تحت كل صورة شخصية لنا اسمها ومكانتها تلك هي الخيام الضيعة التي بداخل حواسنا تغفو وفي احلامنا تنام
إلى نبيه حشمه:
البعض يحن لطفولته
ليتذكر لحظات جميلة لا تنسي
أو لإستعادة صور التقطتها عدسة البصر
دون كاميرا رقمية او مونتاج او اخراج
وحفظت في ارشيف ذاكرته كحكايات الجدات والامهات
أما انا وكثيرين مثلي لا نعشق استعادة الذكريات
لأنها مؤلمة جدا وبها الكثير من الانين والخوف والهجرة والتعب والارهاق التام لحواسنا وعاطفتنا
لكننا نستعيدها فقط كي لا ننسي اننا كنا في الخيام
وانها كانت تسكننا ولا زالت رغم رمادية الايام التي راودتنا عن انفسنا واجبرتنا علي توضيب حقائب الاغتراب دون ان نأخذ معنا شيئاً، سوى امتعة الاشتياق ومرارة الابتعاد..
ومع هذا نسينا فوق كل قرميد اشلاء من اسمائنا
وتحت كل ظل شجرة رخامة لاحلامنا
لا زالت الى الان تحمل تواقيع المغتربين
ومواقيت رحيلهم
وبعض من الرموز التى تقص للطيور قصص الرعب
وحالات الاختناق بالحنين
فكم من شتاء سكب امطاره على شرفات الخيام وهو يسأل عنا
وكم من صيف اتي وحرارته تلسع اماكننا
وكم من ربيع يخلفه ربيع مر وهو يحمل لنا اكاليل من الورد ونحن لم نأتي
حتى اضحى العطر متشنجا
والالوان ملتهبة
واوراق الخريف معاتبة
وبات الخشب مصدر ارهاب لنا
لان البعض لا يعود الا بصندوق وفاة
ليضيع علي الخيام فرصة معرفته حيا
ومعانقته فقط وهو متوف
ليكتب السبب في شهادة وفاتنا
قضي بسبب جرعات مفرطة من الغربة والإشتياق
فطفولتنا كانت فوضاوية برائحة البارود
لم نشعر يوما بتحليق قوس قزح
فوق امنياتنا
فقد كنا منهمكين بالتلويح لمدارسنا وبيوت جيراننا
ودوالي بساتيننا حينما حجزت لنا تذاكر السفر تحت إمرة الحرب لنصعد على متن طائرات ورقية لا زالت خيوطها مرتبطة بصرة الخيام
وحيث كنا نجهل اننا لا زلنا رغم رحيلنا عنها
باقون في بذرتها
وتحت جلدتها
وما بين فلقة لحبة فول وفلقة لتفاحتها
فنحن ورغم اغترابنا لا زلنا متعلقين بشرنقتها
نتدلي من رحم محبتها
نكتب عنها لانها ابجديتنا
وتحت كل صورة شخصية لنا اسمها ومكانتها
تلك هي الخيام الضيعة التي بداخل حواسنا تغفو
وفي احلامنا تنام
فأي شعر قد يختصر اعواما من الفراق
حتى باتت الشوارع والارصفة تجهل من نكون
وتجهل كيف تقرأ لنا
وباتت ذاكرتنا امية وبالكاد تعرف من تجعدت ملامحهم وكبرت اعمارهم وتغيرت اماكنهم
فبأي قواميس لغة سنستعين
لنترجم شوق اقلامنا
البعيدة عن صفحات الوطن
فالبعض يحسدنا على غربتنا
وعلى الصراخ بمشاعرنا
في كل موقع يتبع هوية الخيام
وكأن التنفس من رئة الحبر
اصبح موجعا لخلايا الورق
واوردة الصفحات
وشرايين السطور
فنحن في الغربة لا نلملم الا خيبات الحرب
ولا نجمع الا اصدافا نحاول ان نضعها علي اذاننا لعلها تسمعنا نبرة اوطاننا واغنيات فيروز
وهي تبحث عنا فكلنا غدونا شادي الذي رحل
مع كثافة الثلج
وصرخات الرعد وبكاء المطر
وغثيان الغيم
حتى باتت الكتابة عن مواجعنا اطراءً للحزن
ومديح لجنازة كلماتنا وتأبين لزمن احدث ثقبا عميقا ما بيننا وبين العودة
فكم نحن بحاجة لمعجزة تفوق المستحيل
لتغير واقعنا الذي لا يغير ولا يبدل
فقد اصبحنا نقيس الاعوام التى تدل علي اعمارنا بكم الزمن الذي غدر بنا واقام اسلاك شائكة ما بيننا وبين الرجوع
ولم يعد لنا سوى قلم وكبسة زر وارسال وصورة حديثة لنا لنتواصل مع الاحبة والاصدقاء والارض والوطن
لتتوالي الغصة تلو الغصة حينما تتحول لقمة العيش الي سجن تمنعنا قضبانه من فرد اجنحتنا لنحلق عائدين دون ان نشد احزمة الحاجة علي بطوننا
كي لا نسمع صرير الفقر وانين العوز
لهذا تلحفنا غربتنا وارتدينا معطف الاشتياق ونحن نرتجف بردا لشمس الخيام
لافران الصاج واكواز الصنوبر
وجدائل الجبنة وكرات اللبنة
ورائحة الزعتر وكراسي الخشب
وشعر البنات ونعمومة الكشك
ولذعة الحميضة ونكهة الشاي الاخضر
فكم من نكهة لا زالت تحت عروق السنتنا
تذكرنا بطفولتنا وتعبث بعقلنا الباطن
لتسافر بنا في يقظتنا الى الخيام
حيث لا زالت احلامنا تحت مخدات الريش والقطن والصوف تنام
مثلي مثل الاستاذ نبيه ونيس حشمة وغيرهم وغيرهم ممن علقوا في زمن الطفولة في الخيام
ورغم كبر السن وخطوط الزمن الا ان النكهات المشبعة بالحنين لبلدتنا لا زالت كما هي طازجة وتحرك بداخلنا
اللوعة لفقدان ما لا يعوض .
موضوع نبيه حشمه: "الخيام بلدنا وعز ديارنا"
أغنية السيدة فيروز عن شادي الذي رحل:
كم من ربيع يخلفه ربيع مر وهو يحمل لنا اكاليل من الورد ونحن لم نأتي.. وبات الخشب مصدر ارهاب لنا لان البعض لا يعود الا بصندوق وفاة
اصبحنا نقيس الاعوام التى تدل علي اعمارنا بكم الزمن الذي غدر بنا واقام اسلاك شائكة ما بيننا وبين الرجوع
إلى نبيه حشمه: البعض يحنّ لطفولته ليتذكر لحظات جميلة لا تنسي أو لإستعادة صور التقطتها عدسة البصر
تعليقات: