علي الشطوط.. اسم أشبع المكان بعد غياب الزمان‎

علي الشطوط.. شخصية أسهمت في الناتج المحلي وجعلته حرفة يدوية تحويلية
علي الشطوط.. شخصية أسهمت في الناتج المحلي وجعلته حرفة يدوية تحويلية


لم أجد ما أبدأ به غير اسمه، وكفى بالاسم عنوان، لأنه ليس اسماً عادياً في ذاكرة الخيام. فاسمه من الاسماء المحفوظة بمكاتب السجل العدلي المنتشرة بين أركان مدينة الخيام. اسم يخفي داخله حالة خاصّة بفراديتها في الجنوب والخيام وبين انسان أضحى ذاكرة حية لكل من عاصره وعايشه من بني جلدته والمحيطين به، ذاكرة لم تخفت جذورها ولم تبرح جذوتها المكان، رغم الزمن وغياب الانسان وهذا ما يؤخذ بالحسبان. فلأعمال علي الشطوط مهارة وعنوان ومهنته الحرفية أشبعت المكان وأكّدت انّ حرفية يد الرجل فيها من الموهبة ما عجزت عنه أي يد أخرى في ذلك الزمان....أما سيرة الرجل فتشكل ذاكرة بصرية لكل أبناء مدينة الخيام، خاصّة ان سيرة الشطوط طالت كل شق في الخيام وخارج الخيام. ومما يبدو واضحاً من ذكرى الرجل المدهشة أنها باقية في القصص الشعبية على مر الازمان. لكل اصول المهن خفاياها لتكون سبباً في الحياة. ومهنة علي الشطوط يجب ان تكون السبب الأول والرئيس في ذكرى هذا الانسان لانه كان فنّان بالفطرة والسليقة ويتمتع بعين يقظة ومنفتحة. لقد كان علي الشطوط نسيج وحده وكفى بأسمه عنوان، لانه ليس اسماً عادياً كغيره من الاسماء المحفوظة بمكاتب السجل العدلي المنتشرة بين اركان مدينة الخيام. لقد كان علي الشطوط اسماً اصيلاً وكفى بأصالة الرجل ان ينتمي بمهنته ونجاحه وارثه، الذي لم يرثه، الى الخيام.


علي الشطوط: شخصية تستحق كل الاحترام والتقدير

فلنبدأ بالادعاء وباقامة الدليل بأن نسوق لعلي الشطوط شاهداً يماثله بأنه كان يتمتع بصفات معاصرة اخوانية...سلفية...شيعية...ملحدة...كافرة...زانية...مختلسة...شيطانة...حيث ان كل هذه الصفات والامثلة تستحق ان تكون قضية. لكن بالفحص والتمحيص يظهر ان شخصية علي الشطوط اثبتت وجودهاعند بادئ نظر الى الرجل، او على اقل القضية انها لا تستحق تشكيك سامع في الصوابية، فتأتي حياة الرجل برهاناً على صدق معاناته وجواز الوقوع بطهر تفاصيلها. وقد يجد القارئ الكريم والسامع المتمعن لسيرة علي الشطوط وجود بعض التشكيكات بشخصية الرجل. هذه التشكيكات التي تكثر في بعض الأحيان كثرة واضحة كبعض الصفات النميمة التي تكثر حول الرجل ولكن ذلك لا يعني ان علي الشطوط كان جشعاً او أكثرهم جدلاً او أكثرهم بعداً عن العقلانية في جوانب حياته، بل بعني ذلك أننا بشر سواسية فيما نتركه في أنفس الآخرين من صفات وعلينا العمل من أجل الرقي والمعالجة في حال الاصابة، وان اختلفنا فيما بيننا في أهمية الصفة الغالبة التي يتكئ عليها كل فرد منّا في عملية اقناع وفرض شخصيته في مجتمعه و المحيط. في المحصلة نقول أننا لم نجد في حياة علي الشطوط هذا الاستعمار لصفات النوع البشري، التي تكثر بتركيز واضح، عند مفترق عصرنا الحالي وعليه لا تستحق شخصية هذا الرجل الا كل احترام وتقدير.


علي الشطوط: تجربة تغلغلت في ضمير القرية وتحتمل تغيير اتجاه

تلك هي شخصية علي الشطوط وقد سمت الى بناء علاقة وطيدة وفريدة بالعمل من خلال ربط العمل بالحلم والواقع. شخصية تحملنا الى فهم أعمق للغتها ولغة عملها في زمن كانت له امتدادات مكانية واجتماعية شبه تأسيسية. ويظهر ان الشطوط انشغل أكثر بمصير نفسه وواقعه ذاتاً باحثةً عن العمل مشرّدة عن الحب وضائعةً بين الحب وغربة الذات في بلدته وطنه الاصغر. ويتراءى لي رمز الرجل الفادي، جيلاً من الناس، في كل قلب وعلى كل لسان، كلمة او بعض كلمة. وقد انكسر في قلبي لذاكرة الرجل المحملة بتفاصيله، ماضيه المنكسر امام أزمات أزمنة كسرت وجوده الشخصي ووجود بشر كثيرون من حوله ومن أمثاله. ربما هذا ما يحملني في اتفاق عقلي على رؤية ابداعات الرجل وعزيمته وقوة بصيرته وقد حدّد ىشخصه اختلافه عن الآخرين بابداع مكامنه التي تمثّلت بالعمل أولاً، ثم بخياله الخصب الخلاًق الذي تنسبه اليه قراءات سيكولوجية لطرائفه وذكاء فطرته وصفاء نفسه ثانياً. مما جاء في تدشينه الاسطورة في خيالات القرية وابداعات محدثيها الذين ما فتئوا يستلهمون رموز الرجل الاسطورية في بناء رؤياهم ما يعدّ نقلة كبيرة في واقع تجربة الرجل وتأثيرها المباشر في تاريخ طويل محققاً بذلك خلوداً في ذاكرة القرية والجوار. خلودُ يدعونا الى وصف تجربة علي الشطوط وعمله بالابداع والتجربة الفذّة التي تغلغلت في ضمير القرية وأقاصيصها وأحاديثها التي يجب ان تحتمل اعادة تصويب اتجاه.


علي الشطوط: شخصية أسهمت في الناتج المحلي وجعلته حرفة يدوية تحويلية

تعتبر حياة علي الشطوط رأسمال اجتماعي شمل الخيام وقرى الجوار ونسجت فيما بينها علاقات شفافة لخدمة المجتمع بأسره. لقد اسهم الشطوط بحسن علاقاته المهنية بزيادة انتاجية القرية. لقد نجح حيث لم تنجح الدولة في مجال التنمية البشرية وقد حقّق من خلال مساهماته في دعم الفئات الاجتماعية آليات للنمو. ومما لا شك فيه ان امواله كانت كافية كدعم لجهود اقامة ترابط عضوي وتناسق بين التوجه لخدمة القرية (بمبادرة فكرة القروض) من خلال توجهات عفوية صاحبت الرجل بما يسمى استثمار في الميادين والتي اسهمت فيما بعد في تنمية القرية والجوار بالقدرات البشرية. مسار الشطوط من خلال عمله من أجل بناء رأسمال خدمة خدمت القرية في حين ان السياسات التنموية التي كان معمولاً بها في تلك الحقبة من الزمن والتي انتجتها طبيعة النظام الاقتصادي اللبناني في تلك الفترة، قد اعتمدت مبدأ تهميش المواطن كأولية نظام مطلقة وذلك نتيجة الظلم السياسي المجحف بحق القطاع والنسيج الاجتماعي الجنوبي بشكل خاص واللبناني بشكل عام. ذاك المجتمع الذي امتلك بحق قصة ركود عمل بلا اجور حقيقية ولا انتاجية عمل استمرت الى يومنا الحالي. ذاك المجتمع الذي تخلّلته تبعية كبيرة في معدلات نموه الاقتصادي الذي اتصل بمتغيرات خارجية. في تلك الحقبة ظهر عمل علي الشطوط وقد كان رائداً في مجتمعه المحلي حيث اسهم في ناتجه المحلي الاجمالي بشكل كبير من خلال مهنته وخدماته ذات القيمة المضافة وحرفته اليدوية التحويلية. لقد أسهم علي الشطوط بجهوده الواسعة في تنمية منطقة ريفية بكل معنى الكلمة. لقد أسهم في اعدام حالة من التمنية المشوهة كانت تتمتع بها مناطق الجنوب اللبناني الريفية ومنها بلدته الخيام مساهماً بذلك في تحويل الحالة الى نمو سليم تطلّب الدعم من جهة مفهوم العمل وضرورة ترسيخه. أما آن لنا من تغيير النمط السائد في تحديد معايير نجاح مختلفة من خلال استعراض سريع لتطور شخصيات شغلت المجتمع الخيامي قبل الدخول في وضع معايير خاصّة لهذه الشخصيات الآخذة بالانحدار بالبعد عن فهم السمات الايجابية الرئيسة لهذه الشخصيات ولبنيتها ومكانتها الاجتماعية.

هيفاء نصّار

تعليقات: