حليب الماعز.. مميزات لا تتوفر في غيره
القنبريس أو «السردالي» هي لبنة حليب الماعز الطبيعي غير المُبَسْتر والمصنّعة في الجرّة. تستغرق عملية إعدادها ستّة أشهر، وفقاً للشكل الآتي: تُملأ الجرّة لأول مرة بحليب الغنم، وتكون لها فتحة صغيرة في أسفلها يُصار إلى إخراج المصل منها بعد 3 أو 4 أيام، ومن ثم تتكرر هذه العملية طوال فترة الصيف، وذلك بإضافة حليب الماعز الطبيعي.
تتميّز لبنة القنبريس عن غيرها من مشتقّات الحليب بخصائص حسّية مميّزة، أولاها قابليّة حفظها لمدّة سنة من تاريخ إنتاجها. وهي تحتوي على الأحياء الدقيقة والفطريات المفيدة لجسم الإنسان، وذلك نتيجة كونها مخمرة في الجرة لمدة 6 أشهر ومعدّة من حليب الماعز الطبيعي. يحافظ الحليب خلال هذه المدة على خصائص اكتسبها من النباتات العطرية التي تغذى بها الماعز آنذاك والأحياء الدقيقة الموجودة طبيعياً في البيئة.
تدخل الجرّة ضمن الإرث التراثي لمدينة بعلبك، حيث هي في كل منزل. كذلك تدخل لبنة القنبريس في الغذاء الأساسي لأهل المنطقة، إذ يعتمدون عليها بدلاً من شراء اللبنة من السوق المحلية.
والمعروف أنّ الإنسان عمد منذ القدم إلى وسائل متعدّدة يحفظ من خلالها الأطعمة، منها الجرّة أو «الخابية» التي كان ولا يزال يستخدمها رعاة الماشية أو «الطرّاشة» في حفظ الحليب، وخاصة في المناطق العالية في جرد بعلبك مثل عرسال، نحلة، الفاكهة... وبعض مناطق الشوف حيث اعتاد الماعز أن يتغذّى على الشجيرات الصغيرة والنباتات العطرية المتوافرة في المنطقة.
* مسؤولة شؤون الثروة الحرجية والنباتية بمنتدى المرج
----------------------------------------
حليب الماعز: مميزات لا تتوفر في غيره
دهونه صحية أكثر من حليب البقر
في كثير من مناطق العالم، يُفضل الكثيرون تناول حليب الماعز بدلاً من حليب البقر أو غيره. فهل الأمر له علاقة بسهولة هضم الأمعاء له واحتوائه على كميات أقل من المواد المسببة للحساسية أم ثمة أسباب أخرى؟
المقارنة، كما يُقال رأساً لرأس، فيما بين العناصر الرئيسة في حليب الماعز وبين التي في حليب البقر تحديداً، تشير إلى جملة من الاختلافات في جوانب شتى، قد تصب في صالح حليب الماعز وتبرر تفضيل البعض له. ومما تجدر الإشارة إليه هو أن الرائحة التي تصطحب حليب الماعز، كما تشير كثير من المصادر العلمية، ليست بسبب وجود مواد كيميائية فيه بالدرجة الأولى، بل للطريقة غير السليمة في تنظيف الضرع ومنع تلوثه بأي مواد على جلد الماعز تكون سبباً في وجود الرائحة تلك في حليب الماعز.
لكن، قبل عرض المقارنة، دعونا ننظر إلى تركيبة مكونات الحليب عموماً ولماذا يبدو مزيجه بهذه الهيئة.
* مكونات الحليب الحليب على اختلاف مصادره، لو نظرنا إليه عن بعد، نجده سائلاً أثخن من الماء، وذا لون أبيض. ولو اقتربنا في النظر أكثر نجده عبارة عن مزيج كرات صغيرة من الزبدة الدهنية المستحلبة في سائل مائي. والمقصود بكلمة استحلاب، هو إجبار كريات الزبدة الدهنية على الامتزاج والوجود في داخل هذا السائل المائي.
ولو اقتربنا أكثر وأكثر للنظر في كل من الجزء الدهني والجزء المائي نجد التالي:
* كريات الزبدة الدهنية butterfat globules هذه محاطة بغلاف من مركبات فسفورية دهنية وبروتينات. وأهمية هذا الغلاف الحاجز تكمن في أمرين:
ـ الأول أن يعمل على إبقاء كريات الزبدة الدهنية متباعدة ومنفصلة عن بعضها، أي غير متجمعة كما يحصل عند خض الحليب لعزل الزبدة لوحدها. والثاني أن يحمي هذه الزبدة الدهنية من التحلل والهضم بفعل الأنزيمات الموجودة في الجزء المائي السائل. وفي هذه الكريات الدهنية توجد الفيتامينات الدهنية المعروفة، وهي فيتامين إيه A, و كي K, و ديD , و إيE.
* جزء السائل المائي.. يحتوي هذا الجزء على عدة مواد كيميائية بتراكيب مختلفة، كلها مسخرة للعمل على تسهيل وجود كريات الزبدة الدهنية داخل مزيج مستحلب الحليب. وأهم المركبات هنا هي كرات مُكهربة micelles، إن صح الوصف، لمركب يُدعى كاسيين. وهذا المركب المتوفر في السائل المائي للحليب، والذي يُشكل 80% من بروتين الحليب، هو مكون من تجمع بروتينيات تربط فيما بينها أجزاء صلبة قشرية من الكالسيوم والفسفور. وهذا المركب أيضاً هو المسؤول عن تعطيل فاعلية المواد المفيدة في الشاي، وبالتالي تقليل استفادة الجسم منها على صحة القلب عند إضافة الحليب إلى الشاي. ولذا فإن من كريات الزبدة الدهنية ومن كريات البروتينات المُكهربة، يظهر لنا لون الحليب الأبيض. وتحتوي أيضاً كريات الزبدة الدهنية على مواد لونها ما بين الأصفر والبرتقالي، تُكسب، حال تركيزها، اللون الذهبي للزبدة أو لبعض أنواع الجبن. كما أن اللون الأخضر الذي يبدو على مصل الحليب أو في سائل لبن الزبادي أو غيره، إنما هو نتيجة لوجود مركب ريبوفلفين riboflavin وهو نفس المركب الذي يُعطي أحياناً اللون الأخضر لأجزاء من البيض المقلي.
* بعد هذين الأمرين، هناك مجموعات أخرى من البروتينات التي تذوب بسهولة في الماء، والسكريات، وبعض من خلايا الدم البيضاء وخلايا ضرع الماعز أو البقر أو غيره، وأحياناً بعض من أنواع البكتيريا، ومجموعة كبيرة من الأنزيمات والمعادن والأملاح والفيتامينات وغيرها من المركبات الغذائية. والسكريات الأساس في الحليب هي سكر اللاكتوز Lactose المكون من جزيئين هما سكر الغلوكوز glucose و سكر غلاكتوز galactose.
* اختلاف حليب الماعز وبالمراجعة لمكونات الحليب الأصلية من الأجزاء المتقدمة الذكر، يتبين لنا أن ثمة فروقا بين حليب الماعز عن اي حليب وتشمل:
ـ يحتوي حليب الماعز على أنواع مختلفة من البروتينات. حليب الماعز يُوفر نوعاً أكثر ليونة من خثارة curd الحليب، والتي تتكون حين تفاعل الحليب مع محتويات عصارات معدة الإنسان، وذلك بالمقارنة مع ما يحصل لحليب البقر، ما يجعل من السهل مروره في الأمعاء وهضمها له وامتصاصها ما به من بروتينات وعناصر غذائية أخرى. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن حليب الماعز يحتوي على كميات أقل من المواد البروتينية المسببة للحساسية وخاصة ألفا ـ إس1 alpha-S1 الموجود في بروتينات كاسيين. ولذا فإن 40% ممن لديهم حساسية لحليب البقر يستطيعون تناول حليب الماعز دونما ظهور أي أعراض للحساسية لديهم، مع العلم بأن كمية البروتينات التي يُؤمنها للجسم حليب الماعز أعلى من تلك التي في حليب البقر.
ـ حليب الماعز يحتوي على كميات أقل من سكريات لاكتوز، لكن الفارق في هذا طفيف بالمقارنة مع حليب البقر. ـ بالرغم من التشابه الكبير بين كلا نوعي الحليب في محتواهما من الأملاح والمعادن، إلا أن حليب الماعز يمتاز بأن نسبة الكالسيوم فيه أعلى بمقدار 13%. ومعلوم ان دور الكالسيوم ليس فقط في بناء العظم، بل في تسريع حرق الدهون وإزالتها من الجسم. وكذلك كمية فيتامين بي ـ 6 في حليب الماعز هي أعلى بمقدار 25%، وكمية فيتامين إيه أعلى بمقدار 47%. والأهم من هذا وذاك لصحة شرايين القلب ولخفض ضغط الدم، هو أن حليب الماعز يحتوي على كمية أعلى من البوتاسيم بمقدار يتجاوز 134%. وكذلك بكميات أعلى بنسبة 400% من عنصر الزنك، وبنسبة 300% من فيتامين نياسين، وبنسبة 27% من عنصر سيلينيوم المضاد للأكسدة والمقلل من سرطان البروستاتة. لكن ثمة أمرين يمتاز بهما حليب البقر هما أنه أعلى محتوى بنسبة 500% بفيتامين بي ـ 12، و1000% بفيتامين فولييت، وكلاهما مقويان لخلايا الدم الحمراء، ما يفرض تعزيز حليب الماعز بهما عند إنتاجه.
* الدهون وحليب الماعز الدهون والكولسترول في حليب الماعز تختلف عن تلك التي في حليب البقر من جوانب شتى، لكن أهمهما أمرين. الأول أن كمية الكولسترول في كل كوب من حليب الماعز أقل بمقدار 30% مما هي في حليب البقر.
والثاني أن كمية الدهون بالجملة، أي المُشبع وغير المشبع منها، في حليب الماعز أقل بنسبة 10% مما هو في حليب البقر، وبنوعية أفضل. ولذا حتى لو تشابهت أو تقاربت كمية الدهون في حليب الماعز مع تلك في حليب البقر، فإن الميزة الأهم في حليب الماعز هي أن دهونه سهلة الهضم ولا تتراكم على بعضها بسهولة. وأيضاً فإن نوعية الدهون نفسها مختلفة في حليب الماعز، ومن الأنواع الصحية. لأن حليب الماعز يحتوي كمية أكبر من بعض أنواع الأحماض الدهنية، مثل لينوليك linoleic وأراكنودونك arachnodonic والأنواع القصيرة short-chain والمتوسطة medium-chain من الأحماض الدهنية في سلسلة تركيبها، وهي كلها دهون يسهل على أنزيمات أمعاء الإنسان هضمها، ما يعني أن ثمة اختلافا في طول سلسلة مركب الدهن ومدى تشبعه. إذْ في حين تتكون الدهون في حليب البقر من 17% دهونا متوسطة طول سلسلة تركيبها، فإن دهون حليب الماعز تحتوي منها كمية أعلى تصل إلى 35%. وتمثل اليوم هذه النوعية من الدهون المتوسطة الطول مجالاً صباً للبحث العلمي حول فوائدها الصحية على الأمعاء والقلب نظراً لقدرتها على تلبية حاجة الجسم من الطاقة وتقليل فرص ترسب الكولسترول.
والواقع أن مستقبل الإقبال على حليب الماعز غالباً ما سيكون بإجراء مزيد من الدراسات حول الجانب الدهني الصحي فيه من نواحي تدني الكولسترول وارتفاع الأنواع القصيرة والمتوسطة من مركبات الأحماض الدهنية. وكذلك على محتواه العالي من البوتاسيوم وفيتامين نياسين، وهما مفيدان للقلب ولخفض امتصاص الأمعاء للكولسترول. وأيضاً للمحتوى العالي نسبياً من الكالسيوم والسيلينيوم وفيتامين إيه.
تعليقات: