لم يكن ينقص نهر الليطاني سوى تلوّث مياهه بالأتربة والحصى والحجارة الناجمة عن عملية غسل الرمول، التي يقوم بها أصحاب المرامل
لم يكن ينقص نهر الليطاني سوى تلوّث مياهه بالأتربة والحصى والحجارة الناجمة عن عملية غسل الرمول، التي يقوم بها أصحاب المرامل التي فرّخت كالفطر على منحدراته في محيط جسر الخردلي، وقاطع دمياط، ومزارع طمرا، والدمشقية والمحمودية، عند ملتقى أقضية جزين ومرجعيون والنبطية.
ويؤدي ذلك مع اصطياد أسماك النهر صعقاً بالتيار الكهربائي، أو بتفجير الديناميت إلى نفوق الكبير والصغير منها، والقضاء على كائناته النهرية التي تعيش فيه، فضلاً عن تعكير مياهه وصباغها باللون البني، بشكل دائم، ما يحرم الزائرين والمتنزهين من التمتع بطبيعته، ويمنع المستحمين من ممارسة هوايتهم في مياه نظيفة. الأمر الذي يستدعي مطالبة المسؤولين المعنيين في الدولة والحكومة والقوى الأمنية، منع أصحاب المرامل من غسل الرمول في النهر وتعكير مياهه تخفيفاً لتلوثها والحفاظ على صفائها وكائناتها المائية.
إضافة إلى ذلك، يعاني نهر الليطاني من إهمال الكثيرين من المتنزهين والمواطنين الذين يقصدون ضفافه في فصلي الربيع والصيف، ويرمون نفاياتهم وفضلات أطعمتهم في مياهه أو تركها وراءهم بشكل فوضوي وعشوائي، مساهمين في زيادة نسبة التلوث في النهر وإعاقة جريانه بشكل طبيعي، لتفاقم هذه الظاهرة من الإهمال المزمن في الحفاظ على نظافته والحدّ من تلوّثه، من قبل الوزارات والمصالح والمؤسسات والبلديات المعنية التي لا يوجد لديها حتى الآن أيّ مشروع جدي، لمعرفة حجم التلوث ونسبته ووضع خطة لمكافحته، مما سيزيد من أوضاعه السيئة ويشوّه جماله وطبيعته.
وبالرغم من وقوع مجرى النهر في المناطق العقارية التابعة لبلديات ديرميماس، القليعة، كفرتبنيت، أرنون ويحمرالشقيف، فإن هذه البلديات لا تستطيع بإمكانياتها المادية والبشرية المساعدة على اتخاذ الإجراءات الآيلة للتخفيف من تلوث النهر والحفاظ على نظافة ضفتيه، ولو من خلال توزيع براميل النفايات في المنطقة، والقيام بإرشاد المواطنين وتحذيرهم من عواقب ترك نفاياتهم في أماكنها بطريقة مكشوفة أو رميها في مياه النهر، أو العمل على منع تسرّب مياه المجاري والجور الصحية إلى مجراه، بحسب رئيس بلدية يحمر الشقيف المهندس قاسم عليق.
بينما الحفاظ على نظافة حوض النهر في نطاق البلديات المذكورة ليس من اختصاصها فقط، بل هو مسؤولية مشتركة يجب أن تتولاها الوزارات والمصالح والمؤسسات والبلديات المعنية بالتكافل والتضامن، وفق نائب رئيس بلدية كفرتبنيت المهندس محمد فقيه، الذي لفت إلى ضعف الإمكانيات المادية للبلديات المعنية للقيام بهذا العمل، فضلاً عن افتقارها للعدد الكافي من الموظفين وعناصر الشرطة البلدية وعمال التنظيفات والآليات والتجهيزات المطلوبة، معرباً عن استعداد هذه البلديات للمشاركة في مثل هذا المشروع حين وجوده ضمن الإمكانيات المتاحة، وبما يتناسب مع طبيعته.
يُذكر أن «جمعية حماية البيئة والمحافظة على التراث» في النبطية، وبالتعاون مع نادي نهر الخردلي لرياضة الزوارق السياحية النهرية «الكانوي كياك»، و «جمعية قريتي في أرنون»، كانوا قد نظّموا حملات تطوّعية عديدة لتنظيف ضفتي نهر الليطاني في منطقة الخردلي خلال السنوات القليلة الماضية عشية الموسم الصيفي من كل عام، بحسب رئيس جمعية قريتي علي حنون، الذي يأسف لذهاب آثار تلك الحملات أدراج الرياح بحلول الموسم الصيفي، حيث يعمل المتنزهون على إعادة تلويث مياه النهر وضفتيه بنفاياتهم وبقايا أطعمتهم، من دون حسيب أو رقيب، مما يتطلّب إيجاد حل لهذه المشكلة التي تتفاقم مع بداية الموسم المذكور من كل عام، وذلك بتعاون وتضافر جهود البلديات والجمعيات والمؤسسات المعنية، ومن خلال إيجاد برنامج فعلي لمواكبة موسم الصيف من بدايته حتى نهايته.
ويرى مدير «نادي الكانوي كياك» عند جسر الخردلي علي عواضة أن هجمة التلوث العاتية والمزمنة التي تجتاح نهر الليطاني منذ عشرات السنين، لم تعد تقتصر على الحوض الأعلى منه في منطقة البقاع، والتي مصدرها مياه المجاري الصحية والنفايات الصلبة ومخلفات المعامل والمصانع والمدابغ والمسالخ والمبيدات الزراعية فقط، بل تعدّتها إلى الحوض الأسفل منه الممتد من بحيرة القرعون في البقاع الغربي حتى مصبّ القاسمية في الجنوب، وعلى الأخص المنطقة المحيطة بجسر الخردلي بعدما اجتاحتها المجاري والجور الصحية التابعة لبعض القرى والبلدات المجاورة لمجرى النهر، إضافة إلى تلوثه بنفايات المتنزهين وأطعمتهم، من دون أدنى تفكير بما تعكسه عادتهم هذه من آثار سلبية مدمّرة على بيئة وطبيعة المنطقة التي تعتبر من أجمل المناطق في الجنوب.
بانتظار تحقيق مشروع متكامل للحفاظ على نظافة مجراه وهذا لا يبدو جلياً في الأفق، سيبقى النهر معتمداً على تنظيف نفسه بنفسه من خلال فيضان مياهه إبان مواسم الشتاء الغنية بكثافة ثلوجها وغزارة أمطارها، كمثل الموسم الفائت، ولا شيء سيساعده غير ذلك.
نفايات بجانب مجرى النهر (عدنان طباجة)
تعليقات: