية أهلية يمكن استخدامها فوراً لأعمال القمع الدولية المشتركة. ويحدد مجلس الأمن قوى هذه الوحدات ومدى استعدادها والخطط لأعمالها المشتركة، وذلك بمساعدة لجنة أركان الحرب وفي الحدود الواردة في الاتفاق أو الاتفاقات الخاصة وان الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس الأمن بمساعدة لجنة أركان الحرب تعاونه في جميع المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم والأمن التي تحتاجها القوات الموضوعة تحت تصرفه وقيادتها ولتنظيم التسليح ونزع السلاح بالقدر المستطاع. ومن الواضح ان الفوضى قد استكملت معظم شروطها، لكن اذا نجح اللبناييون في اختيار رئيسهم فانهم يبعدون الكأٍ س المرة عن لبنان ويبرهنوا انهم ضنينون بوحدة بلدهم واستقراره. ويكون الرئيس المقبل رئيس تاسيسي للبنان بعدما كان الرئيس بشارة الخوري في الاربعينييات من القرن الماضي اول رئيس استقلالي. انها اللحظة الحاسمة في تاريخ لبنان التي تحدد مصيره.
* كاتب لبناني من الخيام
تعليقات: