حوار بين ثياب رثة...
خرج من اسفل السيارة ثوب عتيق لشاب فتيٍ، وفتح حوارا مع ثوب عتيق لفلاح عتيق:
لماذا دائما ثيابنا تشبه بعضها؟ ابدا ملوثة وابدا مغبرة وابدا التجاوبف والفتحات تسكن تحت ابطها وعند ركبتيها وفي كل منعطفاتها... ولماذا اصحابنا، دائما يشبهون بعضهم في الهزال وقوة البنية؟
تعبهم واحد وعرقهم واحد ووجوههم التي لوحتها الشمس واحدة؟
ولماذا كلهم، عندما يقترب آخر الشهر، نتحسس بعض ابتسامة غريبة غير مطمئنة في وجوههم؟
ولماذا كلهم اذا ما انتصف الشهر او يكاد يسعون للاقتراض من محل او من صاحب او من صديق؟
ولماذا يوزعون ابناءهم على المدارس المجانية، وبعد الدوام المدرسي على ورش العمل والتصليح...؟
مريول خياط، كان يمر صدفة سمع الحديث فقال: اوافقكم الراي إنما من اين للشمس ان تلوح وجه صاحبي، فهو في سباق زمني معها، يستبق اشراقها الى المعمل تحت الارض باكرا، واذ يخرج منه تكون الشمس قد ودعت.. لكن صاحبي يستعيض عن الضوء بسيكارة تتلو اختها ينفخ فيهم طيلة يومه، وطيلة يومه تستمر عيناه المتعبتان مسمرتين بغرزة لإبرة الخياطة، فاذا ابتعدت الغرزة برهة عن مسارها، ابتعد عنه معاشه او طار.. والمعاش في احسن الاحوال لا يغير في فقر صاحبي ولا يغير في حاجته شيئا...
تسارعت ثياب كثيرة للمشاركة في الحديث... ثياب لعمال صيانة، مزيج من زيوت وعرق... وثياب لعمال بناء كانت منذ قليل تعتلى- مغامِرةً- الواح خشب، وسلالم، محملة بأ ثقال الباطون والحديد و الرمل. فبنيان الوطن يقوم على اكتاف العمال، وبفضل عرقهم وتعب ايديهم، ولكن الذي يبني والذي يعمل الا يستحق ان يبلغ الخبز؟
تساءلت مجتمعة كل تلك الثياب الرثة... والذين لا اثر للتعب في عيونهم او سواعدهم لماذا يمتلكون كل خيرات الارض، يوزعونها على ابنائهم وخلانهم وملذاتهم، بل لماذا يتوارث اصحابنا التعب والشقاء والمرارة ؟
ولماذا تبقى بينهم وبين الخبز مسافة اسمها العمر، ودونها التعب المضني، والشقاء المستمر؟
ولماذا تبقى عيونهم حائرة بين الرغيف والصغير؟
حائرة بين غبار، والشحبار، وسيكار رب العمل..؟
ترى هل يتسلل المكوى الى طياتنا؟ تساءلت كل الثياب الرثة المجتمعة، فنتدلل ونختال ليوم واحد نسرقه من بين ثلاث مئة وستة وخمسين يوما، ونسميه عيدا..وهل سنستطيع الذهاب في هذا اليوم الى اصحاب العمل نتلبسهم، ونسرق بعض ضحكاتهم، كي نرسلها لاصحابنا الكادحين المتعبين....
ترى متى يستعيد اصحابنا وجوهم وأفراحهم وأصواتهم وبعض حقوقهم... تضيف الثياب الرثة المجتمعة. وهل سنراه ذلك اليوم الذي يجري فيه تبادل الادوار... فيرتدي العمال بدلات اصحاب عملهم وضحكاتهم وعنجهيتهم ويرتدي اصحاب العمل احذية العمال وأسمالهم وقهرهم وغضبهم...
قد لا ياتي هذا اليوم لكن التفكير فيه يصنع مساحة للفرح...
فإلى ان يقترب ذلك اليوم: يا أصحابنا، ياعمال العالم اتحدوا.
تعليقات: