أم شادي تحمل أحد أطفالها الأربعة (شوقي الحاج)
«تآكلت الكلمات، عند حدود الغصة، التي اختفت خلفها آلام ثقيلة وأوجاع مزمنة، بفعل المرض الذي حطّ أوزاره بين حنايا عظامها منذ أربعة عشر عاماً، معلنة عن استسلامها للأوجاع، في ظل غياب المتابعة الصحية، التي افتقدتها منذ ارتحالها مع عائلتها من درعا هرباً من ويلات الحرب، وحلولها نازحة في بلدة مذوخا قضاء راشيا.
أم شادي أبو السل، المرأة الأربعينية، التي أنجبت أربعة اولاد، قبل أن يداهمها «نقي العظم». لم تكن تتوقع أن تقْدم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، على شطب اسم عائلتها من سجلات المفوضية، وحرمانها من الاستفادة من التقديمات والمساعدات الغذائية والصحية. ولم يشفع لها سجلها الصحي، الذي حملته معها من سوريا، متضمناً أسماء الأدوية وتواريخ الجرعات العلاجية، وأسماء الأطباء المتخصصين بالأمراض السرطانية المشرفين على العلاج في مستشفيي البيروني والأسد الجامعي، في تأمين الرعاية الطبية والجرعات العلاجية لها في مستشفيات لبنان، خصوصاً بعد قرار الحكومة، التي منعت بموجبه خروج ودخول السوريين من وإلى لبنان، إلا في الحالات الإنسانية، التي تحوّلت الى حالات استنسابية عند النقاط الحدودية.
أم شادي التي تفاقمت أوجاعها، وتراجعت صحتها إلى حدود الانهيار، تفضل الصبر على المحنة التي ابتليت بها، وتقبل مواجهة تفشي المرض في أنحاء جسدها النحيل، وترتضي تسليم الروح إلى بارئها، لكنها ترفض الذل والمظالم على عتبة المستشفيات اللبنانية، لا سيما أن أوضاعهم المادية تقع تحت عتبة الصفر، وزوجها أبو شادي أحمد محمد يعمل في محل لتصليح الإلكترونيات على خط الرفيد ـــ خربة روحا، وراتبه الشهري لا يتعدى 150 ألف ليرة، حيث لا يكفي لشراء الخبز للعائلة، وفق ما ذكرته.
أم شادي التي تعبت من الارتحال بين مذوخا ـــ ومقر المفوضية بالقرب من جسر الفيضة عند مدخل زحلة، وكلَّ لسانها من المراجعات وتقديم المستندات الصحية، التي تخولها الاستفادة من الرعاية الصحية على نفقة المفوضية، أكدت أن تسجيل الأسماء أو شطبها يتمان وفق استنسابية ومزاجية الموظفين، من دون النظر الى المعايير الإنسانية الواضحة. والأدهى من ذلك وفق روايتها، أنها سمعت ولكنها لم تتأكد من صحة ما يشاع في صفوف النازحين وبين اللبنانيين وحتى على مستوى المسؤولين المعنيين في الأمم المتحدة، عن الرشى وتقاسم المغانم بين الموظفين وبين المحظيين من اللاجئين، إلى جانب تمرير آلاف الحالات وتسجيلها وفق الاستغلال المادي والجنسي.
وطالبت أم شادي المفوضية بتنقية صفوفها من الاستغلاليين والمرتشين، والعمل وفق ميزان العدالة، لإعطاء كل ذي حق حقه، حيث يكفي ما يحل بالشعب السوري من مظالم ومذابح، لم يشهدها التاريخ.
أم شادي التي رأت أن حالتها تشبه آلاف الحالات المنتشرة في صفوف النازحين، أملت من مفوضية الأمم المتحدة الاهتمام ورعاية الأطفال المصابين بأمراض مستعصية، لأنهم يستحقون العيش بأمان، بعيداً عن الآلام والأوجاع. وتساءلت هل من آذان صاغية عند مسؤولي المفوضية، كي تستجيب لصرخات المحتاجين لخدماتها؟ أم أنها ترتضي حرمان المستحقين من المساعدات والتقديمات، وتعمل على توزيعها في غير وجهتها الصحيحة؟
تعليقات: